كَانَ ذَلِكَ مُكْتَنِفًا بِزَرْعِهِ بِحَيْثُ يَكُونُ عَلَيْهِ الضَّرَرُ فِي تَخَلُّصِ النَّاسِ إلَيْهِ بِمَوَاشِيهِمْ وَدَوَابِّهِمْ ذَهَابًا وَإِيَابًا فَلَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَمْنَعَ مِنْ رَعْيِهِ، وَأَمَّا الْكَلَأُ الَّذِي فِي مَرْجِهِ وَفِي حِمَاهُ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ وَيَبِيعَهُ لِمَنْ شَاءَ وَالْمَرْجُ وَالْحِمَى هِيَ الْأَرْضُ الَّتِي تَرَكَهَا صَاحِبُهَا لِأَجْلِ الرَّعْيِ وَمِنْ بَابِ أَوْلَى لَهُ الْمَنْعُ مِنْ رَعْيِ الْكَلَأِ فِي الْأَرْضِ الَّتِي حُظِرَ عَلَيْهَا وَبِعِبَارَةٍ الْأَوْلَى إسْقَاطُ قَوْلِهِ وَمَرْجِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَحَلَّ لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ مَرْجٌ؛ لِأَنَّ الْمَرْجَ مَحَلُّ رَعْيِ الدَّوَابِّ أَيْ: بِخِلَافِ حِمَاهُ
(بَابٌ ذُكِرَ فِيهِ الْوَقْفُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ) وَأَعْقَبَهُ لِلْإِحْيَاءِ لِكَوْنِ الْعَيْنِ فِيهِمَا بِغَيْرِ عِوَضٍ يَدْفَعُهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْوَقْفِ وَالْمُحْيِي لِلْأَرْضِ وَقَالَ فِي التَّنْبِيهِ الْوَقْفُ مَصْدَرُ أَوْقَفْتُ الْأَرْضَ وَغَيْرَهَا أُوقِفُهَا هَذِهِ هِيَ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ وَالْوَقْفُ مِمَّا اخْتَصَّ بِهِ الْمُسْلِمُونَ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَمْ تَحْبِسْ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فِيمَا عَلِمْت وَإِنَّمَا حَبَسَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ وَسُمِّيَ وَقْفًا؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ مَوْقُوفَةٌ وَحَبْسًا؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ مُحْبَسَةٌ انْتَهَى وَحَدَّ ابْنُ عَرَفَةَ حَقِيقَتَهُ الْعُرْفِيَّةَ فَقَالَ الْوَقْفُ مَصْدَرًا إعْطَاءُ مَنْفَعَةِ شَيْءٍ مُدَّةَ وُجُودِهِ لَازِمًا بَقَاؤُهُ فِي مِلْكِ مُعْطِيهِ وَلَوْ تَقْدِيرًا فَيَخْرُجُ عَطِيَّةُ الذَّوَاتِ وَالْعَارِيَّةُ وَالْعُمْرَى وَالْعَبْدُ الْمُخْدِمُ حَيَاتَهُ يَمُوتُ قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِهِ لِعَدَمِ لُزُومِ بَقَائِهِ فِي مِلْكِ مُعْطِيهِ وَلِجَوَازِ بَيْعِهِ بِرِضَاهُ مَعَ مُعْطَاهُ وَاسْمًا مَا أُعْطِيت مَنْفَعَتُهُ مُدَّةَ وُجُودِهِ لَازِمًا بَقَاؤُهُ فِي مِلْكِ مُعْطِيهِ وَلَوْ تَقْدِيرًا انْتَهَى. الْمُرَادُ مِنْهُ ثُمَّ إنَّ بَعْضَهُمْ يُعَبِّرُ بِالْحَبْسِ وَبَعْضَهُمْ يُعَبِّرُ بِالْوَقْفِ وَهُوَ عِنْدَهُمْ أَقْوَى فِي التَّحْبِيسِ وَهُمَا فِي اللُّغَةِ لَفْظَانِ مُتَرَادِفَانِ وَالْحَبْسُ يُطْلَقُ عَلَى مَا وُقِفَ وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَصْدَرِ وَهُوَ الْإِعْطَاءُ فَذَكَرَ الشَّيْخُ عَلَى عَادَتِهِ الْحَدَّيْنِ وَقَوْلُهُ مَصْدَرًا مَنْصُوبٌ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ، وَقَوْلُهُ إعْطَاءُ مَنْفَعَةٍ أَخْرَجَ بِهِ إعْطَاءَ ذَاتٍ كَالْهِبَةِ وَقَوْلُهُ شَيْءٍ وَلَمْ يَقُلْ مَنْفَعَةِ مَالٍ أَوْ مُتَمَوَّلٍ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ أَعَمُّ لَكِنَّهُ رَأَى تَخْصِيصَهُ بِمَا فِي كَلَامِهِ مِنْ بَقَاءِ مِلْكِهِ وَذَلِكَ يَخُصُّ الشَّيْءَ بِالْمُتَمَوَّلِ وَقَوْلُهُ وَلَوْ تَقْدِيرًا يُحْتَمَلُ وَلَوْ كَانَ الْمِلْكُ تَقْدِيرًا كَقَوْلِهِ إنْ مَلَكْت دَارَ فُلَانٍ فَهِيَ حَبْسٌ وَيُحْتَمَلُ وَلَوْ كَانَ الْإِعْطَاءُ تَقْدِيرًا كَقَوْلِهِ دَارِي حَبْسٌ عَلَى مَنْ سَيَكُونُ وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِالتَّقْدِيرِ التَّعْلِيقُ.
وَأَرْكَانُ الْوَقْفِ أَرْبَعَةٌ: الْعَيْنُ الْمَوْقُوفَةُ، وَالصِّيغَةُ، وَالْوَاقِفُ، وَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ. فَالْمُؤَلِّفُ أَشَارَ إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي عَلَى أَهْلٍ لِلتَّمَلُّكِ إلَخْ وَإِلَى الصِّيغَةِ بِقَوْلِهِ بِحُبِسَتْ إلَخْ وَأَسْقَطَ الْوَاقِفَ وَعَكَسَ فِي الْهِبَةِ فَذَكَرَ الْوَاهِبَ وَأَسْقَطَ الْمَوْهُوبَ فَمَا أَسْقَطَهُ هُنَا يُؤْخَذُ مِمَّا ذَكَرَهُ هُنَاكَ وَمَا أَسْقَطَهُ هُنَاكَ يُؤْخَذُ مِمَّا ذَكَرَهُ هُنَا فَإِنَّ الْبَابَيْنِ وَاحِدٌ بَلْ سَائِرُ أَبْوَابِ التَّبَرُّعَاتِ كَذَلِكَ وَأَشَارَ هُنَا إلَى الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ بِقَوْلِهِ (ص) صَحَّ وَقْفُ مَمْلُوكٍ (ش)
ــ
[حاشية العدوي]
تَبْوِيرِهَا لِكَوْنِهَا لَا تَقْبَلُ الزِّرَاعَةَ كَأَرْضِ الْخِرْسِ وَلِذَا فَسَّرَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْعَفَاءَ هُنَا بِالدَّارِسِ مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي لَا تُزْرَعُ وَقَالَ إنَّهُ جَمْعُ عَافٍ (قَوْلُهُ مُكْتَنَفًا) بِفَتْحِ النُّونِ (قَوْلُهُ وَالْمَرْجُ وَالْحِمَى إلَخْ) هَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْمَرْجَ وَالْحِمَى مُتَرَادِفَانِ (قَوْلُهُ الَّتِي حُظِرَ عَلَيْهَا) أَيْ: جُعِلَ عَلَيْهَا زَرْبًا مَثَلًا وَهَذِهِ لَيْسَتْ دَاخِلَةً فِي الْمُصَنَّفِ مَنْطُوقًا لَكِنَّهَا مَفْهُومَةٌ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ مَنْعُ الْكَلَأِ إذَا اكْتَنَفَهُ زَرْعُهُ فَأَحْرَى الْأَرْضُ الْمُحْظَرُ عَلَيْهَا بِالْحِيطَانِ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِي الْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ
[بَاب الْوَقْفُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]
(قَوْلُهُ لِكَوْنِ الْعَيْنِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ أَعْقَبَهُ تَضَمَّنَ أَمْرَيْنِ الْأَوَّلُ جَمْعِيَّتُهُ مَعَهُ الَّتِي هِيَ فِي الْوَاقِعِ صَادِقَةٌ بِكُلٍّ مِنْ تَعْقِيبِهِ عَنْ الْإِحْيَاءِ وَبِسَبْقِيَّتِهِ عَلَيْهِ فَقَوْلُهُ لِكَوْنِ الْعَيْنِ عِلَّةً لِلْجَمْعِيَّةِ فَقَطْ (قَوْلُهُ أُوقِفُهَا) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ وَالْمُنَاسِبُ حَذْفُ الْوَاوِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ وَعَدَ أَيْ:؛ لِأَنَّ قِيَاسَ مَصْدَرِ الثَّلَاثِي الْمُتَعَدِّي فَعْلٌ، وَأَمَّا أَوْقَفَ فَمَصْدَرُهُ إيقَافٌ وَالْمُشْتَهِرُ التَّعْبِيرُ بِوَقْفٍ لَا بِإِيقَافٍ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ مَوْقُوفَةٌ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا اخْتِلَافٌ فِي اللَّفْظِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى مَوْقُوفَةٌ مَعْنَى مُحْبَسَةٍ (قَوْلُهُ فَيَخْرُجُ عَطِيَّةُ الذَّوَاتِ) خَرَجَ هَذَا بِقَوْلِهِ مَنْفَعَتُهُ وَقَوْلُهُ وَالْعَارِيَّةُ وَالْعُمْرَى خَرَجَا بِقَوْلِهِ مُدَّةَ وُجُودِهِ وَقَوْلُهُ وَالْعَبْدُ الْمُخْدِمُ حَيَاتَهُ خَرَجَ بِقَوْلِهِ لَازِمًا بَقَاؤُهُ فِي مِلْكِ مُعْطِيهِ وَقَوْلُهُ يَمُوتُ إلَخْ كَأَنَّ فِي الْعِبَارَةِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا وَالْأَصْلُ وَخَرَجَ الْعَبْدُ الْمُخْدِمُ حَيَاتَهُ لِعَدَمِ لُزُومِ بَقَائِهِ فِي مِلْكِ مُعْطِيهِ لِجَوَازِ أَنْ يَمُوتَ قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِهِ إلَّا أَنَّ قَضِيَّتَهُ عَدَمُ وَقْفِ الْحَيَوَانِ لِوُجُودِ تِلْكَ الْعِلَّةِ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ يَصِحُّ وَقْفُ الْحَيَوَانِ كَمَا يَأْتِي وَقَوْلُهُ وَلِجَوَازِ كَذَا فِي نُسْخَةِ شَيْخِنَا عَبْدِ اللَّهِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيلٌ ثَانٍ وَفِي نُسْخَةٍ بِحَذْفِ الْوَاوِ وَهِيَ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ.
(قَوْلُهُ مُدَّةَ وُجُودِهِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ عَلَى الصَّوَابِ بَلْ يَجُوزُ الْوَقْفُ مُدَّةً مُعَيَّنَةً وَلَا يُشْتَرَطُ التَّأْبِيدُ (قَوْلُهُ وَهُوَ عِنْدَهُمْ أَقْوَى) وَضَّحَ ذَلِكَ تت بِقَوْلِهِ وَعُبِّرَ بِالْوَقْفِ كَابْنِ الْحَاجِبِ دُونَ الْحُبْسِ بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ؛ لِأَنَّهُ أَصْرَحُ فِي الدَّلَالَةِ لِإِفَادَتِهِ التَّأْبِيدَ مِنْ غَيْرِ ضَمِيمَةٍ وَقَالَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَهُمَا عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ (قَوْلُهُ مَالٍ أَوْ مُتَمَوَّلٍ) مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الشَّيْءَ أَعَمُّ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا ثَمَرَةَ فِي التَّعْبِيرِ بِهَذَا الْأَعَمِّ فَلِمَ ارْتَكَبَهُ (قَوْلُهُ إنْ مَلَكْت دَارَ فُلَانٍ) أَيْ: إنْ قُدِّرَ أَنِّي مَلَكْته وَقَوْلُهُ وَيُحْتَمَلُ وَلَوْ كَانَ الْإِعْطَاءُ تَقْدِيرًا كَقَوْلِهِ إلَخْ لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ دَارِي حَبْسٌ إلَخْ فِي قُوَّةِ قَوْلِهِ إنْ وُجِدَ فُلَانٌ فَدَارِي حَبْسٌ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا أَيْ: الِاحْتِمَالِ الثَّانِي فَالْمُرَادُ بِالتَّقْدِيرِ التَّعْلِيقُ بِمَعْنَى الْمُعَلَّقِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِعْطَاءَ عَلَى هَذَا مُعَلَّقٌ بِخِلَافِ التَّقْدِيرِ عَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ فَهُوَ بِمَعْنَى الْفَرْضِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute