للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا أَنْ يَرْضَى بَائِعُهَا بِقَبْضِهَا مِنْ مُشْتَرِيهَا، وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْهَا، وَلَا مَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهَا قَبْضُهَا، وَثَانِيهِمَا أَنْ يَثْبُتَ الْمُوجِبُ لِلرَّدِّ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِالرَّدِّ، وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَاضِرِ، وَأَمَّا الْغَائِبُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِالرَّدِّ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ إنْ رَضِيَ بِالْقَبْضِ أَنَّهُ لَوْ وَافَقَهُ عَلَى أَنَّ الْعَيْبَ قَدِيمٌ، وَلَمْ يَرْضَ بِقَبْضِهَا أَنَّهَا لَا تَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَدَّعِي عَلَيْهِ أَنَّهُ تَبَرَّأَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الْعَيْبِ.

[الْبَائِعَ إذَا غَلِطَ فِي ذَاتِ الْمَبِيعِ]

وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى مُوجِبِ الرَّدِّ، وَهُوَ الْخِيَارُ الشَّرْطِيُّ، وَالْحُكْمِيُّ شَرَعَ فِيمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ الرَّدِّ بِهِ فَمِنْهَا الْغَلَطُ فِي الذَّوَاتِ، وَهُوَ قَوْلُهُ (ص) وَلَمْ يُرَدَّ بِغَلَطٍ إنْ سُمِّيَ بِاسْمِهِ (ش) وَالْمَعْنَى أَنَّ الْبَائِعُ إذَا غَلِطَ فِي ذَاتِ الْمَبِيعِ بِأَنْ لَا يَعْرِفَهُ الْمُتَبَايِعَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَلَا رَدَّ لَهُ حَيْثُ صَدَقَ الِاسْمُ عَلَيْهِ بِأَنْ سُمِّيَ بِاسْمِهِ الْعَامِّ بِأَنْ يَقُولَ اشْتَرِ مِنِّي هَذَا الْحَجَرَ فَإِذَا هُوَ يَاقُوتَةٌ فَيَقُولُ الْبَائِعُ مَا ظَنَنْته يَاقُوتَةً فَإِنَّهُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا شَيْءَ لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَتَثَبَّتَ قَبْلَ بَيْعِهِ، وَأَمَّا لَوْ بَاعَ يَاقُوتَةً فَإِذَا هِيَ حَجَرٌ فَإِنَّ لِمُشْتَرِيهِ رَدَّهُ، وَبِعِبَارَةٍ اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَلَطِ جَهْلُ اسْمِهِ الْخَاصِّ وَحَقِيقَتِهِ الْمُتَضَمِّنِ ذَلِكَ لِجَهْلِ قِيمَتِهِ مَعَ مَعْرِفَتِهِ بِشَخْصِهِ، وَقَوْلُهُ إنْ سُمِّيَ بِاسْمِهِ أَيْ الْعَامِّ إنْ سَمَّاهُ بِلَفْظٍ يُطْلَقُ عَلَيْهِ حَقِيقَةً عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ، وَأَوْلَى إنْ لَمْ يُسَمِّهِ أَصْلًا فَإِنَّ تَسْمِيَتَهُ بِاسْمِهِ الْعَامِّ دُونَ الْخَاصِّ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى زِيَادَةِ الْجَهْلِ بِهِ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ تَرَكَ تَسْمِيَتَهُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ حُصُولِ الْغَلَطِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا مَعَ عِلْمِ الْآخَرِ كَمَا يُفِيدُهُ نَقْلُ ح، وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ غَيْرَ وَكِيلٍ، وَإِلَّا رَدَّ الْمَبِيعَ بِالْغَلَطِ بِلَا نِزَاعٍ (ص) وَلَا بِغَبْنٍ (ش) الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يُرَدُّ بِالْغَبْنِ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ اشْتِرَاءِ السِّلْعَةِ بِأَكْثَرَ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنَّ النَّاسَ يَتَغَابَنُونَ بِهِ أَوْ يَبِيعُهَا بِأَقَلَّ كَذَلِكَ، وَأَمَّا مَا جَرَتْ بِهِ فَلَا يُوجِبُ رَدًّا اتِّفَاقًا.

فَقَوْلُهُ (وَلَوْ خَالَفَ الْعَادَةَ) إشَارَةٌ لِرَدِّ مَا عَدَاهُ مِنْ الْأَقْوَالِ (ص) وَهَلْ إلَّا أَنْ يَسْتَسْلِمَ (ش) أَيْ وَهَلْ مَحَلُّ عَدَمِ الرَّدِّ بِالْغَبْنِ مَا لَا يَسْتَسْلِمُ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ بِأَنْ يُخْبِرَهُ أَنَّهُ يَجْهَلُ قِيمَةَ الْمَبِيعِ وَثَمَنَهُ فَيَقُولُ لَهُ الْبَائِعُ قِيمَتُهُ كَذَا، وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ فَلَهُ الرَّدُّ حِينَئِذٍ بِاتِّفَاقٍ فَقَوْلُهُ (ص) وَيُخْبِرُهُ بِجَهْلِهِ (ش) هُوَ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ يَسْتَسْلِمُ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْمَازِرِيِّ، وَأَشَارَ إلَى الطَّرِيقَةِ الْأُخْرَى، وَهِيَ لِابْنِ رُشْدٍ بِقَوْلِهِ (ص) أَوْ يَسْتَأْمِنُهُ (ش) أَيْ أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ الرَّدِّ بِالْغَبْنِ مَا لَمْ يَسْتَأْمِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعُ صَاحِبَهُ أَيْ وَقَعَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا عَلَى جِهَةِ الِاسْتِرْسَالِ وَالِاسْتِئْمَانِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ اشْتَرِ سِلْعَتِي كَمَا تَشْتَرِي مِنْ غَيْرِي أَوْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي بِعْنِي كَمَا تَبِيعُ غَيْرِي فَيَغُرُّ الْآخَرُ فَإِنَّ لَهُ الْقِيَامَ بِالْغَبْنِ حِينَئِذٍ، وَأَمَّا إنْ كَانَ عَلَى طَرِيقِ الْمُكَايَسَةِ لَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِئْمَانِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ بِعْنِي كَذَا وَكَذَا رِطْلًا كَمَا تَبِيعُ النَّاسَ فَيَقُولُ قَدْ بِعْت كَذَا بِكَذَا فَلَا رَدَّ لَهُ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ كَذِبُهُ فِيمَا قَالَهُ (تَرَدُّدٌ) لِصَاحِبَيْ هَاتَيْنِ

ــ

[حاشية العدوي]

يُفَوِّتُهُ، وَيُوجِبُ الرُّجُوعَ بِالْقِيمَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَنْ أَنْفَقَ عَلَى مَا اشْتَرَاهُ، وَلَهُ غَلَّةٌ تُبْتَغَى كَالْغَنَمِ وَالدَّوَابِّ وَالْعَبِيدِ ثُمَّ رُدَّ بِعَيْبٍ أَوْ اسْتِحْقَاقٍ أَوْ فَسَادٍ لَا يَرْجِعُ بِنَفَقَتِهِ بِخِلَافِ مَا لَيْسَ غَلَّةً تُبْتَغَى كَالنَّخْلِ إذَا رُدَّتْ مَعَ ثِمَارِهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ سَقْيِهَا وَعِلَاجِهَا.

() (قَوْلُهُ وَحَقِيقَتَهُ) مَعْطُوفٌ عَلَى اسْمَهُ أَيْ جَهِلَ اسْمَهُ الْخَاصَّ أَيْ وَجَهِلَ حَقِيقَتَهُ (قَوْلُهُ بِشَخْصِهِ) أَيْ ذَاتِهِ (قَوْلُهُ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا) يُنَافِي صَدْرَ حَلِّهِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ بِأَنْ لَا يَعْرِفَهُ الْمُتَبَايِعَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا، وَيُجَابُ بِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ يُحْمَلُ عَلَى طَرِيقَةِ التَّكْمِيلِ (قَوْلُهُ إذَا كَانَ الْبَائِعُ غَيْرَ وَكِيلٍ إلَخْ) وَمِثْلُ الْوَكِيلِ الْوَصِيُّ (قَوْلُهُ لِرَدِّ مَا عَدَاهُ مِنْ الْأَقْوَالِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْأَقْوَالَ غَيْرُ الطُّرُقِ الْمُشَارِ لَهَا بِقَوْلِهِ وَهَلْ إلَخْ، وَلَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ إنَّمَا الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُقَابِلَ الْمَرْدُودَ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ قَوْلُ وَاحِدٍ يَقُولُ إذَا خَالَفَ الْعَادَةَ يُرَدُّ بِهِ ثُمَّ بَعْدَ أَنْ خَطَرَ لِي ذَلِكَ اطَّلَعَتْ فَوَجَدْت الْبَدْرَ قَالَ قَوْلُهُ وَلَا بِغَبْنٍ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَذَهَبَ الْعِرَاقِيُّونَ إلَى الرَّدِّ بِالْغَبْنِ نَاقِلًا لَهُ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَنَقَلَ عَنْ اللَّخْمِيِّ خِلَافًا فِي بَيْعِ جَاهِلِ السُّوقِ لِلْعَالِمِ بِهِ هَلْ لِلْجَاهِلِ الرَّدُّ انْتَهَى.

وَلَمْ يَذْكُرْ بَهْرَامُ خِلَافًا بِحَيْثُ يُقَالُ رَدَّ عَلَيْهِ بِلَوْ غَايَةُ مَا قَالَ حَصَلَ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ فِي الْقِيَامِ بِالْغَبْنِ، وَعَدَمُ الْقِيَامِ بِهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ الْأُولَى لِلْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ فِي الْمَعُونَةِ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِغَيْرِ الْعَارِفِ بِاتِّفَاقٍ، وَفِي الْعَارِفِ قَوْلَانِ الثَّانِيَةُ لِلْمَازِرِيِّ إنْ اسْتَسْلَمَ أَيْ أَخْبَرَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ أَنَّهُ غَيْرُ عَارِفٍ بِقِيمَتِهِ فَقَالَ لَهُ الْبَائِعُ قِيمَتُهَا كَذَا فَلَهُ الرَّدُّ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالْمَبِيعِ وَثَمَنِهِ فَلَا رَدَّ لَهُ، وَلَا خِلَافَ فِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ، وَفِيمَا عَدَاهُمَا قَوْلَانِ الطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ لِصَاحِبِ الْمُقَدِّمَاتِ الْبَيْعُ إنْ وَقَعَ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِرْسَالِ وَالِاسْتِئْمَانِ وَجَبَ الْقِيَامُ بِالْغَبْنِ كَقَوْلِهِ اشْتَرِ مِنِّي سِلْعَتِي كَمَا تَشْتَرِي مِنْ النَّاسِ وَإِنْ وَقَعَ عَلَى وَجْهِ الْمُكَايَسَةِ فَلَا قِيَامَ لَهُ بِاتِّفَاقٍ (قَوْلُهُ وَثَمَنِهِ) أَيْ جَاهِلُ قِيمَتِهِ فِي ذَاتِهِ وَثَمَنِهِ الَّذِي يَشْتَرِي بِهِ النَّاسُ (قَوْلُهُ وَأَشَارَ إلَى الطَّرِيقَةِ الْأُخْرَى) لَا يَخْفَى أَنَّ طَرِيقَةَ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْمَعْنَى تَرْجِعُ لِطَرِيقَةِ الْمَازِرِيِّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مُوجِبَ الرَّدِّ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ الْجَهْلُ، وَحِينَئِذٍ فَلَا وَجْهَ لِحِكَايَتِهِمَا نَعَمْ قَالَ الْبَدْرُ قَوْلُهُ يَسْتَسْلِمُ هَذَا مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ انْتَهَى، وَقَوْلُهُ أَوْ يَسْتَأْمِنُهُ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ بِهَذَا التَّوْزِيعِ يَنْتَفِي التَّكْرَارُ فِي الْجُمْلَةِ انْتَهَى ثُمَّ إنَّك خَبِيرٌ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ لَيْسَ ثَمَّ قَوْلٌ مُرَجِّحٌ بِعَدَمِ الْقِيَامِ بِالْغَبْنِ مُطْلَقًا، وَذِكْرُ الْمُصَنِّفِ لَهُ مَصْدَرًا بِهِ غَيْرُ ظَاهِرٍ انْتَهَى، وَلَوْ قَالَ لَا يُغْبَنُ وَلَوْ خَالَفَ الْعَادَةَ إلَّا أَنْ يَسْتَسْلِمَ لَكَانَ أَحْسَنَ (قَوْلُهُ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِرْسَالِ وَالِاسْتِئْمَانِ) هُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ إلَخْ) صَرِيحُهُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِطَرِيقِ الْمُكَايَسَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا عَيْنُ الِاسْتِئْمَانِ.

(قَوْلُهُ تَرَدُّدٌ لِصَاحِبَيْ هَاتَيْنِ الطَّرِيقَتَيْنِ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ حِكَايَتَهُمَا حَيْثُ رَجَعَا لِمَعْنًى وَاحِدٍ لَا وَجْهَ لَهَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ شَارِحِنَا حَيْثُ قَالَ تَرَدُّدٌ لِصَاحِبَيْ إلَخْ

<<  <  ج: ص:  >  >>