أَنَّ زَوْجَهَا يَحْتَاجُ لَهَا لَا إنْ عَلِمَتْ عَدَمَ الْحَاجَةِ فَلَا بَأْسَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْأَقْرَبُ الْجَوَازُ إنْ جَهِلَتْ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ ا. هـ.
وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ الظَّنُّ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ الْمُؤَلِّفُ
وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى مَا أَرَادَ مِنْ فُرُوعِ الصَّوْمِ وَكَانَ مِنْ حِكْمَةِ مَشْرُوعِيَّتِهِ تَصْفِيَةُ مِرْآةِ الْعَقْلِ وَالتَّشْبِيهُ بِالْمَلَائِكَةِ الْكِرَامِ فِي وَقْتِهِ أَتْبَعهُ بِالْكَلَامِ عَلَى الِاعْتِكَافِ التَّامِّ الشَّبَهِ بِهِمْ فِي اسْتِغْرَاقِ الْأَوْقَاتِ فِي الْعِبَادَاتِ وَحَبْسِ النَّفْسِ عَنْ الشَّهَوَاتِ وَكَفِّ اللِّسَانِ عَمَّا لَا يَنْبَغِي، وَهُوَ لُغَةً: لُزُومُ الشَّيْءِ مِنْ خَيْرٍ، أَوْ شَرٍّ وَخُصَّ شَرْعًا بِالْعُكُوفِ عَلَى الْخَيْرِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ جَرَتْ الشَّرِيعَةُ عَلَى عَادَتِهَا فِي قَصْرِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى بَعْضِ مُتَنَاوِلَاتِهِ، أَوْ تَخْصِيصِ الْعَامِّ بِبَعْضِ مُحْتَمَلَاتِهِ اهـ يُقَالُ عَكَفَ يَعْكُفُ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ عَكْفًا وَعُكُوفًا أَقْبَلَ عَلَى الشَّيْءِ مُوَاظِبًا وَاعْتَكَفَ وَانْعَكَفَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَقِيلَ اعْتَكَفَ عَلَى الْخَيْرِ وَانْعَكَفَ عَلَى الشَّرِّ وَعَرَّفَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ: لُزُومُ مَسْجِدٍ مُبَاحٍ لِقُرْبَةٍ قَاصِرَةٍ بِصَوْمٍ مَعْزُومٌ عَلَى دَوَامِهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً سِوَى وَقْتِ خُرُوجِهِ لِجُمُعَةٍ، أَوْ لِمُعَيَّنِهِ الْمَمْنُوعِ فِيهِ وَالْمُرَادُ بِاللُّزُومِ هُنَا الْإِقَامَةُ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: مُبَاحٍ مَسْجِدُ الْبَيْتِ وَبِقَوْلِهِ لِقُرْبَةٍ مَا كَانَ مُلَازِمًا لَا لِقُرْبَةٍ وَبِقَوْلِهِ قَاصِرَةً الْمُتَعَدِّيَةُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ فِي الِاعْتِكَافِ، وَقَوْلُهُ: مَعْزُومٌ صِفَةٌ لِلُزُومِ؛ لِأَنَّ اللُّزُومَ بِمَعْنَى الْإِقَامَةِ وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ بِنِيَّةِ الْعَزْمِ عَلَى الدَّوَامِ، أَوْ لَا فَلِذَا خَصَّصَ اللُّزُومَ قَالَهُ شَارِحُ الْحُدُودِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ وَصْفِ الْمَعْرِفَةِ بِالنَّكِرَةِ فَلَوْ قَالَ لُبْثٌ بِمَسْجِدٍ إلَخْ لَسَلِمَ مِنْ ذَلِكَ وَسَلِمَ مِنْ حَمْلِ اللُّزُومِ عَلَى الْإِقَامَةِ الَّتِي هِيَ خِلَافُ مَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ، وَقَوْلُهُ: سِوَى وَقْتِ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ خُرُوجَهُ لِلْجُمُعَةِ يُبْطِلُ اعْتِكَافَهُ فَتَعْرِيفُهُ لِلِاعْتِكَافِ إنَّمَا يَجْرِي عَلَى الشَّاذِّ لَا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ لِمُعَيَّنِهِ الْمَمْنُوعِ فِيهِ أَيْ الَّذِي يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ فِيهِ الْخُرُوجُ وَيَضْطَرُّ إلَيْهِ مِمَّا هُوَ مَمْنُوعٌ فِي الْمَسْجِدِ كَالْبَوْلِ وَالْجَنَابَةِ إذَا احْتَلَمَ فَيَجِبُ الْخُرُوجُ لِلْغُسْلِ وَالْمَرَضِ وَنَحْوِهِ حَتَّى يَزُولَ الْمَانِعُ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَيَخْرُجُ لِشِرَاءِ طَعَامِهِ الضَّرُورِيِّ وَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُعَرِّجْ الْمُؤَلِّفُ إلَّا عَلَى ذِكْرِ حُكْمِ الِاعْتِكَافِ وَأَرْكَانِهِ وَشُرُوطِهِ وَمُفْسِدَاتِهِ وَآدَابِهِ وَأَعْذَارِهِ الطَّارِئَةَ وَحُكْمُهَا مِنْ بِنَاءٍ، أَوْ قَضَاءٍ أَوْ اسْتِئْنَافٍ فَقَالَ (بَابٌ) يَشْتَمِلُ عَلَى مَا ذُكِرَ مُبْتَدِئًا بِبَيَانِ حُكْمِهِ فَقَالَ (ص) الِاعْتِكَافُ نَافِلَةٌ (ش) أَيْ مُسْتَحَبٌّ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلَيْسَ سُنَّةً؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ فَعَلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
ــ
[حاشية العدوي]
[بَاب الِاعْتِكَافُ]
(بَابُ الِاعْتِكَافِ) (قَوْلُهُ: تَصْفِيَةُ مِرْآةِ الْعَقْلِ) أَيْ: تَصْفِيَةُ الْعَقْلِ الشَّبِيهِ بِالْمِرْآةِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ الْمُصَفَّى هُوَ النَّفْسُ إلَّا أَنَّ الْعَقْلَ آلَةٌ وَقَوْلُهُ: التَّامِّ التَّشْبِيهِ بِهِمْ أَيْ: صَاحِبُهُ (قَوْلُهُ: فِي اسْتِغْرَاقِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: التَّشْبِيهُ (قَوْلُهُ: خُصَّ شَرْعًا بِالْعُكُوفِ عَلَى الْخَيْرِ) لَيْسَ الْمُرَادُ مُطْلَقُ الْخَيْرِ بَلْ الْخَيْرُ الْمَعْهُودُ (قَوْلُهُ: قَصْرِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ) أَيْ: الْمُشْتَرَكِ اللَّفْظِيِّ الَّذِي هُوَ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ بِأَوْضَاعٍ مُتَعَدِّدَةٍ لَمَعَانٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَالْمُتَنَاوِلَات هِيَ الْمَعَانِي الْمُتَعَدِّدَةُ كَالْبَاصِرَةِ وَالْجَارِيَةِ فِي لَفْظِ عَيْنٍ وَقَوْلُهُ: أَوْ تَخْصِيصُ الْعَامِّ بِبَعْضِ مُحْتَمَلَاتِهِ أَرَادَ بِالْعَامِّ الْمُطْلَقِ وَبِالتَّخْصِيصِ التَّقْيِيدَ، وَالْمُطْلَقُ هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُ عَلَى مَعْنًى كُلِّيٍّ وَأَرَادَ بِمُحْتَمَلَاتِهِ جُزْئِيَّاتِ مَدْلُولِهِ وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْهَا بِمُحْتَمَلَاتٍ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ تَحَقُّقُ مَدْلُولِهِ فِي هَذَا، أَوْ فِي هَذَا، وَلَمَّا كَانَتْ مَعَانِي الْمُشْتَرَكِ دَالًّا عَلَيْهَا اللَّفْظُ ابْتِدَاءً عَبَّرَ عَنْهَا بِمُتَنَاوَلَاتٍ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُتَنَاوِلٌ لَهَا أَيْ: آخِذٌ لَهَا أَيْ دَالٌّ عَلَيْهَا دَلَالَةً مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ وَالِاعْتِكَافُ مِنْ قَبِيلِ الْمُطْلَقِ؛ لِأَنَّهُ لُغَةً لُزُومُ الشَّيْءِ مِنْ خَيْرٍ، أَوْ شَرٍّ فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَخُصَّ شَرْعًا أَيْ: وَقُيِّدَ شَرْعًا (قَوْلُهُ: قَاصِرَةٍ) خَرَجَ الْمُتَعَدِّيَةُ كَتَدْرِيسِ الْعِلْمِ وَالْحِكَمِ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ لَازَمَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ مُعْتَكِفًا قَالَهُ الرَّصَّاعُ وَلَا يُعَارِضُ هَذَا أَنَّ اشْتِغَالَهُ بِالْعِلْمِ وَنَحْوِهِ مَكْرُوهٌ كَمَا يَأْتِي وَاعْتِكَافُهُ صَحِيحٌ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ لِلْفَرْقِ بَيْنَ مَنْ لَازَمَ مُجَرَّدَ الْعِبَادَةِ الْمُتَعَدِّيَةِ، وَمَنْ فَعَلَهَا مَعَ غَيْرِهَا فَالْأَوَّلُ لَا يَكُونُ مُعْتَكِفًا دُونَ الثَّانِي كَمَا أَفَادَهُ ابْنُ عَرَفَةَ (قَوْلُهُ: بِصَوْمٍ) أَيْ: مَعَ صَوْمٍ أَوْ مُلَابِسًا لِصَوْمٍ مِنْ مُلَابَسَةِ الْمَشْرُوطِ لِلشَّرْطِ، أَوْ الْكُلِّ لِلْجَزَاءِ إذَا اخْتَلَفَ هَلْ الصَّوْمُ رُكْنٌ، أَوْ شَرْطٌ وَيَنْبَنِي عَلَى أَنَّهُ رُكْنٌ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ نَاذِرَهُ نَاذِرٌ لَهُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ، وَإِنْ قُلْنَا شَرْطٌ يَصِحُّ (قَوْلُهُ: يَوْمًا وَلَيْلَةً) مُتَعَلِّقٌ بِدَوَامِهِ وَهُوَ أَدْنَى الِاعْتِكَافِ وَيَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِاللُّزُومِ عَلَى تَقْدِيرِ لُزُومِ الْمَسْجِدِ يَوْمًا وَلَيْلَةً مَعْزُومًا عَلَى ذَلِكَ اللُّزُومِ (قَوْلُهُ: أَوْ لِمُعَيَّنِهِ إلَخْ) يَصِحُّ أَنْ يُقْرَأَ لِمَعْنِيِّهِ بِنُونِ ثُمَّ يَاءٍ وَالْإِضَافَةُ لِلْمُعْتَكِفِ فَمَعْنِيُّهُ مَا يَعْنِيه أَيْ: مَا تَدْعُو ضَرُورَتُهُ إلَيْهِ كَقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَيُحْتَمَلُ تَقْدِيمُ الْيَاءِ عَلَى النُّونِ وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْخُرُوجِ بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ وَالْمُرَادُ الَّذِي يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ فِيهِ وَيَصِحُّ أَنْ يُقْرَأَ اسْمَ مَفْعُولٍ عَلَى حَذْفٍ وَالضَّمِيرُ أَيْضًا لِلْخُرُوجِ أَيْ: مُعَيَّنٌ فِيهِ الْخُرُوجُ فَإِنْ قُلْت: قَدْ ذَكَرَ شَارِحُهُ أَنَّ تَعْرِيفَهُ هَذَا شَامِلٌ لِلصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ فَالْجَوَابُ أَنَّ شُمُولَهُ لِذَلِكَ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ تَرْكِهِ فِي التَّعْرِيفِ كَافًّا عَنْ الْجِمَاعِ وَمُقَدَّمَاتِهِ (قَوْلُهُ: مِنْ وَصْفِ الْمَعْرِفَةِ بِالنَّكِرَةِ) لَا يَخْفَى أَنَّ لُزُومَ لَيْسَ مَعْرِفَةً؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُضَافًا إلَّا أَنَّهُ مُضَافٌ لِنَكِرَةٍ وَالْمُضَافُ لِلنَّكِرَةِ نَكِرَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْمَسْجِدِ) أَرَادَ لَا يُبَاحُ فَيَشْمَلُ الْمُحَرَّمَ كَالْبَوْلِ فِي الْمَسْجِدِ وَالْمَكْرُوهَ كَالشِّرَاءِ فِي الْمَسْجِدِ زَادَ فِي ك، وَأَمَّا الْأَكْلُ الْخَفِيفُ فَلَا يَخْرُجُ لَهُ وَكَذَا النَّوْمُ اهـ (أَقُولُ) : وَيُحْمَلُ الْمَرَضُ عَلَى مَا إذَا كَانَ يَلْزَمُ مِنْهُ تَقْدِيرُ الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُعَرِّجْ الْمُؤَلِّفُ إلَّا عَلَى أَرْكَانِهِ) أَيْ: وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى تَعْرِيفِهِ لِأَنَّهُ بِإِتْقَانِ الْأَرْكَانِ يُدْرَكُ التَّعْرِيفُ؛ لِأَنَّهُ مَا احْتَوَى عَلَى الْأَرْكَانِ (قَوْلُهُ مُسْتَحَبٌّ عَلَى الْمَشْهُورِ) وَمُقَابِلُهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ مِنْ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الْكَافِي مِنْ أَنَّهُ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute