للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَذَفَهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ الْأَمْرُ إلَى الْإِمَامِ، أَوْ صَاحِبِ الشُّرْطَةِ، أَوْ الْحَرَسِ، فَإِذَا بَلَغَ حَدُّ الْمَقْذُوفِ وَاحِدًا مِنْهُمْ، فَلَيْسَ فِيهِ عَفْوٌ؛ لِأَنَّهُ صَارَ حَقًّا لِلَّهِ لَيْسَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَعْفُوَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ السَّتْرَ عَلَى نَفْسِهِ، فَإِنْ أَرَادَهُ فَلَهُ الْعَفْوُ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِأَنْ يَسْأَلَ الْإِمَامُ خُفْيَةً عَنْ حَالِ الْمَقْذُوفِ، فَإِذَا بَلَغَهُ عَنْهُ أَنَّ هَذَا الَّذِي قِيلَ فِيهِ الْآنَ أَمْرٌ سُمِعَ، وَأَنَّهُ يَخْشَى أَنْ يَثْبُتَ عَلَيْهِ أَجَازَ عَفْوَهُ، وَانْظُرْ إذَا أَرَادَ بِالسَّتْرِ عَلَى الْقَاذِفِ خَشْيَةَ حُصُولِ ضَرَرٍ لَهُ مِنْهُ فَهَلْ يَعْمَلُ بِعَفْوِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَمْ لَا؟ ، وَمَحَلُّ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ مَا لَمْ يَكُنْ الْقَاذِفُ أُمَّهُ، أَوْ أَبَاهُ فَلَهُ الْعَفْوُ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ سَتْرًا، وَيَجُوزُ الْعَفْوُ عَنْ التَّعْزِيرِ وَالشَّفَاعَةُ فِيهِ، وَلَوْ بَلَغَ الْإِمَامَ قَالَهُ ح، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ التَّعْزِيرُ لِحَقِّ اللَّهِ مَحْضًا

. (ص) وَإِنْ قَذَفَ فِي الْحَدِّ اُبْتُدِئَ لَهُمَا إلَّا أَنْ يَبْقَى يَسِيرٌ، فَيُكْمِلُ الْأَوَّلَ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْقَاذِفَ إذَا قَذَفَ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِّ الَّذِي أُقِيمَ عَلَيْهِ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْهُ النِّصْفُ فَأَكْثَرُ فَإِنَّهُ يُبْتَدَأُ لَهُمَا أَيْ: لِلْقَذْفَيْنِ حَدٌّ وَاحِدٌ ثَانِيًا: سَوَاءٌ قَذَفَ الْمَقْذُوفَ، أَوْ غَيْرَهُ إلَّا أَنْ يَبْقَى مِنْ الْحَدِّ الْأَوَّلِ يَسِيرٌ كَخَمْسَةَ عَشَرَ سَوْطًا فَدُونٍ، فَإِنَّهُ يُكْمِلُ، ثُمَّ يَحُدُّ لِلْقَذْفِ الثَّانِي حَدًّا ثَانِيًا، وَقَوْلُهُ: يَسِيرٌ بِالرَّفْعِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالنَّصْبِ عَلَى التَّمْيِيزِ الْمُحَوَّلِ عَنْ الْفَاعِلِ أَيْ: إلَّا أَنْ يَبْقَى يَسِيرُ الْحَدِّ

. (بَابٌ) ذَكَرَ فِيهِ (السَّرِقَةَ) وَهِيَ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ الرَّاءِ، وَيَجُوزُ إسْكَانُ الرَّاءِ مَعَ فَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِهَا، يُقَالُ: سَرَقَ بِفَتْحِ الرَّاءِ يَسْرِقُ بِكَسْرِهَا سَرَقًا وَسَرِقَةً فَهُوَ سَارِقٌ، وَالشَّيْءُ مَسْرُوقٌ، وَصَاحِبُهُ مَسْرُوقٌ مِنْهُ، وَعَرَّفَهَا ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ: أَخْذُ مُكَلَّفٍ حُرًّا لَا يَعْقِلُ لِصِغَرِهِ، أَوْ مَالًا مُحْتَرَمًا لِغَيْرِهِ نِصَابًا أَخْرَجَهُ مِنْ حِرْزِهِ بِقَصْدٍ وَاحِدٍ خِفْيَةً لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ، السَّرِقَةُ اسْمُ مَصْدَرٍ مِنْ سَرَقَ يُقَالُ: سَرَقًا فِي الْمَصْدَرِ، وَسَرِقَةً فِي اسْمِهِ، فَقَوْلُهُ: (أَخْذُ) مُنَاسِبٌ لِاسْمِ الْمَصْدَرِ وَإِذَا أُرِيدَ الِاسْمِيُّ يَكُونُ الْمَأْخُوذُ مِنْ مُكَلَّفٍ لَا يَعْقِلُ لِصِغَرِهِ إلَخْ، وَأَخْرَجَ بِالْمُكَلَّفِ الْمَجْنُونَ، وَالصَّبِيَّ، وَقَوْلُهُ: بِقَصْدٍ وَاحِدٍ ذَكَرَهُ لِيُدْخِلَ فِيهِ مَسْأَلَةَ سَمَاعِ أَشْهَبَ إذَا سَرَقَ مَا لَا نِصَابَ فِيهِ، ثُمَّ كَرَّرَ ذَلِكَ مِرَارًا بِقَصْدٍ وَاحِدٍ حَتَّى كَمُلَ النِّصَابُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ.

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ: أَوْ صَاحِبِ الشُّرْطَةِ إلَخْ) وِزَانُ غُرْفَةٍ وَأَمَّا ضَمُّ الشِّينِ مَعَ فَتْحِ الرَّاءِ فَلُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَهُوَ الْحَاكِمُ وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: مَعْنَى صَاحِبِ الشُّرْطَةِ صَاحِبُ الْجَمَاعَةِ وَهُوَ الْوَالِي وَنَحْوُهُ فِي زَمَانِنَا، وَأَمَّا الشُّرَطُ عَلَى لَفْظِ الْجَمْعِ فَأَعْوَانُ السُّلْطَانِ؛ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا لِأَنْفُسِهِمْ عَلَامَاتٍ يُعْرَفُونَ بِهَا، الْوَاحِدُ شُرْطَةٌ مِثْلُ غُرَفٍ جَمْعُ غُرْفَةٍ وَإِذَا نُسِبَ إلَى هَذَا قِيلَ شُرْطِيٌّ بِالسُّكُونِ رَدًّا إلَى وَاحِدِهِ. (قَوْلُهُ: أَوْ الْحَرَسِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالرَّاءِ أَعْوَانُ السُّلْطَانِ جُعِلَ عَلَمًا عَلَى الْجَمْعِ وَلَا يُسْتَعْمَلُ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ لَفْظِهِ، وَلِهَذَا يُنْسَبُ إلَى الْجَمْعِ فَقِيلَ: حَرَسِيٌّ وَهَؤُلَاءِ مِنْ نُوَّابِ الْإِمَامِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّذِي يُقِيمُ الْحُدُودَ السُّلْطَانُ، أَوْ نُوَّابُهُ. نَعَمْ وَالِي الْمَاءِ الَّذِي يَجْبِي الزَّكَاةَ لَا يَدْخُلُ.

(قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ يَخْشَى أَنْ يُثْبِتَ عَلَيْهِ) أَيْ: بِالْبَيِّنَةِ أَيْ: أَوْ يَخْشَى أَنْ يُقَالَ: مَا لِهَذَا حُدَّ فَيُقَالُ: قَذَفَ فُلَانًا فَيَخْشَى الْمَعَرَّةَ فِي ذَلِكَ أَوْ يَخْشَى أَنَّ الْمَحْدُودَ يُظْهِرُ لِلنَّاسِ فِي الْمَقْذُوفِ عَيْبًا، أَوْ يَكُونُ الْمَقْذُوفُ حُدَّ قَدِيمًا فَيَخْشَى إذَا أَقَامَ عَلَى قَاذِفِهِ حَدًّا أَنْ يُظْهِرَ حَدَّهُ الْقَدِيمَ، وَقَوْلُهُ: مَا لَمْ يَكُنْ الْقَاذِفُ إلَخْ هَذَا عَلَى الضَّعِيفِ مِنْ أَنَّ لَهُ حَدَّ أَبِيهِ. (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ الْعَفْوُ عَنْ التَّعْزِيرِ) قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: يَنْبَغِي مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْعَدَاءِ فَلَا يَنْبَغِي الْعَفْوُ عَنْهُ وَسَكَتَ الشَّارِحُ عَنْ الشَّفَاعَةِ فِي الْحُدُودِ، وَنَذْكُرُ لَك مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ الْعَفْوُ عَنْ حَدِّ السَّرِقَةِ وَالزِّنَا وَالشُّرْبِ حَيْثُ بَلَغَهُ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الشَّفَاعَةُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا حُقُوقٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَوْ تَابَ الْفَاعِلُ وَحَسُنَتْ حَالَتُهُ وَأَمَّا قَبْلَ بُلُوغِ الْإِمَامِ، فَتَجُوزُ الشَّفَاعَةُ فِيهَا قَالَهُ التَّتَّائِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ، وَقَوْلُهُ: وَأَمَّا قَبْلَ بُلُوغِ الْإِمَامِ إلَخْ ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْفَسَادِ أَمْ لَا وَلَكِنَّهُ فَصَّلَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ خَاصَّةً بَيْنَ الْمَعْرُوفِ بِالْفَسَادِ، فَلَا تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ فِيهِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَتَجُوزُ

. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَبْقَى مِنْ الْحَدِّ الْأَوَّلِ يَسِيرٌ كَخَمْسَةَ عَشَرَ) هَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ عِشْرُونَ، أَوْ ثَلَاثُونَ فَيُبْتَدَأُ فَيُعَارِضُ قَوْلَهُ فِيمَا سَبَقَ بَقِيَ النِّصْفُ فَأَكْثَرُ الْمُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ ثَلَاثُونَ، أَوْ عِشْرُونَ لَا يُبْتَدَأُ أَقُولُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْيَسِيرَ مَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ

[بَاب السَّرِقَةَ]

. (بَابُ السَّرِقَةِ) . (قَوْلُهُ: سَرَقًا وَسَرِقَةً) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ سَرِقَةً مَصْدَرٌ، وَيَأْتِي أَنَّهُ يُذْكَرُ أَنَّهُ اسْمُ مَصْدَرٍ.

(قَوْلُهُ: وَعَرَّفَهَا) أَيْ: السَّرِقَةَ أَيْ: بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ. (قَوْلُهُ: حُرًّا لَا يَعْقِلُ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الصَّغِيرَ إمَّا أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهِ فَيَكُونَ بَيْتُهُ حِرْزًا لَهُ، وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ، وَلَا يَخْرُجُ مِنْ بَلَدِهِ فَبَلَدُهُ حِرْزٌ لَهُ فَإِذَا أَخْرَجَهُ مُكَلَّفٌ مِنْ بَيْتِهِ فِي الْأَوَّلِ، أَوْ مِنْ بَلَدِهِ فِي الثَّانِي فَتُقْطَعُ يَدُهُ. (قَوْلُهُ: لِصِغَرِهِ) أَيْ: أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ كَجُنُونِهِ. (قَوْلُهُ: مَالًا مُحْتَرَمًا إلَخْ) أَيْ: مَالًا لِغَيْرِهِ مُحْتَرَمًا فَيَخْرُجُ مَالُ الْحَرْبِيِّ أَيْ: مُحْتَرَمًا لِلسَّارِقِ وَالْمَسْرُوقِ مِنْهُ فَيَخْرُجُ الْخَمْرُ الَّذِي سَرَقَهُ مُسْلِمٌ مِنْ ذِمِّيٍّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُحْتَرَمًا لِلْمُسْلِمِ وَبِهَذَا انْدَفَعَ قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي وَيَرِدُ عَلَيْهِ إلَخْ، وَقَوْلُهُ: نِصَابًا وَصْفٌ ثَالِثٌ أَيْ: مَالٌ مَوْصُوفٌ بِأَنَّهُ لِغَيْرِهِ وَبِأَنَّهُ مُحْتَرَمٌ وَبِأَنَّهُ نِصَابٌ وَقَوْلُهُ: أَخْرَجَهُ أَيْ: أَخْرَجَ الْمَالَ الْمَوْصُوفَ بِمَا ذَكَرَ أَيْ: بِكَوْنِهِ نِصَابًا حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اتِّصَافِهِ بِالنِّصَابِيَّةِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ وَحِينَ الْإِخْرَاجِ فَإِذَا كَانَتْ شَاةً تُسَاوِي رُبُعَ دِينَارٍ فَذَبَحَهَا ثُمَّ أَخْرَجَهَا مَذْبُوحَةً، وَلَا تُسَاوِي رُبُعَ دِينَارٍ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ فَلَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ لَا قَطْعَ إلَّا إذَا كَانَتْ وَقْتَ الْإِخْرَاجِ تُسَاوِي رُبُعَ دِينَارٍ، فَلَوْ كَانَتْ فِي الْحِرْزِ لَا تُسَاوِي رُبُعَ دِينَارٍ وَبَعْدَ الْإِخْرَاجِ تُسَاوِيهِ فَلَا قَطْعَ. (قَوْلُهُ: بِقَصْدٍ وَاحِدٍ) أَيْ: فَمَتَى قَصَدَ أَخَذَ النِّصَابَ وَأَخْرَجَهُ مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ تُقْطَعُ يَدُهُ أَخْرَجَهُ فِي مَرَّةٍ أَوْ أَكْثَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>