وَأَقَارِبِهِ الَّذِينَ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ فَيُمَكَّنُ مِنْ الدَّعْوَى اتِّفَاقًا كَمَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ فِيهِ ضَمَانٌ كَالْمُسْتَعِيرِ عَارِيَّةً يُغَابُ عَلَيْهَا وَالْمُرْتَهِنِ رَهْنًا كَذَلِكَ وَالْغَاصِبِ إذَا غُصِبَ مِنْهُ شَيْءٌ وَالْحَمِيلِ إذَا أَرَادَ الْمَدِينُ السَّفَرَ وَخَشِيَ ضَيَاعَ الْحَقِّ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَفِي حَلِّ الشَّارِحِ نَظَرٌ.
(بَابٌ يُذْكَرُ فِيهِ الشَّهَادَةُ وَأَحْكَامُهَا) وَتَرَكَ الْمُؤَلِّفُ تَعْرِيفَهَا كَابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَلَا حَاجَةَ لِتَعْرِيفِ حَقِيقَتِهَا؛ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ، وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهُ مُنَافٍ لِقَوْلِ الْقَرَافِيِّ: أَقَمْت ثَمَانِ سِنِينَ لِطَلَبِ الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ وَأَسْأَلُ الْفُضَلَاءَ عَنْهُ وَتَحْقِيقِ مَاهِيَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَيَقُولُونَ: الشَّهَادَةُ يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّعَدُّدُ وَالذُّكُورَةُ وَالْحُرِّيَّةُ فَأَقُولُ لَهُمْ: اشْتِرَاطُ ذَلِكَ فَرْعُ تَصَوُّرِهَا وَتَمَيُّزِهَا عَنْ الرِّوَايَةِ إلَى أَنْ قَالَ: حَتَّى طَالَعْت شَرْحَ الْبُرْهَانِ لِلْمَازِرِيِّ فَوَجَدْته حَقَّقَ الْمَسْأَلَةَ فَقَالَ: هُمَا خَبَرَانِ غَيْرَ أَنَّ الْمُخْبَرَ عَنْهُ إنْ كَانَ عَامًّا لَا يَخْتَصُّ بِمُعَيَّنٍ فَهُوَ الرِّوَايَةُ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَالشُّفْعَةُ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ لَا يَخْتَصُّ بِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ بَلْ هُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ الْخَلْقِ وَالْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ بِخِلَافِ قَوْلِ الْعَدْلِ عِنْدَ الْحَاكِمِ لِهَذَا عِنْدَ ذَا دِينَارٌ إلْزَامٌ لِمُعَيَّنٍ لَا يَتَعَدَّاهُ فَهَذَا هُوَ الشَّهَادَةُ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الرِّوَايَةُ، وَوَجْهُ مُنَاسَبَةِ شَرْطِ التَّعَدُّدِ فِي الشَّهَادَةِ وَبَقِيَّةِ الشُّرُوطِ أَنَّ إلْزَامَ الْمُعَيَّنِ يُتَوَقَّعُ فِيهِ عَدَاوَةٌ بَاطِنِيَّةٌ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا الْحَاكِمُ فَاحْتَاطَ الشَّارِحُ لِذَلِكَ فَاشْتَرَطَ مَعَهُ آخَرَ وَنَاسَبَ شَرْطُ الذُّكُورَةِ؛ لِأَنَّ إلْزَامَ الْمُعَيَّنِ حُكْمًا عَلَيْهِ غَلَبَةً وَقَهْرًا تَأْنَفُهُ النُّفُوسُ الْأَبِيَّةُ فَهُوَ مِنْ النِّسَاءِ أَشَدُّ نِكَايَةً فَخَفَّفَ ذَلِكَ بِاشْتِرَاطِ الذُّكُورِيَّةِ عَنْ النُّفُوسِ وَلِأَنَّهُنَّ نَاقِصَاتُ عَقْلٍ وَدِينٍ إلَخْ ثُمَّ إنَّ ابْنَ عَرَفَةَ عَرَّفَهَا بِقَوْلِهِ: الشَّهَادَةُ قَوْلٌ هُوَ بِحَيْثُ يُوجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ سَمَاعُهُ الْحُكْمَ بِمُقْتَضَاهُ إنْ عُدِّلَ قَائِلُهُ مَعَ تَعَدُّدِهِ أَوْ حَلِفِ طَالِبِهِ فَقَوْلُهُ: يُوجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ إلَخْ يُخْرِجُ بِهِ الرِّوَايَةَ، وَلَمْ يَقُلْ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ أَعَمُّ مِنْ الْقَاضِي لِوُجُودِهِ فِي التَّحْكِيمِ وَالْأَمِيرِ، وَقَوْلُهُ: إنْ عُدِّلَ قَائِلُهُ شَرْطٌ فِي إيجَابِ الْحُكْمِ، وَالْجُمْلَةُ حَالٌ أَخْرَجَ بِهِ مَجْهُولَ الْحَالِ، وَمَعْنَى إنْ عُدِّلَ قَائِلُهُ: إنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ عِنْدَ الْقَاضِي إمَّا بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِكَوْنِهِ يَعْلَمُهَا.
(ص) الْعَدْلُ حُرٌّ مُسْلِمٌ عَاقِلٌ بَالِغٌ بِلَا فِسْقٍ وَحَجْرٍ
ــ
[حاشية العدوي]
فَالدَّارُ الْمُسْتَأْجَرَةُ لِلْمُسْتَأْجِرِ حَقُّ وَلَدِهِ وَكَذَا الْمُعَارَةُ وَالْمَرْهُونُ لَهُ فِيهِ حَقٌّ وَلَا ضَمَانَ وَقَوْلُهُ: رَهْنًا كَذَلِكَ أَيْ لَا يُغَابُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: كَمَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ فِيهِ ضَمَانٌ) أَيْ مَعَ حَقٍّ فَاجْتَمَعَ الْأَمْرَانِ. (قَوْلُهُ: وَالْغَاصِبُ إذَا غُصِبَ مِنْهُ شَيْءٌ) صُورَةُ ذَلِكَ غَصَبَ زَيْدٌ مِنْ عَمْرٍو شَيْئًا ثُمَّ إنَّ خَالِدًا أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ الشَّيْءَ مِنْ زَيْدٍ غَصْبًا أَوْ بِدَعْوَى زُورٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَلِلْغَاصِبِ وَهُوَ زَيْدٌ أَنْ يَتَوَكَّلَ؛ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ ذَلِكَ الشَّيْءَ وَقَوْلُهُ: وَالْحَمِيلُ إلَخْ، صُورَةُ ذَلِكَ لِزَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو دَرَاهِمُ، وَقَدْ ضَمِنَ خَالِدٌ عَمْرًا فِي تِلْكَ الدَّرَاهِمِ وَكَانَ زَيْدٌ غَائِبًا وَأَرَادَ الْمَدِينُ السَّفَرَ فَلِلضَّامِنِ أَنْ يَتَوَكَّلَ عَنْ رَبِّ الدَّيْنِ وَيَمْنَعَ الْمُسَافِرَ. (قَوْلُهُ: وَفِي حَلِّ الشَّارِحِ نَظَرٌ) حَيْثُ صَوَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْغَائِبِ، وَصُورَةُ ذَلِكَ أَنَّ إنْسَانًا غَائِبًا وَلَمْ يُوَكِّلْ فَهَلْ لِإِنْسَانٍ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ أَوْ لَا تَرَدُّدٌ، وَوَجْهُ النَّظَرِ فِي كَلَامِ بَهْرَامَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّ الدَّعْوَى تُسْمَعُ عَلَى غَائِبٍ كَذَا مُفَادُ اللَّقَانِيِّ وَلَمْ يُرَجِّحْ وَاحِدًا مِنْ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَشَارَ لَهُمَا الْمُصَنِّفُ عَلَى مَا قَالَ اللَّقَانِيِّ.
[بَاب الشَّهَادَةُ وَأَحْكَامُهَا]
(بَابُ الشَّهَادَةِ) (قَوْلُهُ وَأَحْكَامُهَا) عَطْفُ تَفْسِيرٍ أَيْ فَالْمُرَادُ بِالتَّكَلُّمِ عَلَى الشَّهَادَةِ التَّكَلُّمُ عَلَى أَحْكَامِهَا (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ مُنَافٍ لِقَوْلِ إلَخْ) اُعْتُرِضَ كَيْفَ يُقِيمُ مُدَّةً يَطْلُبُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي أَيْسَرِ الْكُتُبِ الْمُتَدَاوَلَةِ بَيْنَ الْمُبْتَدِئِينَ، وَهُوَ تَنْبِيهُ ابْنِ بَشِيرٍ (قَوْلُهُ: هُمَا خَبَرَانِ) أَيْ الشَّهَادَةُ خَبَرٌ، وَالرِّوَايَةُ إلَخْ حَاصِلُ مَا قَالَ الْمَازِرِيُّ أَنَّ الشَّهَادَةَ هِيَ الْخَبَرُ الْمُتَعَلِّقُ بِجُزْئِيٍّ، وَالرِّوَايَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِكُلِّيٍّ وَهَذَا مَرْدُودٌ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ قَدْ تَتَعَلَّقُ بِجُزْئِيٍّ كَخَبَرِ «يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو السَّوِيقَتَيْنِ مِنْ الْحَبَشَةِ» وَخَبَرِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ فِي السَّفِينَةِ الَّتِي لَعِبَ بِهِمْ الْمَوْجُ فِيهَا فَذَكَرَ قِصَّةَ الدَّجَّالِ إلَى غَيْرِهَا مِنْ أَحَادِيثَ مُتَعَلِّقَةٍ بِجُزْئِيٍّ وَكَآيَةِ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: ١] وَنَحْوُهَا كَثِيرٌ انْتَهَى، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ ذَلِكَ نَظَرٌ إلَى الْأَغْلَبِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ قَوْلِ الْعَدْلِ عِنْدَ الْحَاكِمِ لِهَذَا عِنْدَ ذَا دِينَارٌ إلَخْ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ أَشْهَدُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَذْهَبَ الْمَالِكِيَّةِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ صِيغَةٍ مَعْلُومَةٍ فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى حُصُولِ الْعِلْمِ كَرَأَيْتُ كَذَا وَكَذَا، وَسَمِعْت أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَكُلُّ ذَلِكَ شَهَادَةٌ فَلَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ أَشْهَدُ ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ إلْزَامٌ يَقْتَضِي أَنَّهَا إنْشَاءٌ؛ لِأَنَّ الْإِلْزَامَ طَلَبٌ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ سَبَبُ الْإِلْزَامِ أَيْ إلْزَامُ الْقَاضِي لِلْمُعَيَّنِ بِالْمُدَّعَى بِهِ (قَوْلُهُ: فَاشْتَرَطَ مَعَهُ آخَرَ) أَيْ مَعَ الشَّاهِدِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الْمَقَامِ أَيْ فَإِذَا اشْتَرَطَ آخَرَ مَعَهُ تَخِفُّ الْعَدَاوَةُ؛ لِأَنَّ الْبَلِيَّةَ إذَا عَمَّتْ هَانَتْ (قَوْلُهُ: الْأَبِيَّةُ) أَيْ الْمُمْتَنِعَةُ عَنْ التَّلَبُّسِ بِالرَّذَائِلِ (قَوْلُهُ: فَهُوَ) أَيْ الْحُكْمُ مِنْ النِّسَاءِ أَيْ مِنْ أَجْلِ النِّسَاءِ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ وَاقِعٌ مِنْ الْقَاضِي لَا مِنْ النِّسَاءِ، وَقَوْلُهُ: عَنْ النُّفُوسِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فَخَفَّفَ (قَوْلُهُ: هُوَ بِحَيْثُ إلَخْ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَتَدْخُلُ الشَّهَادَةُ قَبْلَ الْأَدَاءِ، وَغَيْرُ التَّامَّةِ؛ لِأَنَّ الْحَيْثِيَّةَ لَا تُوجِبُ حُصُولَ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ بِالْفِعْلِ حَسْبَمَا ذَكَرُوهُ فِي تَعْرِيفِ الدَّلَالَةِ قَالَ ح، وَقَوْلُهُ: إنْ عُدِّلَ قَائِلُهُ يُرِيدُ إنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ عِنْدَ الْقَاضِي إمَّا بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِكَوْنِهِ يَعْلَمُهَا، وَلَوْ قَالَ قَوْلَ عَدْلٍ إلَخْ وَأَسْقَطَ قَوْلَهُ إنْ عُدِّلَ قَائِلُهُ لَكَانَ أَبْيَنَ؛ لِأَنَّ عُدِّلَ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ غَالِبًا فِيمَا ثَبَتَ أَوْ قَالَ يُوجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ سَمَاعُهُ الْحُكْمَ بِمُقْتَضَاهُ إنْ عَلِمَ عَدَالَةَ قَائِلِهِ لَشَمِلَ ذَلِكَ مَا إذَا ثَبَتَ عَدَالَتُهُ عِنْدَهُ أَوْ كَانَ عَالِمًا بِهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي حَدِّهِ دَوْرًا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِافْتِقَارِهِ لِلتَّعَدُّدِ فَرْعٌ عَنْ كَوْنِهَا شَهَادَةً ثُمَّ إنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ قَوْلَهُ قَوْلٌ يَقْتَضِي أَنَّ الْإِشَارَةَ لَا تَكْفِي، وَكَذَلِكَ الْخَطُّ مَعَ أَنَّهُ سَيَأْتِي مَا يُخَالِفُهُ (قَوْلُهُ: وَالْجُمْلَةُ حَالٌ) تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّهَا مُصَدَّرَةٌ بِعِلْمِ اسْتِقْبَالٍ.
(قَوْلُهُ: بِلَا فِسْقٍ) أَيْ مَا لَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute