للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِمَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ يَقُولَ وَإِنْ مَلَّكَ رَسُولَيْنِ فَلِأَحَدِهِمَا الْقَضَاءُ إلَّا أَنْ يَكُونَا وَكِيلَيْنِ.

وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الطَّلَاقِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَقَسَّمَهُ إلَى وَاقِعٍ مِنْ الزَّوْجِ وَمِنْ مُفَوَّضٍ إلَيْهِ ذَكَرَ مَا قَدْ يَكُونُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَهِيَ الرَّجْعَةُ وَهِيَ لُغَةً الْمَرَّةُ مِنْ الرُّجُوعِ وَشَرْعًا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ رَفْعُ الزَّوْجِ أَوْ الْحَاكِمِ حُرْمَةَ الْمُتْعَةِ بِالزَّوْجَةِ لِطَلَاقِهَا. فَتَخْرُجُ الْمُرَاجَعَةُ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ " أَوْ الْحَاكِمِ " لِإِدْخَالِ مَا إذَا طَلَّقَ فِي الْحَيْضِ وَامْتَنَعَ الزَّوْجُ مِنْ الرَّجْعَةِ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَرْتَجِعُ لَهُ جَبْرًا عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ.

وَقَوْلُهُ " حُرْمَةَ الْمُتْعَةِ " هَذَا هُوَ الْمَرْفُوعُ وَقَوْلُهُ لِطَلَاقِهَا مُتَعَلِّقٌ بِالْحُرْمَةِ وَاحْتَرَزَ بِهِ مِنْ رَفْعِ الزَّوْجِ الْحُرْمَةَ بِغَيْرِ الطَّلَاقِ كَمَا إذَا رَفَعَ حُرْمَةَ الظِّهَارِ بِالْكَفَّارَةِ وَإِنَّمَا خَرَجَتْ الْمُرَاجَعَةُ لِأَنَّهَا مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى رِضَا الزَّوْجَيْنِ، وَالرَّجْعَةُ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ فَخَرَجَتْ بِقَوْلِهِ " رَفْعُ الزَّوْجِ " وَلَمَّا كَانَ الْبَحْثُ فِي الرَّجْعَةِ يَتَعَلَّقُ بِأَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ؛ الْمُرْتَجِعِ وَالْمُرْتَجَعَةِ وَسَبَبِ الرَّجْعَةِ وَأَحْكَامِ الْمُرْتَجَعَةِ قَبْلَ الِارْتِجَاعِ أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: (فَصْلٌ) يَرْتَجِعُ مَنْ يَنْكِحُ (ش) أَيْ وَيَجُوزُ أَوْ يَصِحُّ لِأَنَّ كَلَامَهُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ أَيْ مَنْ فِيهِ أَهْلِيَّةُ النِّكَاحِ فَلَا يَصِحُّ ارْتِجَاعُ مَجْنُونٍ وَلَا سَكْرَانَ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ سَكِرَ بِحَلَالٍ وَلَا يَخْرُجُ الصَّبِيُّ خِلَافًا لِلشَّارِحِ وَمَنْ تَبِعَهُ لِأَنَّ الصَّبِيَّ فِيهِ أَهْلِيَّةُ النِّكَاحِ فِي الْجُمْلَةِ لِأَنَّ نِكَاحَهُ صَحِيحٌ مُتَوَقِّفٌ عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ وَإِنَّمَا يَخْرُجُ بِقَوْلِهِ طَالِقًا غَيْرَ بَائِنٍ لِأَنَّ طَلَاقَهُ إمَّا بَائِنٌ بِأَنْ يُطَلِّقَ عَلَيْهِ وَلِيُّهُ بِعِوَضٍ أَوْ غَيْرُ لَازِمٍ بِأَنْ يُطَلِّقَ هُوَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَ الرَّجْعَةِ حُكْمُ النِّكَاحِ مِنْ جَرَيَانِ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ كَمَا وُجِدَ بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ وَلَمَّا أَخْرَجَ الْمَرِيضَ وَالْمُحْرِمَ وَالْعَبْدَ بِقَوْلِهِ مَنْ يَنْكِحُ نَصَّ عَلَى دُخُولِهِمْ بِقَوْلِهِ.

(ص) وَإِنْ بِكَإِحْرَامٍ وَعَدَمِ إذْنِ سَيِّدٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمُحْرِمَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَ زَوْجَتَهُ وَإِنْ كَانَ نِكَاحُهُ مَمْنُوعًا وَإِنْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ مُحْرِمَةً أَيْضًا وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَ زَوْجَتَهُ مِنْ غَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ لِأَنَّ إذْنَهُ لَهُ فِي النِّكَاحِ إذْنٌ فِي تَوَابِعِهِ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ مَرَضًا مَخُوفًا أَنْ يُرَاجِعَ زَوْجَتَهُ وَإِنْ مُنِعَ النِّكَاحَ ابْتِدَاءً كَمَا مَرَّ لِأَنَّ فِي نِكَاحِهِ إدْخَالَ وَارِثٍ، وَالرَّجْعِيَّةُ تَرِثُ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَيْسَ فِي رَجْعَتِهَا إدْخَالُ وَارِثٍ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لِلسَّفِيهِ أَنْ يُرَاجِعَ زَوْجَتَهُ وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُهُ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لِلْمُفْلِسِ أَنْ يُرَاجِعَ زَوْجَتَهُ وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُهُ وَتَصِحُّ

ــ

[حاشية العدوي]

وَاحِدَةً جَازَ ابْنُ رُشْدٍ إذَا قَالَ طَلِّقَا امْرَأَتِي فَهَذَا لَفْظٌ يَحْتَمِلُ الرِّسَالَةَ وَالتَّمْلِيكَ فَقِيلَ مَحْمُولٌ عَلَى الرِّسَالَةِ حَتَّى يُرِيدَ التَّمْلِيكَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ هُنَا وَفِي الْمُدَوَّنَةِ إلَّا أَنَّهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ حَمَلَ الرِّسَالَةَ عَلَى الْإِجْمَاعِ فَرَأَى الطَّلَاقَ وَاقِعًا عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الرِّسَالَةِ بَلَّغَاهَا الطَّلَاقَ أَوْ لَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ لَهُمَا: أَعْلِمَا امْرَأَتِي بِطَلَاقِهَا وَحَمَلَ هَاهُنَا الرِّسَالَةَ عَلَى غَيْرِ الْإِجْمَاعِ فَرَأَى الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ إلَّا بِتَبْلِيغِ مَنْ بَلَّغَهَا الطَّلَاقَ مِنْهُمَا كَمَا لَوْ وَكَّلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ عَلَيْهِ فَإِنْ طَلَّقَ عَلَيْهِ جَازَ وَمَا لَمْ يُطَلِّقْ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ أَنْ يُطَلِّقَ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ بِخِلَافِ الْمُمَلَّكِ الطَّلَاقَ وَقِيلَ إنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّمْلِيكِ حَتَّى يُرِيدَ الرِّسَالَةَ وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ، وَإِيَّاهُ اخْتَارَ ابْنُ حَبِيبٍ اهـ وَمَعْنَى الْإِجْمَاعِ الْعَزْمُ وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ اقْتِصَارَ س عَلَى هَذَا السَّمَاعِ فِي قَوْلِهِ إذَا حُمِلَ عَلَى الرِّسَالَةِ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ حَتَّى يُبَلِّغَاهَا وَتَبِعَهُ الْحَطَّابُ، وَقَوْلُ الشَّامِلِ وَحُمِلَ " طَلِّقَا امْرَأَتِي " عَلَى الرِّسَالَةِ حَتَّى يُرِيدَ التَّمْلِيكَ وَقِيلَ بِالْعَكْسِ وَلَا يَقَعُ حَتَّى يُبَلِّغَ الرَّسُولُ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ اهـ وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَكَانَ الْمُنَاسِبُ لِمَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَخْ يُشِيرُ إلَى تَرْجِيحِهِ.

[فَصَلِّ فِي الرَّجْعَةُ]

(فَصْلٌ: الرَّجْعَةُ) (قَوْلُهُ: عَلَى الطَّلَاقِ) أَيْ مَسَائِلِهِ وَقَوْلُهُ: وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَيْ مِنْ الْمَسَائِلِ كَقَوْلِهِ وَسُفِّهَ قَائِلُ: يَا أُمِّي وَيَا أُخْتِي، وَنَحْوِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَمِنْ مُفَوَّضٍ إلَيْهِ) وَهُوَ الْمُمَلَّكَةُ وَالْمُخَيَّرَةُ وَالْمُوَكَّلَةُ (قَوْلُهُ: الرَّجْعَةُ) فَتْحُ رَائِهَا أَفْصَحُ عِنْدَ الْجَوْهَرِيِّ وَأَنْكَرَ غَيْرُهُ الْكَسْرَ وَكَسْرُهَا أَكْثَرُ عِنْدَ الْأَزْهَرِيِّ (قَوْلُهُ: فَتَخْرُجُ الْمُرَاجَعَةُ) أَيْ الَّتِي هِيَ الْعَقْدُ عَلَى الْبَائِنِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُوَثِّقِينَ يَسْتَعْمِلُونَ " رَاجَعَ " فِي الْبَائِنِ لِتَوَقُّفِ ذَلِكَ عَلَى رِضَا الزَّوْجَيْنِ مَعًا فَهِيَ مُفَاعَلَةٌ وَيَسْتَعْمِلُونَ لَفْظَ " ارْتَجَعَ " فِي غَيْرِ الْبَائِنِ لِأَنَّهَا بِيَدِ الزَّوْجِ وَحْدَهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ: فِي الْحَدِيثِ فِي قِصَّةِ ابْنِ عُمَرَ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا فَإِنَّهُ وَارِدٌ بِحَسَبِ اللُّغَةِ وَهَذَا اصْطِلَاحُ الْفُقَهَاءِ كَذَا فِي شَرْحِ شب (قَوْلُهُ: مُتَعَلِّقٌ بِالْحُرْمَةِ) أَيْ مُرْتَبِطٌ ارْتِبَاطًا مَعْنَوِيًّا فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ الْحُرْمَةِ الْكَائِنَةِ لِأَجْلِ طَلَاقِهَا (قَوْلُهُ: أَوْجُهٍ) الْأَوْلَى بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ (قَوْلُهُ: أَيْ يَجُوزُ أَوْ يَصِحُّ) أَيْ إنَّ الْمُصَنِّفَ مُحْتَمِلٌ لِذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يَخْرُجُ الْمَرِيضُ وَالْمُحْرِمُ وَالْعَبْدُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ وَلَمَّا أَخْرَجَ الْمَرِيضَ إلَخْ وَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ فَلَا تَصِحُّ الْمُبَالَغَةُ لِأَنَّ شَرْطَ مَا بَعْدَ الْمُبَالَغَةِ دُخُولُهُ فِيمَا قَبْلَهَا فَإِنْ قُلْت يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ يَصِحُّ نِكَاحُهَا فِي حَدِّ ذَاتِهِ لَوْلَا الْمَانِعُ أَعْنِي الْمَرَضَ وَالْإِحْرَامَ وَالْحَجَّ قُلْتُ يُقَالُ: إنَّ الْمَجْنُونَ كَذَلِكَ يَصِحُّ نِكَاحُهُ لَوْلَا الْمَانِعُ إلَّا أَنْ يُقَالَ مَانِعُ الْجُنُونِ أَشَدُّ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ الشَّارِحِ أَخْرَجَ أَيْ يُتَوَهَّمُ إخْرَاجُهُ لَا أَنَّهُ خَارِجٌ بِالْفِعْلِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ ارْتِجَاعُ مَجْنُونٍ) أَيْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْجُنُونُ بَعْدَ طَلَاقِهِ فَلَا رَجْعَةَ لَهُ أَيْ بِسَبَبِ أَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ مَنْ يَنْكِحُ مَنْ شَأْنُهُ عَقْدُ النِّكَاحِ لِنَفْسِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ شَأْنَ كُلٍّ مِنْ الْمُحْرِمِ وَالْمَرِيضِ وَالْعَبْدِ جَوَازُ النِّكَاحِ لَكِنْ قَامَ بِهِ مَانِعٌ وَقَالَ بِهِ بَعْضُ الشُّرَّاحِ ثُمَّ إنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ مَنْ يَنْكِحُ مَنْ يَصِحُّ نِكَاحُهُ لَمْ تَصِحَّ الْمُبَالَغَةُ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ بِكَإِحْرَامٍ إذْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَا قَبْلَهَا صَادِقًا عَلَيْهَا وَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ مَنْ يَلْزَمُ نِكَاحُهُ لَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ " وَعَدَمِ إذْنِ سَيِّدٍ " أَيْضًا وَنَحْوُهُ مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ غَيْرِهِ إلَّا الصَّبِيَّ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ بِقَوْلِهِ طَالِقًا غَيْرَ بَائِنٍ.

(قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَرِيضِ وَالسَّفِيهِ وَالْمُفْلِسِ دَاخِلٌ تَحْتَ الْكَافِ

<<  <  ج: ص:  >  >>