وَبِدْعَةٍ، وَإِنْ تَأَوَّلَ كَخَارِجِيٍّ وَقَدَرِيٍّ (ش) أَلْ فِي الْعَدْلِ لِلْحَقِيقَةِ أَيْ حَقِيقَةُ الْعَدْلِ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ هُوَ مَنْ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ وَاحْتَرَزْنَا بِقَوْلِنَا فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ مِنْ عُرْفِ الْمُحَدِّثِينَ، لَا لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ أَيْ الْمُتَقَدِّمِ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ لِلْقَاضِي، وَهُنَا وَصْفٌ لِلشَّاهِدِ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ حُرًّا حَالَ الْأَدَاءِ وَلَوْ مُعْتَقًا لَكِنْ إنْ شَهِدَ لِمُعْتِقِهِ فَلَهُ شَرْطٌ آخَرُ، وَهُوَ التَّبْرِيزُ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُون مُسْلِمًا حَالَ الْأَدَاءِ لَا كَافِرًا فَلَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُ لَا عَلَى مُسْلِمٍ اتِّفَاقًا، وَلَا عَلَى كَافِرٍ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا حَالَ الْأَدَاءِ وَالتَّحَمُّلِ فَلَا تَصِحُّ شَهَادَةُ غَيْرِ الْعَاقِلِ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ بَالِغًا حَالَ الْأَدَاءِ فَلَا تَصِحُّ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ إلَّا عَلَى بَعْضِهِمْ بِشُرُوطٍ سَتَأْتِي فِي الْجَرْحِ وَالْقَتْلِ لَا فِي الْمَالِ فَالْآتِي يُخَصِّصُ عُمُومَ مَا هُنَا، وَمِنْهَا ثُبُوتُ عَدَمِ الْفِسْقِ بِالْجَوَارِحِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ ذَكَرَ الْفَاسِقَ بِالِاعْتِقَادِ فِيمَا يَأْتِي، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لِأَجْلِ سَفَهٍ بِهِ فَلَا تَصِحُّ شَهَادَةُ الْفَاسِقِ، وَلَا مَجْهُولِ الْحَالِ وَلَا السَّفِيهِ؛ لِأَنَّهُ مَخْدُوعٌ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ بِدْعِيًّا وَسَوَاءٌ تَعَمَّدَ أَوْ جَهِلَ أَوْ تَأَوَّلَ فَهُوَ كَقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَا يُعْذَرُ بِجَهْلٍ، وَلَا تَأْوِيلٍ كَالْقَدَرِيِّ وَالْخَارِجِيِّ قَالَ فِي تَوْضِيحِهِ تَبَعًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْقَدَرِيُّ مِثَالًا لِلْجَاهِلِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ شُبَهِهِمْ عَقْلِيَّةٌ، وَالْخَطَأُ فِيهَا يُسَمَّى جَهْلًا، وَالْخَارِجِيُّ مِثَالًا لِلْمُتَأَوِّلِ؛ لِأَنَّ شُبَهَهُمْ سَمْعِيَّةٌ، وَالْخَطَأُ فِيهَا يُسَمَّى تَأْوِيلًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْجَاهِلِ الْمُقَلِّدَ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ، وَالْمُتَأَوِّلَ الْمُجْتَهِدَ مِنْهُمَا، وَلَمْ يُعْذَرُوا هُنَا بِالتَّأْوِيلِ لِكَوْنِهِ أَدَّى إلَى كُفْرٍ أَوْ فِسْقٍ، وَلَا كَذَلِكَ التَّأْوِيلُ فِي الْمُحَارِبِينَ ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ هَذِهِ شُرُوطٌ فِي مُطْلَقِ الْعَدَالَةِ، وَأَهْلُ
ــ
[حاشية العدوي]
يَتُبْ الْفَاسِقُ وَتُعْرَفُ تَوْبَتُهُ (قَوْلُهُ: أَلْ فِي الْعَدْلِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ أَلْ فِي الْعَدْلِ لَيْسَتْ لِلْعَهْدِ الذِّكْرَى لِتَقَدُّمِهِ فِي أَهْلِ الْقَضَاءِ عَدْلٌ، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي وَصْفِ الْقَاضِي وَهَذَا فِي وَصْفِ الشَّاهِدِ فَلَيْسَ الثَّانِي عَيْنَ الْأَوَّلِ قَالَهُ اللَّقَانِيِّ قَالَ بَعْضُ شُيُوخِ شُيُوخِنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْقَاضِي أَوْصَافُ الشَّاهِدِ (قَوْلُهُ: عَنْ عُرْفِ الْمُحَدِّثِينَ) ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يُوصَفُ بِالْعَدَالَةِ عِنْدَهُمْ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَدَالَةَ تُطْلَقُ بِمَعْنَى عَدَالَةِ الشَّهَادَةِ، وَهِيَ مَا نَظَرَ لَهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: الْعَدْلُ إلَخْ وَتُطْلَقُ بِمَعْنَى الْمُحَافَظَةِ الدِّينِيَّةِ عَلَى اجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ وَالْكَذِبِ وَتَوَقِّي الصَّغَائِرِ، وَهُوَ مَا نَظَرَ لَهُ عِيَاضٌ وَابْنُ شَاسٍ فَلِذَلِكَ جَعَلُوا هَذِهِ الشُّرُوطَ فِي الشَّاهِدِ، وَجَعَلُوا مِنْ جُمْلَةِ الشُّرُوطِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا (قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ حُرًّا) فَإِنْ اُسْتُحِقَّ الشَّاهِدُ الْحُرُّ بِرِقٍّ لَمْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَعْرِفُ غَيْرُهُ الْحَقَّ الْمَشْهُودَ بِهِ كَمَا قَالَ فِي تَوْضِيحِهِ، وَأَمَّا الْقَاضِي إذَا اُسْتُحِقَّ بِرِقٍّ فَتُرَدُّ أَحْكَامُهُ؛ لِأَنَّ لِلْإِمَامِ مَنْدُوحَةً عَنْ وِلَايَتِهِ نَعَمْ يَجُوزُ لَهُ وِلَايَتُهُ الْعَتِيقَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ (قَوْلُهُ: وَهُوَ التَّبْرِيزُ) أَيْ فَاقَ أَقْرَانَهُ فِي الْعَدَالَةِ (قَوْلُهُ: حَالَ الْأَدَاءِ) أَيْ لَا حَالَ التَّحَمُّلِ فَيَجُوزُ أَنْ يَتَحَمَّلَهَا، وَهُوَ صَغِيرٌ وَيُؤَدِّيَهَا وَهُوَ كَبِيرٌ
(قَوْلُهُ: اتِّفَاقًا) أَيْ إجْمَاعًا (قَوْلُهُ: وَلَا عَلَى كَافِرٍ عَلَى الْمَشْهُورِ) وَوَافَقَ الْمُقَابِلَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّعْبِيُّ هَذَا مُقْتَضَى حَلِّهِ، وَعِبَارَةُ بَهْرَامَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بِاتِّفَاقٍ عِنْدَنَا، وَنَصُّهُ: وَاحْتُرِزَ بِالْمُسْلِمِ عَنْ الْكَافِرِ فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ بِإِجْمَاعٍ، وَلَا عَلَى مِثْلِهِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ (قَوْلُهُ: إلَّا عَلَى بَعْضِهِمْ) لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي الْعَدْلِ، وَالصَّبِيُّ لَا يُوصَفُ بِذَلِكَ أَصْلًا، وَلَوْ فِيمَا شَهِدَ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا ثُبُوتُ عَدَمِ الْفِسْقِ) إشَارَةً إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بِلَا فِسْقٍ فِي قُوَّةِ الْمَعْدُولَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّاسِ التَّجْرِيحُ فَمَجْهُولُ الْحَالِ لَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُ، وَأَمَّا إنْ جَعَلْنَاهَا سَالِبَةً، وَلَمْ تَكُنْ مَعْدُولَةً فَتُفِيدُ أَنَّ مَجْهُولَ الْحَالِ يَصِحُّ شَهَادَتُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّاسِ الْعَدَالَةُ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ فَلَا تَصِحُّ شَهَادَةُ الْفَاسِقِ، وَلَا مَجْهُولِ الْحَالِ رَاجِعٌ لِلشَّرْطِ الْمُتَقَدِّمِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: وَمِنْهَا ثُبُوتُ عَدَمِ الْفِسْقِ، وَقَوْلُهُ: وَلَا السَّفِيهِ رَاجِعٌ لِلشَّرْطِ الَّذِي بَعْدَهُ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: لِأَجْلِ سَفَهٍ بِهِ) أَيْ وَأَمَّا حَجْرُ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ أَوْ الْحَجْرُ لِفَلَسٍ أَوْ لِمَرَضٍ فَلَا يَمْنَعُ مِنْ الشَّهَادَةِ لِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ مَحَاجِيرَ وَيَشْهَدُونَ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْحَجْرِ الْمَنْفِيِّ مُطْلَقَ حَجْرٍ، بَلْ الْحَجْرُ لِلسَّفَهِ (قَوْلُهُ: كَالْقَدَرِيِّ وَالْخَارِجِيِّ) اُنْظُرْ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ إمَامَةِ الْقَدَرِيِّ فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ غَايَةَ مَا فِيهِ أَنَّ الْمُقْتَدِيَ بِهِ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَأَعَادَ بِوَقْتٍ فِي كَحَرُورِيٍّ وَشَهَادَتِهِ، فَإِنَّهَا بَاطِلَةٌ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ أَمْرَ الشَّهَادَةِ أَشَدُّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُبْطِلُهَا مَا لَيْسَ فِعْلُهُ حَرَامًا؛ وَلِذَا قَالَ بَعْضٌ: الشَّهَادَةُ مَنْصِبٌ رَفِيعٌ بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ؛ فَلِذَا قُبِلَتْ رِوَايَةُ الْبِدْعِيِّ قَالَ عج فِي تَقْرِيرِهِ: أَهْلُ جَرْبَةَ الْمَشْهُورُونَ بِالِاعْتِزَالِ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ، وَلَا إمَامَتُهُمْ، وَلَا مُنَاكَحَتُهُمْ، وَقَدْ أَخْبَرَنِي بَعْضُ مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّ شَخْصًا مِنْ أَهْلِ جَرْبَةَ مَاتَ بِبِلَادِ السُّودَانِ فَقُلِبَتْ رَأْسُهُ رَأْسَ حِمَارٍ بَعْدَ الْمَوْتِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، وَهُمْ لَيْسُوا بِمَالِكِيَّةٍ وَإِنَّمَا يَنْتَسِبُونَ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ فِي الظَّاهِرِ لِكَوْنِهِمْ مَغَارِبَةً، وَفِي الْبَاطِنِ لَا يُقِرُّونَ أَنَّهُمْ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَلَا غَيْرِهِ، وَهَذَا مَعْرُوفٌ فِيمَا بَيْنَهُمْ (قَوْلُهُ: لِكَوْنِهِ أَدَّى إلَى كُفْرٍ أَوْ فِسْقٍ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْقَدَرِيَّ قِيلَ: كَافِرٌ، وَقِيلَ: فَاسِقٌ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ
وَأَمَّا الْخَوَارِجُ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ الْخَوَارِجَ - عَلَى ضَلَالَتِهِمْ - فِرْقَةٌ مِنْ فِرَقِ الْمُسْلِمِينَ وَأَجَازُوا مُنَاكَحَتَهُمْ وَأَكْلَ ذَبَائِحِهِمْ وَقَبُولَ شَهَادَتِهِمْ لَكِنْ قَالَ شَارِحُ الْبُخَارِيِّ حَيْثُ قَالَ الْمُصْطَفَى يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ مَا نَصُّهُ: وَبِهِ يَتَمَسَّكُ مَنْ يُكَفِّرُ الْخَوَارِجَ أَقُولُ فَظَهَرَ أَنَّ فِي كُفْرِهِمْ قَوْلَيْنِ، وَكَلَامُ الْخَطَّابِيِّ فِي حِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَسْلَمْ يُفِيدُ أَنَّ الرَّاجِحَ عَدَمُ كُفْرِهِمْ (قَوْلُهُ: وَلَا كَذَلِكَ التَّأْوِيلُ فِي الْمُحَارِبِينَ) أَرَادَ بِهِمْ الْبُغَاةَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْقَاطِعِينَ لِلطَّرِيقِ أَيْ بِخِلَافِ التَّأْوِيلِ مِنْ الْبُغَاةِ فَإِنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى الْكُفْرِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ إلَخْ) اُنْظُرْ هَذَا الظَّاهِرَ فَإِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْمُتَعَيَّنُ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute