للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ وَالْحَطَّابِ نَظَرٌ اُنْظُرْ شَرْحَنَا الْكَبِيرَ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى وَجَازَ إخْرَاجُهَا مِنْ قُوتِهِ الْأَدْوَنِ مِنْ قُوتِ الْبَلَدِ إنْ كَانَ يَقْتَاتُ ذَلِكَ لِفَقْرِهِ اتِّفَاقًا، أَوْ لِعَادَةٍ كَالْبَدْوِيِّ يَأْكُلُ الشَّعِيرَ بِالْحَاضِرَةِ وَهُوَ مَلِيءٌ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ حَكَاهُمَا فِي تَوْضِيحِهِ لَا لِشُحٍّ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (إلَّا لِشُحٍّ) عَلَى نَفْسِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى قُوتِ الْبَلَدِ فَلَا يُجْزِيهِ، وَانْظُرْ لَوْ اقْتَاتَهُ لِكَسْرِ نَفْسِهِ

. (ص) وَإِخْرَاجُهُ قَبْلَهُ بِكَالْيَوْمَيْنِ وَهَلْ مُطْلَقًا أَوْ لِمُفَرِّقٍ؟ تَأْوِيلَانِ (ش) يَعْنِي: أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُكَلَّفِ أَنْ يُخْرِجَ زَكَاةَ فِطْرِهِ قَبْلَ يَوْمِ الْعِيدِ بِالْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ كَمَا فِي الْجَلَّابِ، وَهَلْ هَذَا الْجَوَازُ مُطْلَقًا؟ أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ الْمُتَوَلِّي لِتَفْرِقَتِهَا صَاحِبَهَا أَوْ الْإِمَامَ أَوْ غَيْرَهُمَا وَهُوَ فَهْمُ اللَّخْمِيِّ وَشُهِرَ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، أَوْ الْجَوَازُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا هُوَ إذَا دَفَعَهَا لِمَنْ يَتَوَلَّى تَفْرِقَتَهَا كَمَا فَعَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ فَهْمُ ابْنِ يُونُسَ، وَعَلَيْهِ لَوْ تَوَلَّى صَاحِبُهَا تَفْرِقَتَهَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ وَلَا تُجْزِئُهُ تَأْوِيلَانِ، وَمَحَلُّهُمَا إذَا أَتْلَفَهَا الْفَقِيرُ قَبْلَ وَقْتِ الْوُجُوبِ، وَأَمَّا إنْ بَقِيَتْ عِنْدَهُ إلَى الْوَقْتِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ لَأَجْزَأَتْ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ لِدَافِعِهَا إنْ كَانَتْ لَا تُجْزِئُ أَنْ يَنْتَزِعَهَا، فَإِذَا تَرَكَهَا كَانَ كَمَنْ ابْتَدَأَ دَفْعَهَا حِينَئِذٍ

. (ص) وَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ زَمَنِهَا (ش) أَيْ: وَلَا تَسْقُطُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَمَّنْ لَزِمَتْهُ بِمُضِيِّ زَمَنِ وُجُوبِهَا وَهُوَ أَوَّلُ لَيْلَةِ الْعِيدِ أَوْ فَجْرُهُ، بَلْ يُخْرِجُهَا لِمَاضِي السِّنِينَ عَنْهُ وَعَمَّنْ تَلْزَمُهُ عَنْهُ، وَأَمَّا لَوْ مَضَى زَمَنُ وُجُوبِهَا وَهُوَ مُعْسِرٌ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ عَنْهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ فَلَا يُخَاطَبُ بِهَا بَعْدَ مُضِيِّ زَمَنِهَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْفِطْرَ لِسَدِّ الْخَلَّةِ وَهُوَ حَاصِلٌ كُلَّ وَقْتٍ، وَالْأُضْحِيَّةُ لِلتَّظَافُرِ عَلَى إظْهَارِ الشَّعَائِرِ وَقَدْ فَاتَتْ

. (ص) وَإِنَّمَا تُدْفَعُ لِحُرٍّ مُسْلِمٍ فَقِيرٍ (ش) يَعْنِي: أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ تُدْفَعُ لِلْحُرِّ لَا لِلْقِنِّ - وَلَوْ مُكَاتَبًا -: الْمُسْلِمِ لَا الْكَافِرِ، وَلَوْ مُؤَلَّفًا، أَوْ جَاسُوسًا، الْفَقِيرِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهَا لَا تُدْفَعُ لِغَيْرِ مَنْ ذَكَرَ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَلَا تُدْفَعُ لِمَنْ يَلِيهَا وَلَا لِمَنْ يَحْرُسُهَا وَلَا تُعْطَى لِمُجَاهِدٍ أَيْضًا، وَلَا يُشْتَرَى لَهُ بِهَا آلَةٌ وَلَا لِلْمُؤَلَّفَةِ، وَلَا لِابْنِ السَّبِيلِ إلَّا إذَا كَانَ فَقِيرًا بِالْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ بِهِ فَيُعْطَى مِنْهَا بِوَصْفِ الْفَقْرِ، وَلَا يُعْطَى مِنْهَا مَا يُوَصِّلُهُ لِبَلَدِهِ، وَلَا يُشْتَرَى مِنْهَا رَقِيقٌ يُعْتَقُ، وَلَا لِغَارِمٍ.

وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ اللَّذَيْنِ لَمْ يَقَعَا فِي الْقُرْآنِ إلَّا مَقْرُونَيْنِ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الثَّالِثِ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ (بَابُ الصَّوْمِ) وَهُوَ لُغَةً الْإِمْسَاكُ، وَشَرْعًا الْإِمْسَاكُ عَنْ شَهْوَتَيْ الْفَمِ وَالْفَرْجِ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا

ــ

[حاشية العدوي]

لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُطَابِقُ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ سَابِقًا مِنْ أَغْلَبِ الْقُوتِ (قَوْلُهُ: وَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ وَح نَظَرٌ) عِبَارَةُ بَهْرَامَ أَيْ: إذَا كَانَ يَقْتَاتُ أَدْنَى مِنْ قُوتِ أَهْلِ بَلَدِهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ لِشُحٍّ، أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِضِيقٍ وَعَدَمِ قُدْرَةٍ عَلَى اقْتِيَاتِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ قُوتِهِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كُلِّفَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ غَيْرِهِ لَكَانَ مِنْ بَابِ الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ، وَإِنْ كَانَ يَفْعَلُهُ شُحًّا عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى اقْتِيَاتِ الْأَعْلَى فَإِنَّهُ يُكَلَّفُ مِنْ غَالِبِ قُوتِ أَهْلِ الْبَلَدِ اهـ. إلَّا أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ قَالَ مُحَشِّي تت إذْ الْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ هَكَذَا فِي كَلَامِ الْأَئِمَّةِ ثُمَّ إنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ هَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْغَالِبِ أَيْ: إذَا قُلْنَا بِاعْتِبَارِ غَالِبِ الْقُوتِ فَإِنْ أَعْطَى الْأَدْوَنَ لِشُحٍّ فَلَا يَجُوزُ وَلِعُسْرٍ أَوْ عَادَةٍ أَجْزَأَ، وَعَلَى هَذَا شَرَحَهُ شُرَّاحُهُ وَأَقَرُّوهُ وَتَبِعَ الْمُؤَلِّفُ فِي هَذَا التَّفْرِيعِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَيُخْرِجُ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ وَإِنْ كَانَ قُوتُهُ دُونَهُمْ لَا لِشُحٍّ فَقَوْلَانِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ إذْ مَنْ اعْتَبَرَ الْغَالِبَ لَا يُجْزِي الْإِخْرَاجُ مِنْ الْأَدْوَنِ إلَّا لِعَجْزٍ كَمَا فِي ابْنِ يُونُسَ وَابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِمَا فَالْقَوْلُ بِإِجْزَاءِ الْأَدْوَنِ لِغَيْرِ شُحٍّ مُقَابِلٌ لِلْقَوْلِ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ لَا مُفَرَّعٌ عَلَيْهِ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى وَجَازَ إلَخْ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ مُغَايِرَةٌ لِلْعِبَارَةِ الْأُولَى وَهِيَ مُوَافِقَةٌ لِلَفْظِ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ إلَّا لِشُحٍّ مِمَّا يُؤَدِّي هَذِهِ الْعِبَارَةَ.

(قَوْلُهُ: أَوْ لِعَادَةٍ كَالْبَدْوِيِّ إلَخْ) ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ لَا يُجْزِي (قَوْلُهُ: وَانْظُرْ لَوْ اقْتَاتَهُ لِكَسْرِ نَفْسِهِ) فِي ك الْجَزْمُ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ نَقْلًا عَنْ عج

(قَوْلُهُ: تَأْوِيلَانِ) وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ: بِالْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ) كَذَا نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الرَّاجِحُ خِلَافًا لِزِيَادَةِ الْجَلَّابِ الثَّالِثَ فَإِنَّهُ لَمْ يُعَوَّلْ عَلَيْهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الصَّغِيرُ

(قَوْلُهُ: عَمَّنْ لَزِمَتْهُ) قَصْرُ الْكَلَامِ عَلَى حَالَةِ الْوُجُوبِ فِي شَرْحِ عب التَّعْمِيمَ فَقَالَ أَيْ: لَا يَسْقُطُ طَلَبُهَا وُجُوبًا فِيمَا يَجِبُ وَنَدْبًا فِيمَا يُنْدَبُ سَنَدٌ وَلَا يَأْثَمُ مَا دَامَ يَوْمُ الْفِطْرِ بَاقِيًا فَإِنْ أَخَّرَهَا عَنْهُ أَيْ: مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ أَثِمَ مَعَ الْقُدْرَةِ، (قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ إلَخْ) وَلَا يَقْدَحُ فِي الْفَرْقِ خَبَرُ «أَغْنُوهُمْ عَنْ السُّؤَالِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ» لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْخِطَابَ بِهَا يُعَدُّ جَبْرًا لِمَا حَصَلَ لَهُمْ، أَوْ لِبَعْضِهِمْ مِنْ ذُلِّ السُّؤَالِ يَوْمَهَا بِعَدَمِ دَفْعِهِ عَلَيْهِ فِيهِ (قَوْلُهُ: لِسَدِّ الْخَلَّةِ) بِفَتْحِ الْخَاءِ أَيْ: الْحَاجَةِ (قَوْلُهُ: لِلتَّظَافُرِ) أَيْ: لِلتَّعَاوُنِ وَقَوْلُهُ: وَقَدْ فَاتَتْ أَيْ: الشَّعَائِرُ

(قَوْلُهُ: فَقِيرٍ) أَيْ: فَقِيرِ الزَّكَاةِ عَلَى الْمَشْهُورِ فَتُدْفَعُ لِمَالِكِ نِصَابٍ لَا يَكْفِيهِ لِعَامِهِ.

وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: لَا تُدْفَعُ لَهُ وَيُؤَيِّدُهُ خَبَرُ «أَغْنُوهُمْ عَنْ طَوَافِ هَذَا الْيَوْمِ» وَتُدْفَعُ لِلْمَسَاكِينِ بِالْأَوْلَى أَيْ: فَالْحَصْرُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا لَا تُدْفَعُ لِمَنْ يَلِيهَا وَغَيْرِهِ مِمَّا عَدَا الْمَسَاكِينَ.

(تَنْبِيهٌ) : لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَطْلُبَهَا كَمَا يَطْلُبُ غَيْرَهَا وَلَا يَأْخُذَهَا كَرْهًا وَإِنْ بِقِتَالٍ (قَوْلُهُ: إلَّا مَقْرُونَيْنِ) هُنَا صِفَةٌ مَحْذُوفَةٌ، وَالتَّقْدِيرُ أَيْ: اللَّذَيْنِ هُمَا الرُّكْنَانِ الْأَوَّلَانِ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الثَّالِثِ إلَخْ.

[بَابُ الصَّوْمِ]

(بَابُ الصَّوْمِ) شُرِعَ الصَّوْمُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ عَلَى صَاحِبِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ كَزَكَاةِ الْفِطْرِ (قَوْلُهُ: الْإِمْسَاكُ) أَيْ: مُطْلَقُ الْإِمْسَاكِ وَالْكَفِّ عَنْ الشَّيْءِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم: ٢٦] أَيْ: صَمْتًا وَإِمْسَاكًا عَنْ الْكَلَامِ (قَوْلُهُ: وَشَرْعًا هُوَ الْإِمْسَاكُ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ فِعْلِيَّةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>