الْوَقْتَ؟
(ص) وَقُدِّمَ فَرْضٌ خِيفَ فَوَاتُهُ ثُمَّ كُسُوفٌ ثُمَّ عِيدٌ وَأُخِّرَ الِاسْتِسْقَاءُ لِيَوْمٍ آخَرَ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يَجِبُ تَقْدِيمُ الْفَرْضِ الَّذِي خِيفَ فَوَاتُهُ عَلَى الْكُسُوفِ، وَيُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْكُسُوفِ عَلَى الْعِيدِ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ. وَيُؤَخَّرُ الِاسْتِسْقَاءُ عَنْ الْعِيدِ نَدْبًا لِيَوْمٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْعِيدَ يَوْمُ زِينَةٍ وَتَجَمُّلٍ، وَالِاسْتِسْقَاءَ عَلَى الضِّدِّ. وَالْمُرَادُ بِالْفَرْضِ هُنَا فَرْضُ الْعَيْنِ كَفَجْءِ الْعَدُوِّ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَلَا يُقَالُ الْمُرَادُ بِالْفَرْضِ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: خَوْفُ الْفَوَاتِ مُتَعَسِّرٌ فِيهَا إذْ لَا تَفُوتُ بِالدَّفْنِ فَيُمْكِنُ أَنْ تُدْفَنَ ثُمَّ يُصَلَّى عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ. وَقَدْ يُقَالُ: يُصَوَّرُ بِالْجِنَازَةِ وَالْمُرَادُ بِهَا جَمِيعُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ حُصُولِ إشْرَافٍ وَتَجْهِيزٍ وَغُسْلٍ وَكَفَنٍ وَتَشْيِيعٍ وَدَفْنٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، لَا خُصُوصُ الصَّلَاةِ كَمَا فَهِمَ الْمُعْتَرِضُ. أَوْ الْمُرَادُ خُصُوصُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهَا قَبْلَ الدَّفْنِ وَاجِبَةٌ مَعَ التَّمَكُّنِ، وَهِيَ هُنَا كَذَلِكَ لِأَنَّ صَلَاتَهَا فَرْضٌ، وَثُمَّ هُنَا لِلتَّرْتِيبِ الْإِخْبَارِيِّ، أَيْ: ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ الْكُسُوفَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعِيدِ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ، وَأَمَّا لَوْ اجْتَمَعَ الِاسْتِسْقَاءُ وَالْكُسُوفُ فَيُفْعَلَانِ مَعًا وَيُؤَخَّرُ الِاسْتِسْقَاءُ.
وَلَمَّا ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ الِاسْتِسْقَاءَ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ نَاسَبَ أَنْ يَعْقِدَ لَهُ فَصْلًا يَذْكُرُ فِيهِ حُكْمَ صَلَاتِهِ وَهَيْئَتِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ فَقَالَ
(فَصْلٌ فِي ذِكْرِ الِاسْتِسْقَاءِ) وَهُوَ بِالْمَدِّ طَلَبُ السَّقْيِ إذْ هُوَ اسْتِفْعَالٌ مِنْ سَقَيْتُ وَيُقَالُ سَقَى وَأَسْقَى لُغَتَانِ وَقِيلَ: سَقَى نَاوَلَهُ الشِّرْبَ وَأَسْقَاهُ جَعَلَ لَهُ سُقْيًا، وَالِاسْتِفْعَالُ غَالِبًا لِطَلَبِ الْفِعْلِ، كَالِاسْتِفْهَامِ وَالِاسْتِرْشَادِ لِطَلَبِ الْفَهْمِ وَالرُّشْدِ، وَشَرْعًا طَلَبُ السَّقْيِ مِنْ اللَّهِ لِقَحْطٍ نَزَلَ بِهِمْ أَوْ غَيْرِهِ، ثُمَّ إنَّ الِاسْتِسْقَاءَ يَكُونُ لِأَرْبَعٍ: الْأَوَّلُ لِلْمَحْلِ وَالْجَدْبِ، وَالثَّانِي عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى الشُّرْبِ لِشِفَاهِهِمْ أَوْ دَوَابِّهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ فِي سَفَرٍ فِي صَحْرَاءَ أَوْ فِي سَفِينَةٍ أَوْ فِي الْحَضَرِ. وَالثَّالِثُ اسْتِسْقَاءُ مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَحْلٍ وَلَا حَاجَةَ إلَى الشِّرْبِ، وَقَدْ أَتَاهُمْ مِنْ الْغَيْثِ مَا إنْ اقْتَصَرُوا عَلَيْهِ كَانُوا فِي دُونِ السَّعَةِ، فَلَهُمْ أَنْ يَسْتَسْقُوا وَيَسْأَلُوا اللَّهَ الْمَزِيدَ مِنْ فَضْلِهِ. وَالرَّابِعُ اسْتِسْقَاءُ مَنْ كَانَ فِي خِصْبٍ لِمَنْ كَانَ فِي مَحْلٍ وَجَدْبٍ. وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ فِي الْحُكْمِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: فَالْوَجْهَانِ الْأَوَّلَانِ سُنَّةٌ لَا يَنْبَغِي تَرْكُهَا، وَالثَّالِثُ مُبَاحٌ، وَالرَّابِعُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ انْتَهَى. وَسَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إلَى هَذَا الرَّابِعِ بِقَوْلِهِ: وَاخْتَارَ إقَامَةَ غَيْرِ الْمُحْتَاجِ لِمُحْتَاجٍ، وَقَدْ أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ هُنَا إلَى حُكْمِ الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ بِقَوْلِهِ (ص) سُنَّ الِاسْتِسْقَاءُ. (ش) أَيْ: صَلَاتُهُ لِأَحَدِ شَيْئَيْنِ بَيَّنَهُمَا بِقَوْلِهِ (لِزَرْعٍ) أَيْ: لِأَجْلِ احْتِيَاجِ زَرْعٍ، وَيُقَالُ لَهُ: مَحْلٌ وَجَدْبٌ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، وَلَا يُسْتَعْمَلَانِ فِي احْتِيَاجِ الْحَيَوَانِ أَوْ لِآدَمِيٍّ أَيْ (أَوْ) لِأَجْلِ احْتِيَاجِ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ حَيَوَانٍ إلَى (شِرْبٍ بِ) سَبَبِ تَخَلُّفِ (نَهْرٍ أَوْ غَيْرِهِ) مِنْ مَطَرٍ وَعَيْنٍ، وَلَا يَخْتَصُّ الِاسْتِسْقَاءُ بِمَنْ كَانَ فِي الْقُرَى وَالصَّحْرَاءِ، بَلْ يُشْرَعُ ذَلِكَ لِمَنْ فِي السَّفِينَةِ أَيْضًا عِنْدَ حُصُولِ شَيْءٍ مِمَّا مَرَّ بِأَنْ يَكُونَ فِي بَحْرٍ مِلْحٍ أَوْ عَذْبٍ لَا يَصِلُ إلَيْهِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ بِسَفِينَةٍ) .
. وَقَوْلُهُ: (رَكْعَتَانِ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: وَصَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ رَكْعَتَانِ (جَهْرًا) لِأَنَّهَا
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ يَعْنِي أَنَّهُ يَجِبُ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ هَذِهِ الْأُمُورِ مِنْهُ مَا هُوَ وَاجِبٌ وَمِنْهُ مَا هُوَ مَنْدُوبٌ. (قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْكُسُوفِ عَلَى الْعِيدِ) أَيْ: وَإِنْ كَانَ الْعِيدُ آكَدَ مِنْهَا لِخَوْفِ انْجِلَائِهَا بِتَقْدِيمِ الْآكَدِ عَلَيْهِ، أَلَا تَرَى إلَى تَقْدِيمِ حِكَايَةِ الْأَذَانِ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مَعَ أَفْضَلِيَّتِهَا عَلَى الْحِكَايَةِ؛ لِأَنَّ حِكَايَتَهُ تَفُوتُ بِاشْتِغَالِهِ بِالْقِرَاءَةِ، فَكَذَلِكَ الْكُسُوفُ يُخَافُ فَوَاتُهُ بِصَلَاةِ الْعِيدِ. وَاسْتُشْكِلَ اجْتِمَاعُ الْكُسُوفِ وَالْعِيدِ بِأَنَّ الْكُسُوفَ إنَّمَا يَكُونُ يَوْمَ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ الشَّهْرِ، وَالْعِيدَ لَا يَكُونُ فِيهِ، إذْ هُوَ إمَّا أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ الشَّهْرِ أَوْ عَاشِرُهُ، بَلْ أَحَالَ أَهْلُ الْهَيْئَةِ اجْتِمَاعَهُمَا عَقْلًا كَمَا بَيَّنَ الْقَرَافِيُّ كَلَامَهُمْ وَرَدَّ ابْنُ الْعَرَبِيِّ كَلَامَهُمْ، بِأَنَّ لِلَّهِ أَنْ يَخْلُقَ كُسُوفَهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ أَيْ: لِأَنَّ اللَّهَ فَاعِلٌ مُخْتَارٌ يَتَصَرَّفُ فِي كُلِّ وَقْتٍ بِمَا يُرِيدُ. (قَوْلُهُ وَيُؤَخَّرُ الِاسْتِسْقَاءُ إلَخْ) أَيْ: إنْ لَمْ يُضْطَرَّ لَهُ بِسَبَبِهِ الْآتِي وَإِلَّا فُعِلَ مَعَ الْعِيدِ، بَلْ مَعَ الْكُسُوفِ أَيْضًا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) أَيْ: كَإِنْقَاذِ أَعْمَى وَصَوْنِ مَالٍ خِيفَ تَلَفُهُ (قَوْلُهُ مِنْ حُصُولِ إشْرَافٍ) أَيْ: اطِّلَاعٍ مِنَّا عَلَى الْمَرِيضِ. (قَوْلُهُ أَوْ الْمُرَادُ خُصُوصُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ) تَذَكَّرَهَا بِهِ أَيْ: أَوْ فَائِتَةٍ تَذَكَّرَهَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَخَافَ إنْ أَخَّرَهَا تَفُوتُ لِظَنِّ مَوْتٍ أَوْ قَتْلٍ.
[فَصْلٌ فِي الِاسْتِسْقَاءِ]
(فَصْلٌ: صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ) (قَوْلُهُ وَسَقَى وَأَسْقَى لُغَتَانِ) وَهَلْ مَعْنَاهُمَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ الْآتِيَيْنِ أَوْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا؟ (قَوْلُهُ الشِّرْبَ) بِكَسْرِ الشِّينِ: الْحَظُّ مِنْ الْمَاءِ. قَالَهُ فِي الْمُخْتَارِ، وَذَكَرَ أَنَّ مَصْدَرَ شَرِبَ - بِكَسْرِ الرَّاءِ - شُرْبًا بِضَمِّ الشِّينِ وَفَتْحِهَا وَكَسْرِهَا، أَيْ: نَاوَلَهُ بِيَدِهِ (قَوْلُهُ وَأَسْقَاهُ جَعَلَ لَهُ سُقْيًا) أَيْ: أَعَدَّ لَهُ مَا يَشْرَبُ مِنْهُ، وَهُوَ بِضَمِّ السِّينِ. (قَوْلُهُ لِقَحْطٍ نَزَلَ بِهِمْ. . . إلَخْ) الْقَحْطُ: احْتِبَاسُ الْمَطَرِ. (قَوْلُهُ لِلْمَحْلِ وَالْجَدْبِ) الْمَحْلُ وَالْجَدْبُ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ انْقِطَاعُ الْمَطَرِ وَيُبْسُ الْأَرْضِ. وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: يُقَالُ لِزَرْعِهِ أَصَابَهُ مَحْلٌ أَوْ جَدْبٌ، وَلَا يُقَالُ لِلْحَيَوَانِ أَصَابَهُ مَحْلٌ أَوْ جَدْبٌ، بَلْ أَصَابَهُ هُزَالٌ أَوْ ضَعْفٌ.
وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: مَحَلَ الْبَلَدُ يَمْحَلُ مِنْ بَابِ تَعِبَ اهـ. فَالْحَاءُ فِي الْمَحْلِ مَفْتُوحَةٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَحْلَ وَالْجَدْبَ هُوَ عَيْنُ قَوْلِهِ: لِقَحْطٍ، وَمَا بَعْدَهُ عَيْنُ قَوْلِهِ أَوْ غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ لِشِفَاهِهِمْ) جَمْعُ شَفَةٍ أَيْ: أَنْفُسِهِمْ (قَوْلُهُ خِصْبٍ) بِكَسْرِ الْخَاءِ كَمَا فِي شب (قَوْلُهُ أَيْ لِأَجْلِ. . . إلَخْ) أَيْ: فَقَوْلُهُ لِزَرْعٍ ظَرْفُ لَغْوٍ لِقَوْلِهِ الِاسْتِسْقَاءُ أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ احْتِيَاجُ الزَّرْعِ لِإِنْبَاتِهِ أَوْ بَقَائِهِ. (قَوْلُهُ بِسَبَبِ. . . إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ: بِنَهْرٍ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، وَالْيَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ بِمَعْنَى مِنْ أَيْ: شِرْبٍ مِنْ نَهْرٍ. (قَوْلُهُ مِمَّا مَرَّ) أَيْ: بَعْضِ مَا مَرَّ وَهُوَ احْتِيَاجُ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ بِسَبَبِ تَخَلُّفِ مَطَرٍ. وَقَوْلُهُ: بِأَنْ يَكُونَ الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ.
وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهَا ذَاتُ خُطْبَةٍ أَيْ: الصَّلَاةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute