الْمَعْمُولِ مِنْهُ فَقَدْ اشْتَمَلَ كَلَامُهُ عَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ عَلَى أَقْسَامٍ ثَلَاثَةٍ يَفْسُدُ فِيهَا السَّلَمُ، وَعِلَّةُ الْفَسَادِ دَوَرَانُ الثَّمَنِ بَيْنَ الثَّمَنِيَّةِ وَالسَّلَفِيَّةِ فَهُوَ غَرَرٌ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيُسْلَمُ ذَلِكَ إلَى الْأَجَلِ أَمْ لَا، وَلَا يَكُونُ السَّلَمُ فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ، وَمَسْأَلَةُ تَجْلِيدِ الْكُتُبِ الْمُتَدَاوَلَةِ الْآنَ لَيْسَتْ مِنْ بَابِ السَّلَمِ بَلْ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ عَلَى جَوَازِ بِنَاءِ دَارِك، وَالْجِصُّ، وَالْآجُرُّ مِنْ عِنْدِ الْأَجِيرِ، وَحِينَئِذٍ لَا يُشْتَرَطُ ضَرْبُ أَجَلِ السَّلَمِ فِيهَا (ص) وَإِنْ اشْتَرَى الْمَعْمُولَ مِنْهُ، وَاسْتَأْجَرَهُ جَازَ إنْ شَرَعَ عَيَّنَ عَامِلَهُ أَمْ لَا (ش) يَعْنِي أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى مِنْهُ حَدِيدًا مُعَيَّنًا، وَاسْتَأْجَرَهُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ لَهُ مِنْهُ سَيْفًا مَثَلًا بِدِينَارٍ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ اجْتِمَاعِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فِي الشَّيْءِ الْمَبِيعِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَامِلُ مُعَيَّنًا أَمْ لَا بِشَرْطِ أَنْ يَشْرَعَ فِي الْعَمَلِ مِنْ الْآنَ أَوْ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَأَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُ مَعْلُومًا لَا إنْ اخْتَلَفَ كَبَيْعِهِ ثَوْبًا عَلَى أَنَّ عَلَى الْبَائِعِ صَبْغَهُ أَوْ نَسْجَهُ أَوْ بَيْعَهُ خَشَبَةً عَلَى أَنْ يَعْمَلَهَا تَابُوتًا، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَاسْتَأْجَرَهُ أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ غَيْرَ مَنْ اشْتَرَاهُ مِنْهُ لَجَازَ مِنْ غَيْرِ قَيْدِ شُرُوعٍ (ص) لَا فِيمَا لَا يُمْكِنُ وَصْفُهُ كَتُرَابِ الْمَعْدِنِ (ش) عَطْفٌ عَلَى فِيمَا طُبِخَ أَيْ أَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ، وَصْفُهُ كَتُرَابِ الْمَعَادِنِ وَالصَّوَّاغِينَ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِمَا لِأَنَّ الصِّفَةَ مَجْهُولَةٌ، وَمِنْ ذَلِكَ السَّلَمُ عَلَى الْعَجْوَةِ الْمَخْلُوطَةِ بِالرَّمْلِ وَالْحِنَّاءِ الْمَخْلُوطَةِ بِهِ، وَذَكَّرَ الضَّمِيرَ فِي وَصْفِهِ مُرَاعَاةً لِلَّفْظِ مَا، وَلَوْ أَنَّثَهُ كَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الْمُمْتَنِعَ أُمُورٌ مُتَعَدِّدَةٌ (ص) وَالْأَرْضِ، وَالدَّارِ (ش) عَطْفٌ عَلَى مَا لَا عَلَى تُرَابٍ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ، وَصْفُهُمَا، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ السَّلَمُ فِيهِمَا لِأَنَّ وَصْفَهُمَا مِمَّا تَخْتَلِفُ الْأَغْرَاضُ بِهِ فَيَسْتَلْزِمُ تَعْيِينُهُمَا لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا تَخْتَلِفُ الْأَغْرَاضُ بِهِ تَعْيِينَ الْبُقْعَةِ، وَذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى السَّلَمِ فِي مُعَيَّنٍ، وَشَرْطُ السَّلَمِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ فِي الذِّمَّةِ
(ص) وَالْجُزَافِ (ش) أَيْ وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْجُزَافِ لِأَنَّ جَوَازَهُ مُقَيَّدٌ بِرُؤْيَتِهِ، وَهُوَ مَعَهَا مُعَيَّنٌ فَيَصِيرُ مُعَيَّنًا يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ (ص) وَمَا لَا يُوجَدُ (ش) أَيْ وَيُمْنَعُ السَّلَمُ فِي الشَّيْءِ الَّذِي لَا يُوجَدُ جُمْلَةً لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَحْصِيلِهِ كَالْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ أَوْ نَادِرًا كَكِبَارِ اللُّؤْلُؤِ (ص) وَحَدِيدٍ، وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْهُ السُّيُوفُ فِي سُيُوفٍ أَوْ بِالْعَكْسِ (ش) الْمَشْهُورُ أَنَّ سَلَمَ الْحَدِيدِ فِي السُّيُوفِ مَمْنُوعٌ سَوَاءٌ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ الْحَدِيدِ سُيُوفٌ أَمْ لَا، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ سَلَمُ السُّيُوفِ فِي حَدِيدٍ سَوَاءٌ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الْحَدِيدِ سُيُوفٌ أَمْ لَا، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّ السُّيُوفَ مِنْ الْحَدِيدِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ الصِّفَةَ الْمُفَارِقَةَ لَغْوٌ بِخِلَافِ الْمُلَازِمَةِ (ص) وَكَتَّانٍ غَلِيظٍ فِي رَقِيقِهِ إنْ لَمْ يُغْزَلَا (ش) يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ سَلَمُ الْكَتَّانِ الشَّعْرِ الْخَشِنِ الَّذِي لَمْ يُغْزَلْ فِي كَتَّانِ شَعْرٍ رَقِيقٍ نَاعِمٍ لَمْ يُغْزَلْ لِأَنَّهُ غَلِيظٌ الْكَتَّانُ قَدْ يُعَالَجُ فَيُجْعَلُ مِنْهُ مَا يُجْعَلُ مِنْ رَقِيقِهِ، وَانْظُرْ هَذَا التَّعْلِيلَ فَإِنَّهُ لَا يَجْرِي فِي عَكْسِ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ مَعَ مَنْعِهِ أَيْضًا، وَمَفْهُومُ إنْ لَمْ يُغْزَلَا أَنَّهُمَا لَوْ غُزِلَا لَجَازَ، وَهُوَ وَاضِحٌ لِأَنَّ غَلِيظَ الْغَزْل يُرَادُ لِمَا لَا يُرَادُ لَهُ رَقِيقُهُ كَغَلِيظِ ثِيَابِ الْكَتَّانِ فِي رَقِيقِهَا (ص) وَثَوْبٍ لِيُكَمَّلَ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ شِرَاءُ ثَوْبٍ قَدْ نُسِجَ بَعْضُهُ لِيُكَمِّلَهُ لَهُ صَاحِبُهُ لِأَنَّ الثَّوْبَ إذَا لَمْ يُوجَدْ عَلَى الصِّفَةِ الْمُشْتَرَطَةِ لَا يُمْكِنُ عَوْدُهُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ التَّوْرِ النُّحَاسِ إذَا لَمْ يُوجَدْ عَلَى الصِّفَةِ الْمُشْتَرَطَةِ أَمْكَنَ كَسْرُهُ، وَعَوْدُهُ عَلَيْهَا، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ كُلًّا مُقَيَّدٌ بِقَيْدٍ
وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى مَا يَخْتَلِفُ بِهِ الْجِنْسُ خِلْقَةً، وَمَا لَا يَخْتَلِفُ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى نَظِيرِ ذَلِكَ صَنْعَةً، وَأَنَّهُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ مَصْنُوعٌ فِي غَيْرِهِ، وَغَيْرُهُ فِيهِ، وَمَصْنُوعٌ فِي مِثْلِهِ فَقَالَ (ص)
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ بِتَعْيِينِ الْمَعْمُولِ مِنْهُ (قَوْلُهُ وَمَسْأَلَةُ تَجْلِيدِ الْكُتُبِ إلَخْ) أَقُولُ أَيْ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّيْفِ وَالسَّرْجِ فَمِنْ الْمَعْلُومِ قَطْعًا أَنَّ فِي ذَلِكَ اجْتِمَاعَ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فَلِمَ جَوَّزَ هَذَا، وَمَنَعَ ذَاكَ (قَوْلُهُ جَازَ إنْ شَرَعَ إلَخْ) عِبَارَةُ شب جَازَ إنْ شَرَعَ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُ الشُّرُوعِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ سَوَاءٌ اشْتَرَطَ تَعْجِيلَ النَّقْدِ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ عَيَّنَ عَامِلَهُ أَمْ لَا (قَوْلُهُ وَاسْتَأْجَرَهُ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ دَفَعَ لَهُ دِينَارًا فِي مُقَابَلَةِ الْحَدِيدِ، وَإِجَارَةِ الصَّنْعَةِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَارَقَتْ الَّتِي قَبْلَهَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْبَيْعَ فِي هَذَا وَقَعَ عَلَى الْمَعْمُولِ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ عَلَى شَرْطِ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ الْبَائِعُ صَنْعَةً مَا لِلْمُشْتَرِي فَانْتَقَلَ مِلْكُ الْمَعْمُولِ مِنْهُ لِلْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَهُ الصَّنْعَةُ، وَفِي الْقِسْمِ الَّذِي قَبْلَهُ لَمْ يَنْتَقِلْ مِلْكُ الْبَائِعِ عَنْ الْمَبِيعِ إلَّا بَعْدَ حُلُولِ الصَّنْعَةِ فِيهِ فَلَمْ يَكُنْ عَقْدُ الْإِجَارَةِ مُسْتَقِلًّا هَذَا هُوَ الصَّوَابُ خِلَافًا لِمَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ شب (قَوْلُهُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) فِيهِ نَظَرٌ إذْ الْمَمْنُوعُ مَا زَادَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا كَمَا أَفَادَهُ مُحَشِّي تت (قَوْلُهُ عَلَى أَنَّ عَلَى الْبَائِعِ إلَخْ) أَيْ هَذِهِ شَأْنُهَا الِاخْتِلَافُ فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا قَدْ لَا تَخْتَلِفُ (قَوْلُهُ لَا فِيمَا لَا يُمْكِنُ وَصْفُهُ) أَيْ وَصْفُهُ الْخَاصُّ بِهِ الْكَاشِفُ عَنْ حَقِيقَتِهِ لَا مُطْلَقُ وَصْفِهِ لِأَنَّ الْمَعْدِنَ يُمْكِنُ وَصْفُهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْلَمَ فِيهِ عَيْنٌ، وَلَا عَرْضٌ لِأَنَّ صِفَتَهُ لَا تُعْرَفُ فَإِنْ عُرِفَتْ أُسْلِمَ فِيهَا عَرْضٌ لَا عَيْنٌ لِئَلَّا يَدْخُلَ ذَهَبٌ بِذَهَبٍ وَفِضَّةٌ بِفِضَّةٍ إلَى أَجَلٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ يَدًا بِيَدٍ بِمُخَالِفِهِ مِنْ عَيْنٍ أَوْ عَرْضٍ لِأَنَّهَا حِجَارَةٌ مَعْرُوفَةٌ تُرَى، وَلَا يُرَدُّ أَنَّ مَا يَخْرُجُ مَجْهُولَ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ لِأَنَّ مَا يُدْفَعُ فِيهَا لَيْسَ عِوَضًا عَمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا بَلْ عَنْ اخْتِصَاصِهِ بِهَا، وَرَفْعِ يَدِهِ عَنْهَا، وَإِنَّمَا مُنِعَ بِمُوَافِقِهَا مِنْ الْعَيْنِ، وَإِنْ كَانَ إسْقَاطًا لِاخْتِصَاصِهِ نَظَرًا لِمَا فِيهَا فِي الْجُمْلَةِ (قَوْلُهُ وَمِنْ ذَلِكَ السَّلَمُ إلَخْ) أَيْ وَأَمَّا بَيْعُهُمَا فَيَجُوزُ إذَا تَحَرَّى مَا فِيهِمَا مِنْ الرَّمْلِ لِتَعَيُّنِهِ
[السَّلَمُ فِي الْجُزَافِ]
(قَوْلُهُ وَحَدِيدٌ) بِالرَّفْعِ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَا فِيمَا لَا يُمْكِنُ وَصْفُهُ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ، وَيُقَدَّرُ عَامِلٌ، وَكَذَا قَوْلُهُ وَكَتَّانٌ، وَقَوْلُهُ وَمَصْنُوعٌ أَيْ وَلَا يُسْلَمُ حَدِيدٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ) وَمُقَابِلُهُ مَا لِسَحْنُونٍ مِنْ جَوَازِ سَلَمِ حَدِيدٍ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ السُّيُوفُ فِي سُيُوفٍ وَحِينَئِذٍ فَلَوْ أَتَى الْمُصَنِّفُ بِلَوْ مَكَانَ إنْ لَكَانَ أَوْلَى
(قَوْلُهُ عَلَى مَا يَخْتَلِفُ بِهِ الْجِنْسُ خِلْقَةً) أَيْ مِنْ جِهَةِ الْخِلْقَةِ كَالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ الْمُشَارِ لَهُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَكَصَغِيرَيْنِ فِي كَبِيرٍ مِمَّا اخْتَلَفَ الْجِنْسُ مِنْ جِهَةِ الْخِلْقَةِ أَيْ خِلْقَةِ هَذَا كَأَنَّهَا غَيْرُ خِلْقَةِ هَذَا أَيْ خِلْقَةُ هَذَا الَّذِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرُ خِلْقَةِ الْآخَرِ، وَقَوْلُهُ وَمَا لَا أَيْ كَالصَّغِيرِ مِنْ الْآدَمِيِّ، وَالْغَنَمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute