للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَثِيقَةِ وَانْظُرْ بَسْطَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ.

وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى مَا أَرَادَ مِنْ مَسَائِلِ التَّفْلِيسِ أَعْقَبَهُ بِالْكَلَامِ عَلَى بَقِيَّةِ أَسْبَابِ الْحَجْرِ وَهُوَ لُغَةً يُقَالُ لِلْمَنْعِ، وَالْحَرَامِ وَيُثَلَّثُ أَوَّلُهُ وَيُقَالُ لِمُقَدِّمِ الثَّوْبِ وَهُوَ مُثَلَّثٌ أَيْضًا كَمَا فِي الْمُحْكَمِ وَشَرْعًا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ مَنْعَ مَوْصُوفِهَا مِنْ نُفُوذِ تَصَرُّفِهِ فِي الزَّائِدِ عَلَى قُوتِهِ أَوْ تَبَرُّعِهِ بِمَالِهِ قَالَ وَبِهِ دَخَلَ حَجْرُ الْمَرِيضِ، وَالزَّوْجَةِ انْتَهَى، ثُمَّ إنَّ الْمُؤَلِّفَ عَقَدَ الْبَابَ السَّابِقَ لِلْحَجْرِ نَفْسِهِ وَعَقَدَ هَذَا لِأَسْبَابِهِ وَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَ هَذَا عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُسَبَّبِ طَبْعًا فَيُقَدَّمُ وَضْعًا لِيُوَافِقَ الْوَضْعُ الطَّبْعَ لَا أَنَّ تَقْدِيمَهُ وَاجِبٌ كَمَا فَهِمَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ عَقْلًا لَا وَضْعًا وَأَسْبَابُ الْحَجْرِ الصِّبَا، وَالْجُنُونُ، وَالتَّبْذِيرُ، وَالرِّقُّ، وَالْفَلَسُ، وَالْمَرَضُ، وَالنِّكَاحُ فِي الزَّوْجَةِ وَلَيْسَ مِنْهَا الرِّدَّةُ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ مَبْدَأَ كُلِّ سَبَبٍ وَغَايَتَهُ وَقَدَّمَ حَجْرَ الْجُنُونِ لِقِلَّةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ لِلصِّبَا فَقَالَ (بَابٌ) الْمَجْنُونُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِلْإِفَاقَةِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمَجْنُونَ بِصَرْعٍ، أَوْ وَسْوَاسٍ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ إلَى إفَاقَتِهِ فَإِذَا عَادَ عَقْلُهُ زَالَ حَجْرُهُ، وَلَا يَحْتَاجُ لِفَكٍّ إنْ كَانَ جُنُونُهُ طَارِئًا بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَالرُّشْدِ وَإِنْ كَانَ قَدِيمًا فَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ يُقَالُ لَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا التَّقْيِيدِ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ لَيْسَ حَجْرًا لِلْجُنُونِ

ــ

[حاشية العدوي]

(قَوْلُهُ: وَانْظُرْ بَسْطَ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّنَا نَذْكُرُ لَك مَا يَتَّضِحُ بِهِ الْمَقَامُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِمَا قَالَهُ فِي كَ فَنَقُولُ اعْلَمْ أَنَّ غَيْرَ وَاحِدٍ قَرَّرَ الْمُصَنِّفُ بِكَلَامِ أَبِي عُمَرَ فِي كَافِيهِ فَإِنَّهُ قَالَ إذَا كَتَبَ الشَّاهِدُ شَهَادَتَهُ فِي ذِكْرِ الْحَقِّ وَطُولِبَ بِهَا وَزَعَمَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ أَدَّى ذَلِكَ الْحَقَّ لَمْ يَشْهَدْ الشَّاهِدُ حَتَّى يُؤْتَى بِالْكِتَابِ الَّذِي فِيهِ شَهَادَتُهُ بِخَطِّهِ؛ لِأَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ النَّاسِ أَخْذُ الْوَثَائِقِ إذَا أَدَّوْا الدُّيُونَ انْتَهَى الْمُرَادُ مِنْهُ، ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ سَالِمًا نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِ قَالَ لَمْ أَزَلْ أَتَوَقَّفُ فِي فَهْمِ كَلَامِ الْكَافِي وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمِدْيَانَ مُقِرٌّ بِالدَّيْنِ وَإِنَّمَا يَدَّعِي دَفْعَهُ وَتَقْطِيعَهُ الْوَثِيقَةَ فَكَيْفَ يَطْلُبُ رَبُّ الدَّيْنِ مِنْ شَاهِدٍ عَلَى مُقِرٍّ وَهَلْ يَحْتَاجُ إلَى الشَّهَادَةِ مَعَ الْإِقْرَارِ فَيُقَالُ لَا يَشْهَدُ الشَّاهِدُ حَتَّى تُحْضَرَ الْوَثِيقَةُ، أَوْ تَجُوزَ الشَّهَادَةُ بِغَيْرِ حُضُورِهِ وَقَدْ سَبَقَهُ غَيْرُهُ إلَى ذَلِكَ الْإِشْكَالِ، ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ سَالِمًا أَجَابَ بِقَوْلِهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مُقِرٍّ فِي السِّرِّ جَاحِدٍ فِي الْعَلَانِيَةِ اهـ.

وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِ أَبِي عُمَرَ لَمْ يَشْهَدْ لَا عِبْرَةَ بِشَهَادَتِهِ لِتَصْدِيقِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ يُصَدَّقُ فَأَطْلَقَ لَمْ يَشْهَدْ عَلَى تَصْدِيقِهِ، وَإِلَّا فَالشَّهَادَةُ هُنَا لَا فَائِدَةَ فِيهَا لِإِقْرَارِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِمَا تَضَمَّنَتْهُ الْوَثِيقَةُ مِنْ شَهَادَةٍ وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ يَشْهَدْ شَاهِدُهَا إلَّا بِهَا عَلَى غَيْرِ فَرْضِ أَبِي عُمَرَ وَهُوَ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ مُنْكِرٌ لِأَصْلِ الدَّيْنِ فَفِي كِتَابِ الِاسْتِغْنَاءِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِيمَنْ أُشْهِدَ فِي كِتَابِ ذِكْرِ الْحَقِّ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ ضَاعَ وَسَأَلَ الشُّهُودَ أَنْ يَشْهَدُوا بِمَا حَفِظُوا فَلَا يَشْهَدُوا وَإِنْ كَانُوا حَافِظِينَ لِمَا فِيهِ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَكُونَ قَدْ اقْتَضَى وَمَحَا الْكِتَابَ فَإِنْ جَهِلُوا وَشَهِدُوا بِذَلِكَ قُضِيَ بِهِ وَقَالَ مُطَرِّفٌ بَلْ يَشْهَدُونَ بِمَا حَفِظُوا إنْ كَانَ الطَّالِبُ مَأْمُونًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْمُونًا فَقَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَشْهَدُوا انْتَهَى.

[أَسْبَابِ الْحَجْرِ]

(قَوْلُهُ: بَقِيَّةُ أَسْبَابِ الْحَجْرِ) ، أَيْ: وَقَدْ ذَكَرَ مِنْ أَسْبَابِهِ إحَاطَةَ الدَّيْنِ، وَالْفَلَسَ (قَوْلُهُ: يُقَالُ لِلْمَنْعِ، وَالْحَرَامِ) ، أَيْ: حُرْمَةِ الْحَرَامِ وَهُوَ عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ وَهُوَ مَصْدَرُ حَجَرَ الْقَاضِي يَحْجُرُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا فِي الْمُضَارِعِ (قَوْلُهُ: صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ إلَخْ) هَذَا التَّعْرِيفُ لَا يُطَابِقُ مَعْنَاهُ لُغَةً، وَلَا اصْطِلَاحًا؛ لِأَنَّهُ فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ وَعِنْدَ حَمَلَةِ الشَّرْعِ الْمَنْعُ مِنْ شَيْءٍ خَاصٍّ وَلِذَا حَدَّهُ ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّهُ الْمَنْعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ الْمَنْعُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَنَقَلَهُ عَنْ التَّنْبِيهَاتِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ مُحَشِّي تت (قَوْلُهُ: فِي الزَّائِدِ عَلَى قُوتِهِ) ، أَيْ: بِغَيْرِ تَبَرُّعِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ، أَوْ تَبَرُّعُهُ، وَقَوْلُهُ: أَوْ تَبَرُّعُهُ بِمَالٍ إنْ أَرَادَ بِكُلِّهِ فَلَا مَعْنَى لَهُ مَعَ مَا قَبْلَهُ وَإِنْ أَرَادَ بِبَعْضِ مَالِهِ فَيَصْدُقُ بِأَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ وَإِنْ أَرَادَ بَعْضًا مُعَيَّنًا وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَلَا قَرِينَةَ عَلَيْهِ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ مُرَادَهُ بَعْضُ مَالِهِ وَكَوْنُهُ زَائِدًا عَلَى الثُّلُثِ خَارِجٌ عَنْ حَقِيقَةِ الْحَجْرِ، وَقَوْلُهُ: بِهِ، أَيْ: بِقَوْلِهِ، أَوْ تَبَرُّعُهُ بِمَالِهِ، وَقَوْلُهُ: يَدْخُلُ حَجْرُ الْمَرِيضِ، وَالزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَ لَهُمَا التَّبَرُّعُ بِأَزْيَدَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِمَا، وَلَا يَدْخُلُ حَجْرُهُمَا لِقَوْلِهِ مَنَعَ نُفُوذَ تَصَرُّفِهِ فِي الزَّائِدِ عَلَى قُوتِهِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُمْنَعَانِ مِنْ نُفُوذِ تُصَرِّفهُمَا فِي الزَّائِدِ عَلَى قُوتِهِمَا فَقَوْلُهُ فِي الزَّائِدِ عَلَى قُوتِهِ دَخَلَ فِيهِ الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ، وَالسَّفِيهُ، وَالْمُفَلَّسُ، وَالرَّقِيقُ إذْ لَيْسَ لَهُمْ التَّصَرُّفُ فِي الزَّائِدِ عَنْ الْقُوتِ وَبَقِيَ الْمَرِيضُ، وَالزَّوْجَةُ فَأَدْخَلَهُمَا فِي قَوْلِهِ، أَوْ تَبَرُّعُهُ.

(قَوْلُهُ: عَقَدَ الْبَابَ السَّابِقَ لِلْحَجْرِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى الْحَجْرِ الْكُلِّيِّ بَلْ إنَّمَا ذَكَرَ حَجْرًا خَاصًّا وَهُوَ حَجْرُ الْمَدِينِ لِإِحَاطَةِ الدَّيْنِ، وَالتَّفْلِيسِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَيْسَ بِمَالِكٍ) رُدَّ بِأَنَّهُ يُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ وَيُقْضَى مِنْهُ دُيُونُهُ فَكَوْنُ مَالِهِ لَا يَمْلِكُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ مَمْنُوعٌ (قَوْلُهُ: كُلُّ سَبَبٍ وَغَايَتُهُ) كَأَنْ يَقُولَ الْمَجْنُونُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ مِنْ مَبْدَإِ جُنُونِهِ لِلْإِفَاقَةِ (قَوْلُهُ: لِقِلَّةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ) ، أَيْ: لِأَنَّ الْحَجْرَ الْمُتَعَلِّقَ بِالْمَجْنُونِ مِنْ حَيْثُ النَّفْسُ فَقَطْ، وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَمِنْ حَيْثُ النَّفْسُ، وَالْمَالُ (بَابُ الْحَجْرِ) (قَوْلُهُ: الْمَجْنُونُ) كَانَ جُنُونُهُ مُطْبِقًا، أَوْ مُتَقَطِّعًا وَيُحْجَرُ عَلَيْهِ وَقْتَ جُنُونِهِ.

(قَوْلُهُ: بِصَرْعٍ، أَوْ وَسْوَاسٍ) نَوْعَانِ مِنْ أَنْوَاعِ الْجُنُونِ يُعْرَفَانِ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا كَانَ بِالطَّبْعِ فَإِنَّهُ لَا يُفِيقُ مِنْهُ عَادَةً (قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ) ، أَيْ: مِنْ الْفَكِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>