عَبْدُ مَنْ يَعْرِفُهُ ثُمَّ جَاءَ مَنْ ادَّعَاهُ غَيْرُهُ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ التَّكْرَارُ مَعَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ الْتَقَطَ عَبْدًا لَا يَعْرِفُ سَيِّدَهُ فَإِنَّهُ يُرْفَعُ لِلْإِمَامِ وَعَلَيْهِ يَكُونُ تَكْرَارٌ مَعَ مَا مَرَّ أَعَادَهُ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ (إنْ لَمْ يَخَفْ ظُلْمَهُ) أَيْ فَإِنْ خَافَهُ فَلَا يَرْفَعُهُ وَيَجْرِي فِيهِ التَّفْصِيلُ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَاسْتَحَقَّهُ سَيِّدُهُ إلَخْ كَمَا أَنَّهُ يَجْرِي ذَلِكَ فِيمَا إذَا رَفَعَهُ لِلْإِمَامِ حَيْثُ لَمْ يَخَفْ ظُلْمَهُ.
(ص) وَإِنْ أَتَى رَجُلٌ بِكِتَابِ قَاضٍ أَنَّهُ قَدْ شَهِدَ عِنْدِي أَنَّ صَاحِبَ كِتَابِي هَذَا فُلَانٌ هَرَبَ مِنْهُ عَبْدٌ وَوَصَفَهُ فَلْيُدْفَعْ إلَيْهِ بِذَلِكَ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَبَقَ لَهُ عَبْدٌ مِنْ قُطْرٍ إلَى آخَرَ فَأَقَامَ صَاحِبُ الْعَبْدِ بَيِّنَةً عِنْدَ قَاضِي قُطْرِهِ شَهِدَتْ لَهُ أَنَّهُ أَبَقَ لَهُ عَبْدٌ وَوَصَفَتْهُ الْبَيِّنَةُ وَحَلَّتْهُ وَصْفًا يُطَابِقُ الْعَبْدَ الَّذِي عِنْدَ الْقَاضِي الْمُرْسَلِ إلَيْهِ الْكِتَابُ الْمُتَضَمِّنُ لِلشَّهَادَةِ الْمَزْبُورَةِ فَإِذَا جَاءَ هَذَا الْكِتَابُ إلَى الْقَاضِي الْمُرْسَلِ إلَيْهِ وَوَجَدَ فِيهِ مَا يُطَابِقُ الْعَبْدَ الَّذِي عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ الْعَبْدَ إلَى صَاحِبِهِ بِذَلِكَ فَقَوْلُهُ بِكِتَابٍ أَيْ مَكْتُوبِ قَاضٍ، وَالْمَكْتُوبُ هُوَ مَا فِي الْكَاغَدِ فَقَوْلُهُ أَنَّهُ قَدْ شَهِدَ عِنْدِي إلَخْ بَدَلُ كُلٍّ مِنْ كُلٍّ، وَقَوْلُهُ فُلَانٌ بَدَلٌ مِنْ مَحَلِّ اسْمِ إنَّ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ قَوْلُهُ هَرَبَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(بَابٌ) ذُكِرَ فِيهِ الْقَضَاءُ وَشُرُوطُهُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَهُوَ مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ كَالْجَعَالَةِ وَالْقِرَاضِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَالْمُغَارَسَةِ وَالتَّحْكِيمِ وَالْوَكَالَةِ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْقَضَاءُ الْحُكْمُ وَأَصْلُهُ قَضَايٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَضَيْت إلَّا أَنَّ الْيَاءَ لَمَّا جَاءَتْ بَعْدَ الْأَلِفِ هُمِزَتْ وَالْجَمْعُ الْأَقْضِيَةُ وَالْقَضِيَّةُ مِثْلُهُ وَالْجَمْعُ الْقَضَايَا وَقَضَى أَيْ حَكَمَ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} [الإسراء: ٢٣] وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْفَرَاغِ تَقُولُ قَضَيْت حَاجَتِي وَضَرَبَهُ فَقَضَى عَلَيْهِ أَيْ قَتَلَهُ كَأَنَّهُ فَرَغَ مِنْهُ وَقَضَى نَحْبَهُ قَضَاءً أَيْ مَاتَ إلَخْ وَعَرَّفَهُ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: أَعَادَهُ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ حَيْثُ يَكُونُ الْحَالُ كَذَلِكَ كَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهَا هُنَاكَ
. (قَوْلُهُ: وَوَصَفَهُ) أَيْ الْقَاضِي فِي كِتَابِهِ بِوَصْفِ الشُّهُودِ لَهُ. (قَوْلُهُ: فَلْيُدْفَعْ إلَيْهِ) أَيْ وُجُوبًا وَلَا يُبْحَثُ عَنْ الْبَيِّنَةِ وَلَا يُطَالَبُ بِإِحْضَارِهَا إلَيْهِ وَلَكِنْ الدَّفْعُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ يَمِينِ الْقَضَاءِ أَنَّهُ مَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَا يُخَالِفُ قَوْلَهُ فِي بَابِ الْقَضَاءِ، وَلَمْ يُفِدْ وَحْدَهُ لِاحْتِمَالِ تَقْيِيدِ تِلْكَ بِهَذِهِ أَوْ أَشَارَ لِقَوْلَيْنِ إلَّا أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ إشَارَةٌ لِقَوْلَيْنِ فَهَلْ هُمَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ أَوْ يَكُونُ الثَّانِي أَرْجَحَ؛ لِأَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي بَابِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ بَابُهُ قَالَ مُحَشِّي تت بَعْدَ ذَلِكَ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إنَّمَا قُبِلَ هُنَا وَحْدَهُ لِخِفَّةِ الْأَمْرِ فِيهِ إذْ لَهُ أَخْذُهُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ وَقَدْ أَشَارَ لِهَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَذَكَرَ نَصَّهَا فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: الْمَزْبُورَةِ) أَيْ الْمَكْتُوبَةِ وَقَوْلُهُ: فِي الْكَاغَدِ نُسْخَةُ شَيْخِنَا عَبْدِ اللَّهِ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَبَعْدَهَا ظَاءٌ مُشَالَةٌ لَا ضَادٌ إلَّا أَنَّ الَّذِي قَالَهُ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ الْكَاغَدُ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ. (قَوْلُهُ: بَدَلُ كُلٍّ مِنْ كُلٍّ) أَيْ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَهُ أَنَّ كِتَابًا بِمَعْنَى مَكْتُوبٍ وَإِنْ شِئْت قُلْت بَدَلُ اشْتِمَالٍ أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ كِتَابًا عَلَى مَصْدَرِيَّتِهِ إلَّا أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ عَلَى ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّ الْكَتْبَ بِمَعْنَاهُ الْمَصْدَرِيِّ لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَّصِفَ بِأَنَّهُ مَا أَتَى بِهِ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: بَدَلٌ مِنْ اسْمِ أَنَّ) أَيْ قَبْلَ دُخُولِ النَّاسِخِ عِنْدَ مَنْ لَا يَشْتَرِطُ وُجُودَ الْمُحْرِزِ وَهُمْ الْكُوفِيُّونَ.
(قَوْلُهُ: وَالْخَبَرُ قَوْلُهُ: هَرَبَ) وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ قَوْلُهُ: فُلَانٌ وَمَحَطُّ الْفَائِدَةِ قَوْلُهُ: هَرَبَ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ مُفِيدٌ إمَّا بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ أَوْ بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ وَذَلِكَ إنْ هَرَبَ مِنْهُ عَبْدٌ حَالٌ مِنْهُ عَلَى تَقْدِيرِ قَدْ؛ لِأَنَّهُ مَعْرِفَةٌ؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ الْعِلْمِ إلَّا أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ حَذَفَ قَوْلَهُ فُلَانٌ وَاقْتَصَرَ عَلَى هَرَبَ لَكَفَى مَعَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فَالْأَوْلَى مِنْهُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: هَرَبَ خَبَرًا ثَانِيًا وَذَلِكَ أَنَّ الْفَائِدَةَ حِينَئِذٍ تَمَّتْ بِالْأَمْرَيْنِ مَعًا
[بَاب الْقَضَاءُ وَشُرُوطُهُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]
. (بَابُ الْقَضَاءِ) . (قَوْلُهُ: ذَكَرَ فِيهِ بَابَ الْقَضَاءِ وَشُرُوطِهِ) لَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ ذَكَرَ تَعْرِيفَ الْقَضَاءِ مَعَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يُعَرِّفْهُ وَالْمُخَلِّصُ أَنْ يَجْعَلَ عَطْفَ وَشُرُوطِهِ عَلَى قَوْلِهِ الْقَضَاءِ عَطْفَ تَفْسِيرٍ وَقَوْلُهُ: وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَيْ مِنْ الْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ وَقَوْلُهُ: وَهُوَ مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ أَيْ فَلِلْقَاضِي عَزْلُ نَفْسِهِ قَبْلَ الشُّرُوعِ وَبَعْدَهُ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْقَضَاءِ شَدِيدٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ بِحَقِّهِ إلَّا مَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَحُكِيَ أَنَّ سُلْطَانًا أَرَادَ أَنْ يُوَلِّيَ شَخْصًا الْقَضَاءَ، فَأَخَذَ ذَلِكَ الشَّخْصُ جَرِيدَةً وَصَارَ يَغْرِسُهَا فِي بُيُوتِ الْأَخْلِيَةِ فَأُخْبِرَ السُّلْطَانُ بِذَلِكَ فَأَرْسَلَ إلَيْهِ فِي شَأْنِ ذَلِكَ فَجَاءَ إلَيْهِ فَقَالَ لَهُ لِمَ تَفْعَلُ ذَلِكَ فَقَالَ أَقُولُ أَيُّهَا الْمَأْكُولَاتُ اللَّذِيذَةُ الَّتِي يَتَشَاحَنُ النَّاسُ وَيَتَنَازَعُونَ فِي اكْتِسَابِهَا لِمَ صِرْتِي لِتِلْكَ الْحَالَةِ الْقَذِرَةِ الْمُنْتِنَةِ فَأَجَابَتْنِي بِقَوْلِهَا سَبَبُ ذَلِكَ مُجَاوَزَتِي جَوْفَ بَنِي آدَمَ فَعَفَا عَنْهُ. (قَوْلُهُ: كَالْجَعَالَةِ إلَخْ) أَيْ فَالتَّنْظِيرُ فِي الْجُمْلَةِ. (قَوْلُهُ: وَالْمُغَارَسَةِ) أَيْ فَهِيَ لَازِمَةٌ قَبْلُ. (قَوْلُهُ: وَالتَّحْكِيمِ وَالْوَكَالَةِ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ يَجُوزُ عَزْلُ نَفْسِهِ قَبْلَ وَبَعْدَ التَّحْكِيمِ وَالْوَكَالَةِ.
(قَوْلُهُ: الْقَضَاءُ الْحُكْمُ) جُمْلَةٌ مُعَرَّفَةُ الطَّرَفَيْنِ فَتَقْتَضِي الْحَصْرَ مَعَ أَنَّ الْقَضَاءَ لَيْسَ مَحْصُورًا فِي هَذَا الْمَعْنَى. (قَوْلُهُ: وَالْقَضِيَّةُ مِثْلُهُ) أَيْ الْقَضَاءُ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْحُكْمُ. (قَوْلُهُ: وَقَضَى أَيْ حَكَمَ) أَقُولُ فِيهِ شَيْءٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا حَكَمَ لَا يَتَخَلَّفُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا رَاجِعٌ لِلْمُؤْمِنِينَ لَا عَلَى مُطْلَقِ الْمُكَلَّفِينَ حَتَّى يُرَدَّ الْإِشْكَالُ، وَالْأَحْسَنُ تَفْسِيرُ الْقَضَاءِ بِالْأَمْرِ الْجَازِمِ الْأَكِيدِ. (قَوْلُهُ: قَضَيْت حَاجَتِي) أَيْ فَرَغْت مِنْهَا. (فَقَوْلُهُ: أَيْ قَتَلَهُ) تَفْسِيرٌ لِلْقَضَاءِ أَيْ إنَّ الْمُرَادَ بِالْقَضَاءِ الْقَتْلُ فَنَقُولُ حَاصِلُ الْمَعْنَى ضَرَبْته فَقَتَلْته أَيْ أَزْهَقْت رُوحَهُ وَقَوْلُهُ: كَأَنَّهُ فَرَغَ مِنْهُ أَيْ أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ صَارَ كَأَنَّهُ حَاجَةً فَرَغَ مِنْهَا فَلِذَا عَبَّرَ بِكَأَنْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّحْقِيقِ أَيْ أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ فَقَدْ فَرَغَ مِنْ شَأْنِهِ أَيْ حَالِهِ فَصَارَ لَا يُعَانِي بَعْدَ مُوَارَاتِهِ فِي التُّرَابِ كَمَا لَا تُعَانِي الْحَاجَةُ الْمَفْرُوغُ مِنْهَا. (قَوْلُهُ: وَقَضَى نَحْبَهُ) وَالنَّحْبُ فِي الْأَصْلِ