للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا نُفُوذَ حُكْمِهِ الشَّرْعِيِّ وَلَوْ بِتَعْدِيلٍ أَوْ تَجْرِيحٍ لَا فِي عُمُومِ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ فَيَخْرُجُ التَّحْكِيمُ وَوِلَايَةُ الشُّرْطَةِ وَأَخَوَاتِهَا وَالْإِمَامَةُ الْعُظْمَى، وَلَمَّا رَأَى الشَّيْخُ أَنَّ الْقَضَاءَ فِي الشَّرْعِ مَعْنًى حُكْمِيٌّ أَتَى بِقَوْلِهِ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ وَرَدَّ عَلَى مَنْ قَالَ إنَّهُ الْفَصْلُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ لِقِصَرِهِ عَلَى الْفَصْلِ الْفِعْلِيِّ، وَالْقَضَاءُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَهُ مَعْنًى يُوجِبُ لَهُ نُفُوذَ الْفَصْلِ وَإِنْ لَمْ يَفْصِلْ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ عُرْفًا مَنْ كَانَ فِيهِ مَعْنًى اخْتَصَّ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ شَرْعًا فَصَلَ أَوْ لَمْ يَفْصِلْ، وَقَوْلُهُ نُفُوذَ أَيْ إمْضَاءَهُ وَهُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ بِمَعْنَى الْإِمْضَاءِ وَبِالْمُهْمَلَةِ بِمَعْنَى الْفَرَاغِ قَالَ تَعَالَى {لَنَفِدَ الْبَحْرُ} [الكهف: ١٠٩] ، قَوْلُهُ وَلَوْ بِتَعْدِيلٍ إلَخْ عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ يُوجِبُ نُفُوذَ حُكْمِهِ الشَّرْعِيِّ بِكُلِّ شَيْءٍ حَكَمَ بِهِ وَلَوْ كَانَ بِتَعْدِيلٍ إلَخْ لِيَصِيرَ التَّعْدِيلُ وَالتَّجْرِيحُ مُتَعَلِّقَ الْحُكْمِ وَهُوَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ لَا فِي عُمُومِ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ أَخْرَجَ بِهِ الْإِمَامَةَ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ لَهُ قِسْمَةُ الْغَنَائِمِ وَلَا تَفْرِيقُ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ وَلَا تَرْتِيبُ الْجُيُوشِ وَلَا قَتْلُ الْبُغَاةِ وَلَا الْإِقْطَاعَاتُ وَلَمَّا كَانَ مُسْتَحِقَّ الْقَضَاءِ هُوَ مَنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْصَافٍ قَالَ الْمُؤَلِّفُ.

(ص) أَهْلُ الْقَضَاءِ عَدْلٌ (ش) أَيْ الْمُتَأَهِّلُ لِلْقَضَاءِ وَمُسْتَحِقُّهُ عَدْلٌ أَيْ عَدْلُ الشَّهَادَةِ وَلَوْ عِتْقًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَعَنْ سَحْنُونَ الْمَنْعُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَسْتَحِقَّ فَيُرَدُّ أَحْكَامُهُ وَالْعَدْلُ وَصْفٌ مُرَكَّبٌ مِنْ خَمْسَةِ أَوْصَافٍ: الْإِسْلَامُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ

ــ

[حاشية العدوي]

النَّذْرُ أَيْ قَضَى نَذْرَهُ وَذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنْ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ لَازِمُ الْحُصُولِ كَالْمَوْتِ فَقَوْلُهُ: أَيْ مَاتَ تَفْسِيرٌ لِقَضَى نَحْبَهُ. (قَوْلُهُ: فَيَخْرُجُ التَّحْكِيمُ) إنَّمَا خَرَجَ التَّحْكِيمُ مِنْ تَعْرِيفِهِ؛ لِأَنَّ الْمُحَكَّمَ لَا يَحْكُمُ فِي الْقِصَاصِ وَالطَّلَاقِ وَاللِّعَانِ قَالَ الْحَطَّابُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ التَّحْكِيمُ يَخْرُجُ مِنْ تَعْرِيفِهِ لَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ خُرُوجِهِ فَإِنَّ الْمُحَكَّمَ لَا يَحْكُمُ ابْتِدَاءً إلَّا فِي الْأَمْوَالِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِ الْحُكْمَيْنِ فَلَا يَحْكُمُ فِي النَّسَبِ وَالْقِصَاصِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ فِي ذَلِكَ بِغَيْرِهِمَا قَالُوا فَإِنْ حَكَمَ فِيهَا بِغَيْرِ جَوْرٍ نَفَدَ حُكْمُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّعْدِيلَ وَالتَّجْرِيحَ كَذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ خُرُوجُ التَّحْكِيمِ بِاعْتِبَارِ جَوَازِ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ إذَا وَقَعَ مَضَى إنْ كَانَ صَوَابًا. (قَوْلُهُ: وَأَخَوَاتُهَا) وُلَاةُ الْمَاءِ وَجُبَاةُ الزَّكَاةِ وَنَحْوُهُمَا.

(قَوْلُهُ: مَعْنًى حُكْمِيٌّ) أَيْ لَا حِسِّيٌّ. (قَوْلُهُ: لِقَصْرِهِ عَلَى الْفَصْلِ الْفِعْلِيِّ) أَيْ الْوَاقِعِ بِالْفِعْلِ. (قَوْلُهُ: وَالْقَضَاءُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ أَعَمُّ وُجُودًا إلَّا أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ حَقِيقَةَ الْقَضَاءِ الَّذِي هُوَ الصِّفَةُ الْمَذْكُورَةُ تُحْمَلُ عَلَى الْفَصْلِ الْفِعْلِيِّ وَالْفَصْلِ بِالْإِمْكَانِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَهُ مَعْنًى) الْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِهِ لَهُ وَكَانَ يَقُولُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مَعْنًى. (قَوْلُهُ: وَهُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ جَوَازُ الْأَمْرَيْنِ هُنَا وَلَكِنْ يُخَالِفُهُ مَا فِي شَرْحِ عب أَنَّهُ هُنَا بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ نُفُوذُ بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ أَيْ إمْضَاءٌ لَا بِمُهْمَلَةٍ بِمَعْنَى فَرَغَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لَنَفِدَ الْبَحْرُ} [الكهف: ١٠٩] انْتَهَى لَكِنْ الظَّاهِرُ الصِّحَّةُ لِلدَّالِ الْمُهْمَلَةِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا نَفَذَ فَقَدْ فَرَغَ أَيْ تَمَّ أَمْرُهُ فَلَا يَرْجِعُ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: بِكُلِّ شَيْءٍ حَكَمَ بِهِ) أَيْ فَحُكْمٌ اسْمُ جِنْسٍ مُضَافٍ يَعُمُّ جَمِيعَ الْأَحْكَامِ؛ وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ بِكُلِّ شَيْءٍ حَكَمَ بِهِ إلَّا أَنَّ بَعْضَ الشُّيُوخِ اسْتَظْهَرَ أَنْ لَا يُقَدَّرَ مَا قَبْلَ الْمُبَالَغَةِ عَامًّا لِئَلَّا يُنَاقِضَ قَوْلَهُ لَا فِي عُمُومِ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ فَلَوْ قُدِّرَ لَفْظٌ فِي الْجُمْلَةِ لَكَانَ أَظْهَرَ وَلَك أَنْ تَقُولَ إنَّ الْمَعْنَى بِكُلِّ شَيْءٍ حَكَمَ بِهِ أَيْ فِي بَعْضِ جُزْئِيَّاتٍ لَا فِي عُمُومٍ فَقَوْلُهُ: لَا فِي عُمُومٍ لَيْسَ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ بِكُلِّ شَيْءٍ حَكَمَ بِهِ بَلْ مَعْطُوفٌ عَلَى ذَلِكَ الْمَحْذُوفِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ بِتَعْدِيلٍ) أَيْ وَلَوْ كَانَ حُكْمُهُ بِتَعْدِيلٍ وَمِثْلُ التَّعْدِيلِ وَالتَّجْرِيحِ الْحُدُودُ خِلَافًا لِلْقَرَافِيِّ أَيْ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ إذَا عُدِّلَا وَلَمْ يَرْضَ الْخَصْمُ بِذَلِكَ فَيَقُولُ الْقَاضِي حَكَمْت بِتَعْدِيلِهِمَا أَيْ بِصِحَّةِ تَعْدِيلِهِمَا فَيَنْفُذُ شَهَادَةُ الشَّاهِدَيْنِ، وَكَذَلِكَ يُقَالُ فِي التَّجْرِيحِ وَدُفِعَ بِالْمُبَالَغَةِ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ وَنَحْوِهَا لَا بِالتَّعْدِيلِ وَالتَّجْرِيحِ.

(فَائِدَةٌ) يَجِبُ قَبُولُ الْقَضَاءِ فَوْرًا إنْ كَانَتْ تَوْلِيَةٌ مِنْ السُّلْطَانِ مُبَاشَرَةٌ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ الْقَبُولُ فَوْرًا وَلَا يُشْتَرَطُ التَّصْرِيحُ بِهِ بَلْ يَكْفِي الشُّرُوعُ فِي الْأَحْكَامِ وَيَكْفِي فِي الْوِلَايَةِ مَعْرِفَةُ خَطِّ الْمُوَلَّى دُونَ إشْهَادٍ، وَيَكْفِي فِيهَا الشِّيَاعُ فَلَوْ حَكَمَ مِنْ غَيْرِ شِيَاعٍ مَضَى وَلِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَنِيبَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ بِخِلَافِ حُكْمِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَلَا يَجُوزُ تَوْلِيَةُ الْقَضَاءِ لِمَنْ يَسْأَلُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُنْفَرِدًا بِشُرُوطِ الْقَضَاءِ فَإِنْ وُلِّيَ مَضَى وَنَفَذَتْ أَحْكَامُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَأَلَ التَّوْلِيَةَ بِدَفْعِ مَالٍ فَلَا تَمْضِي وِلَايَتُهُ وَلَوْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ وَلَا تَنْفُذُ أَحْكَامُهُ وَلَوْ وَافَقَتْ الْحَقَّ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَدْفَعَ مَالًا عَلَى عَزْلِ قَاضٍ آخَرَ لِيَتَوَلَّى مَوْضِعَهُ فَإِنْ وَقَعَ فَهُوَ بَاطِلٌ وَالْمَعْزُولُ بَاقٍ عَلَى وِلَايَتِهِ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَتَوَلَّى مِنْ الْإِمَامِ غَيْرِ الْعَدْلِ وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُوَلِّيَ قَاضِيًا لَا يَرَى مَذْهَبَهُ وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الْقَاضِيَ اسْتَنَابَهُ قُبِلَ قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِثْبَاتُ وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ النَّاسَ الْعَمَلُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ حَتَّى يَثْبُتَ مَا ادَّعَاهُ وَيُشْتَرَطُ فِي الْقَاضِي مَعْرِفَةُ الْأَمِيرِ الَّذِي وَلَّاهُ وَالْمَحَلِّ الَّذِي وُلِّيَ عَلَيْهِ وَالنَّوْعِ الَّذِي وُلِّيَ فِيهِ وَاعْلَمْ أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْقَضَاءِ الْإِيجَابُ أَوْ التَّحْرِيمُ دُونَ الْكَرَاهَةِ وَالنَّدْبِ فَحُكْمُ الْقُضَاةِ الْآنَ بِالْمُتْعَةِ وَهِيَ مَنْدُوبَةٌ جَهْلٌ مِنْهُمْ، وَقَدْ يَتَعَلَّقُ الْقَضَاءُ بِالْمُبَاحِ كَمَنْ أَحْيَا أَرْضًا ثُمَّ تَرَكَهَا فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَحْكُمُ بِإِبَاحَتِهَا قَطْعًا لِلنِّزَاعِ بَيْنَ النَّاسِ وَيَصِيرُ الْأَوَّلُ وَاحِدًا مِنْهُمْ. (قَوْلُهُ: وَلَا الْإِقْطَاعَاتُ) تَقَدَّمَ تَعْرِيفُ الْإِقْطَاعِ.

. (قَوْلُهُ: وَعَنْ سَحْنُونَ) هَذَا مُقَابِلُ الْجُمْهُورِ وَقَوْلُهُ: لِاحْتِمَالِ إلَخْ يُرَدُّ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَيُرَدُّ أَيْضًا بِقَبُولِ شَهَادَتِهِ مَعَ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ، وَالْجَوَابُ أَنَّ لِلْإِمَامِ مَنْدُوحَةً عَنْ وِلَايَتِهِ بِخِلَافِ قَبُولِهِ شَهَادَتَهُ فِي أَمْرٍ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ لَا يَعْرِفُهُ غَيْرُهُ وَقَوْلُهُ: وَالْعَدْلُ كَذَا فِي الْأَصْلِ وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَالْعَدَالَةُ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ لَيْسَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بَلْ الْمُرَكَّبُ مِنْ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ الْعَدَالَةُ (قَوْلُهُ: خَمْسَةُ أَوْصَافٍ) وَهَلْ يُعْزَلُ بِمُجَرَّدِ طُرُوِّ الْفِسْقِ أَوْ يَجِبُ عَزْلُهُ خِلَافٌ وَقَالَ أَصْبَغُ تَنْفُذُ أَحْكَامُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>