للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ الدَّافِعُ لَهُمْ الْإِمَامَ فَإِنَّهَا تُجْزِئُ، وَإِنْ كَانَ الدَّافِعُ لَهُمْ الْوَصِيَّ أَوْ مُقَدِّمَ الْقَاضِي فَإِنْ تَعَذَّرَ رَدُّهَا أَجْزَأَتْ وَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِمْ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الدَّافِعُ لَهَا رَبَّهَا أَوْ وَكِيلَهُ فَإِنَّهَا لَا تُجْزِئُ، وَحِينَئِذٍ فَإِنْ غَرَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ مَا أَخَذَهُ، وَلَوْ تَلِفَ بِسَمَاوِيٍّ وَإِنْ لَمْ يَغُرَّ فَإِنْ أَكَلَهُ أَوْ أَتْلَفَهُ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، حَيْثُ لَمْ تَكُنْ قَائِمَةً وَإِلَّا اُنْتُزِعَتْ مِنْهُ، وَهَذَا حَيْثُ لَمْ يَعْلَمْ رَبُّهَا بِحَالِهِ وَيَدْفَعُ وَإِلَّا فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِهَا، وَلَوْ قَائِمَةً وَلَا تُجْزِئُهُ

. (ص) وَزَكَّى مُسَافِرٌ مَا مَعَهُ وَمَا غَابَ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا حَالَ عَلَى مَالِهِ حَوْلٌ وَبَعْضُهُ مَعَهُ وَبَعْضُهُ الْآخَرُ فِي بَلَدِهِ فَإِنَّهُ يُزَكِّي مَا مَعَهُ بِكُلِّ حَالٍ اتِّفَاقًا لِاجْتِمَاعِ الْمَالِ وَرَبِّهِ، وَيُزَكِّي أَيْضًا مَا غَابَ عَنْهُ فِي بَلَدِهِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ فِيهِ أَيْضًا وَلَا يُؤَخِّرُ الْإِخْرَاجَ إلَى أَنْ يَرْجِعَ اعْتِبَارًا بِمَوْضِعِ الْمَالِكِ قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ وَقَالَ أَيْضًا يُؤَخِّرُ اعْتِبَارًا بِمَوْضِعِ الْمَالِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْخِلَافِ فِي اعْتِبَارِ الْمَالِكِ أَوْ الْمَالِ: لَوْ مَاتَ شَخْصٌ لَا وَارِثَ لَهُ إلَّا السُّلْطَانَ بِبَلَدِ سُلْطَانٍ وَمَالُهُ بِبَلَدِ سُلْطَانٍ آخَرَ فَاَلَّذِي فِي أَجْوِبَةِ ابْنِ رُشْدٍ: مَالُهُ لِمَنْ مَاتَ بِبَلَدِهِ وَالْخِلَافُ فِي تَزْكِيَةِ الْغَائِبِ مُقَيَّدٌ بِقَيْدَيْنِ أَحَدُهُمَا: خَاصٌّ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (إنْ لَمْ يَكُنْ مُخْرِجٌ) عَنْهُ مِنْ وَكِيلٍ أَوْ إمَامٍ يُخْرِجُ عَمَّا بِبَلَدِهِ وَإِلَّا فَلَا لِئَلَّا يُزَكِّيَ مَرَّتَيْنِ وَيُخْرِجُ عَمَّا مَعَهُ فَقَطْ وَالثَّانِي: عَامٌّ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا ضَرُورَةَ) أَيْ: أَنَّ مَحَلَّ إخْرَاجِ الْمُسَافِرِ عَمَّا مَعَهُ وَمَا غَابَ عَنْهُ إنْ لَمْ تَدْعُهُ الضَّرُورَةُ إلَى عَدَمِ الْإِخْرَاجِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا لِمَا يُوَصِّلُهُ فِي عَوْدِهِ إلَى وَطَنِهِ فَإِنَّهُ لَا يُخْرِجُ حِينَئِذٍ لَا عَمَّا مَعَهُ وَلَا عَمَّا غَابَ عَنْهُ، وَيُؤَخِّرُ الْإِخْرَاجَ عَنْ ذَلِكَ جَمِيعِهِ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى وَطَنِهِ إلَّا أَنْ يَجِدَ مَنْ يُسَلِّفُهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ فِيهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْرِجَ الزَّكَاةَ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ لِوَطَنِهِ فَقَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَكُنْ مُخْرِجٌ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: وَمَا غَابَ وَقَوْلُهُ: وَلَا ضَرُورَةَ رَاجِعٌ لِمَا غَابَ وَمَا حَضَرَ وَالْمُرَادُ بِالضَّرُورَةِ مَا يَشْمَلُ حَاجَتَهُ لِمَا يُنْفِقُهُ.

(تَنْبِيهٌ) : أَرَادَ الْمُؤَلِّفُ بِمَا غَابَ: الْمَالَ الَّذِي خَلَّفَهُ عِنْدَهُ بِبَلَدِهِ، وَأَمَّا مَا دَفَعَهُ قِرَاضًا أَوْ بِضَاعَةً أَوْ وَدِيعَةً فَيَجْرِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَتَعَدَّدَتْ بِتَعَدُّدِهِ فِي مُودَعَةٍ وَمُتَّجَرٍ فِيهَا بِأَجْرٍ، وَفِي قَوْلِهِ: وَمَدْفُوعَةٍ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ لِلْعَامِلِ بِلَا ضَمَانٍ، وَفِي قَوْلِهِ: وَالْقِرَاضُ الْحَاضِرُ يُزَكِّيهِ رَبُّهُ إنْ أَدَارَا إلَى أَنْ قَالَ وَصَبَرَ إنْ غَابَ إلَخْ فَلَا يَدْخُلُ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ هُنَا.

وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى زَكَاةِ الْأَمْوَالِ أَتْبَعَهُ بِالْكَلَامِ عَلَى زَكَاةِ الْأَبْدَانِ وَهِيَ زَكَاةُ الْفِطْرِ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى وَاخْتُلِفَ فِي وَجْهِ إضَافَتِهَا لِلْفِطْرِ فَقِيلَ: مِنْ الْفِطْرَةِ وَهِيَ الْخِلْقَةُ لِتَعَلُّقِهَا بِالْأَبْدَانِ وَقِيلَ: لِوُجُوبِهَا بِالْفِطْرِ فَقِيلَ: الْفِطْرُ الْجَائِزُ مِنْ آخِرِ رَمَضَانَ وَقِيلَ الْوَاجِبُ بِفَجْرِ يَوْمِ الْعِيدِ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَبَنَى عَلَيْهِ الْخِلَافَ الْآتِي فِي وَقْتِ الْخِطَابِ بِهَا، وَحِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّتِهَا الرِّفْقُ بِالْفُقَرَاءِ فِي إغْنَائِهِمْ عَنْ السُّؤَالِ.

وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ: الْمُخْرِجُ بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَالْمُخْرَجُ بِالْفَتْحِ، وَالْوَقْتُ الْمُخْرَجُ فِيهِ، وَالْمَدْفُوعَةُ إلَيْهِ وَالْمُؤَلِّفُ أَشَارَ إلَى هَذِهِ فَأَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: عَنْهُ إلَخْ، وَإِلَى الثَّانِي بِقَوْلِهِ: مِنْ مُعَشَّرٍ إلَخْ، وَإِلَى الثَّالِثِ بِقَوْلِهِ: بِأَوَّلِ لَيْلَةِ الْعِيدِ إلَخْ، وَإِلَى الرَّابِعِ بِقَوْلِهِ:، وَإِنَّمَا تُدْفَعُ لِحُرٍّ مُسْلِمٍ إلَخْ، وَلَا يُقَاتَلُ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى مَنْعِ زَكَاةِ الْفِطْرِ،

وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْمُؤَلِّفُ زَكَاةَ الْأَمْوَالِ

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ: فَإِنْ أَكَلَهُ، أَوْ أَتْلَفَهُ فَكَذَلِكَ) أَيْ: يَضْمَنُهُ وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا اُنْتُزِعَتْ مِنْهُ أَيْ: فِي صُورَةِ الْغُرُورِ وَعَدَمِهِ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَائِمَةً وَلَا تُجْزِئُهُ) وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ لَمَّا عُلِمَ بِحَالِهِ وَأَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الدَّفْعُ لَهُ كَأَنَّهُ دَفَعَ لَهُ مَا وَهَبَهُ لَهُ.

(قَوْلُهُ: وَزَكَّى مُسَافِرٌ مَا مَعَهُ وَمَا غَابَ) يَشْمَلُ الْمَاشِيَةَ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ مَا بَقِيَ مِنْهَا ولعج فَتْوَى بِصَبْرِهِ حَيْثُ لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَهَا فِي غَيْبَتِهِ عب (قَوْلُهُ: مَا مَعَهُ فِي بَلَدِهِ) كَذَا فِي نُسْخَتِهِ، وَالْمُنَاسِبُ مَالُهُ فِي بَلَدِهِ، (قَوْلُهُ: فَاَلَّذِي فِي أَجْوِبَةِ ابْنِ رُشْدٍ) ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَسْتَوْطِنْ بَلَدًا لَهُ سُلْطَانٌ وَالْحَالُ أَنَّهُ مَاتَ بِغَيْرِهِ فَهَلْ يُعْتَبَرُ الْبَلَدُ الَّذِي مَاتَ بِهِ، أَوْ الَّذِي بِهِ الْمَالُ؟ قَوْلَانِ مُخَرَّجَانِ وَاقْتَصَرَ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: مِنْ وَكِيلٍ إلَخْ) تَقَدَّمَ أَنَّ مَنْ لَهُ عَادَةٌ بِالْإِخْرَاجِ يَجْرِي عَلَى مَا فِي الْأُضْحِيَّةِ وَعَلَيْهِ، فَالْمُرَادُ بِالْوَكِيلِ وَلَوْ حُكْمًا (قَوْلُهُ: وَلَا ضَرُورَةَ) " ضَرُورَةَ " اسْمُ لَا وَخَبَرُهَا مَحْذُوفٌ أَيْ: حَاصِلُهُ أَوْ مَوْجُودَةٌ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَخْ) وَإِذَا وُجِدَتْ الضَّرُورَةُ فَهَلْ يُؤَخِّرُ إلَى أَنْ يَجِدَ مَنْ يُسَلِّفُهُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَيُزَكِّي، أَوْ إلَى بَلَدِهِ؟ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمَوَّاقِ عَنْهَا تَرْجِيحُ الثَّانِي وَفِي اللَّخْمِيِّ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالضَّرُورَةِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ الضَّرُورَةَ أَخَصُّ مِنْ الْحَاجَةِ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَالْمُرَادُ بِالضَّرُورَةِ الْحَاجَةُ

[فَصْلٌ زَكَاةِ الْأَبْدَانِ]

(قَوْلُهُ: فَقِيلَ إلَخْ) فِي الْعِبَارَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَالتَّقْدِيرُ فَقِيلَ لِتَعَلُّقِهَا بِالْأَبْدَانِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِطْرَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْفِطْرَةِ وَهِيَ الْخِلْقَةُ فَظَهَرَتْ الْعِلَّةُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مُشْتَقًّا اشْتِقَاقًا أَكْبَرَ مِنْ الْفِطْرَةِ وَهِيَ الْخِلْقَةُ وَفِي ك وَالْفِطْرَةُ بِالْكَسْرِ لَفْظَةٌ مُوَلَّدَةٌ لَا عَرَبِيَّةٌ وَلَا مُعَرَّبَةٌ حَيْثُ كَانَتْ بِمَعْنَى زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ بِمَعْنَى الْخِلْقَةِ فَهِيَ عَرَبِيَّةٌ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ) بِتَأَمُّلِ وَجْهِ ذَلِكَ فَإِنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ إمَّا اسْمٌ لِلْمُخْرَجِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْمَعْنَى الِاسْمِيُّ، أَوْ إخْرَاجُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيُّ، وَقَدْ جُعِلَ الْمُخْرَجُ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِهَا، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالزَّكَاةِ هُنَا الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيُّ وَأَرَادَ بِالْأَرْكَانِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الشَّيْءُ بِمَعْنَى أَنَّ هَذَا الْإِخْرَاجَ الْمَوْصُوفَ بِالْوُجُوبِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا مَعَ هَذِهِ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُقَاتَلُ إلَخْ) زَادَ فِي ك وَانْظُرْ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ بَعْضِ السُّنَنِ الَّتِي يُقَاتَلُ عَلَى تَرْكِهَا، وَانْظُرْ هَلْ يَكْفُرُ جَاحِدُهَا، أَوْ لَا يَنْبَغِي التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَجْحَدَ مَشْرُوعِيَّتَهَا فَيَكْفُرُ وَبَيْنَ مَنْ يَجْحَدُ وُجُوبَهَا فَلَا يَكْفُرُ؛؛ لِأَنَّهُ قِيلَ قَوْلٌ بِالسُّنِّيَّةِ اهـ.

وَكَذَا لَا يُقَاتَلُونَ عَلَى صَلَاةِ الْعِيدِ بِخِلَافِ الْأَذَانِ وَالْجَمَاعَةِ فَيُقَاتَلُونَ عَلَى تَرْكِهِمَا، وَقِيلَ فِي الْأَذَانِ: إنَّمَا قُوتِلَ عَلَى تَرْكِهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَكَرَّرُ وَيَتَوَقَّفُ الْإِعْلَامُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>