غَائِبًا فِي طَعَامٍ مَثَلًا، وَتَلِفَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فَإِنَّ الْمُسْلِمَ يَتْبَعُ الْجَانِيَ فَفِيهِ مَعَ بُعْدِهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ تَلَفِهِ يَنْفَسِخُ السَّلَمُ لِوُقُوعِهِ عَلَى عَيْنِهِ فَلَمْ يَبْقَ دَافِعُهُ مُسْلِمًا إلَّا بِضَرْبٍ مِنْ التَّجَوُّزِ، وَبِهَذَا يُعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ بَعْضِ الشُّرَّاحِ مِنْ النَّظَرِ
(ص) وَأَنْ لَا يَكُونَا طَعَامَيْنِ، وَلَا نَقْدَيْنِ، وَلَا شَيْئًا فِي أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ أَجْوَدَ كَالْعَكْسِ (ش) هَذَا هُوَ الشَّرْطُ الثَّانِي مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ لِلسَّلَمِ، وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ وَالْمُسْلَمُ فِيهِ طَعَامَيْنِ، وَلَا نَقْدَيْنِ لِأَدَائِهِ إلَى رِبَا الْفَضْلِ أَوْ النَّسَاءِ فَلَا تُسْلَمُ فِضَّةٌ فِي ذَهَبٍ، وَلَا عَكْسُهُ، وَلَا فِضَّةٌ أَوْ ذَهَبٌ فِي مِثْلِهِ، وَحُكْمُ الْفُلُوسِ هُنَا حُكْمُ الْعَيْنِ لِأَنَّهُ صَرْفٌ، وَلَا نَخْلَةٌ مُثْمِرَةٌ فِي طَعَامٍ، وَلَا يُسْلَمُ شَيْءٌ مِنْ غَيْرِ الطَّعَامِ فِي أَجْوَدَ مِنْهُ، وَلَا أَكْثَرَ مِنْهُ مِنْ جِنْسِهِ كَثَوْبٍ فِي ثَوْبٍ أَجْوَدَ مِنْهُ أَوْ ثَوْبٍ فِي ثَوْبَيْنِ مِثْلِهِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى سَلَفٍ جَرَّ مَنْفَعَةً فَالْجَوْدَةُ هُنَا بِمَنْزِلَةِ الْكَثْرَةِ، وَلَا يُسْلَمُ ثَوْبَانِ فِي ثَوْبٍ مِثْلِهِ أَوْ أَرْدَأَ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى ضَمَانٍ بِجُعْلٍ أَيْ يُؤَدِّي إلَى التُّهْمَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا اعْتَبَرُوا هُنَا تُهْمَةَ ضَمَانٍ بِجُعْلٍ، وَأَلْغَوْهَا فِي بُيُوعِ الْآجَالِ لِأَنَّ تَعَدُّدَ الْعَقْدِ هُنَاكَ أَضْعَفَهَا، وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ جَوَازُ الشَّيْءِ فِي مِثْلِهِ كَمَا سَيَقُولُ الْمُؤَلِّفُ، وَالشَّيْءُ فِي مِثْلِهِ قَرْضٌ فَقَوْلُهُ وَأَنْ لَا يَكُونَا طَعَامَيْنِ، وَلَا نَقْدَيْنِ، وَلَوْ تَسَاوَيَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ، وَلَا شَيْئًا فِي أَكْثَرَ مِنْهُ لِأَنَّهُ إنْ قُيِّدَ بِالْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ قَوْلِهِ، وَلَا شَيْئًا فِي أَكْثَرَ مِنْهُ، وَلَا يُعَارِضُ الْإِطْلَاقَ قَوْلُهُ وَالشَّيْءُ فِي مِثْلِهِ قَرْضٌ لِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا عَدَا الطَّعَامَيْنِ وَالنَّقْدَيْنِ ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ لَا شَيْئًا فِي أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ أَجْوَدَ، وَمِنْ قَوْلِهِ كَالْعَكْسِ قَوْلُهُ (ص) إلَّا أَنْ تَخْتَلِفَ الْمَنْفَعَةُ كَفَارِهِ الْحُمُرِ فِي الْأَعْرَابِيَّةِ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُسْلَمَ الْحِمَارُ الْفَارِهُ، وَهُوَ جَيِّدُ السَّيْرِ فِي الْحِمَارَيْنِ فَأَكْثَرَ غَيْرِ الْفَارِهَيْنِ، وَبِالْعَكْسِ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْمَنَافِعِ يُصَيِّرُ الْجِنْسَ الْوَاحِدَ كَالْجِنْسَيْنِ، وَجَمْعُهُ الْإِعْرَابِيَّةُ الْمَنْسُوبَةُ لِلْأَعْرَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُسْلَمَ الْوَاحِدُ فِي الْمُتَعَدِّدِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ سَلَمُ الْوَاحِدِ فِي الْوَاحِدِ حَيْثُ لَمْ يَخْتَلِفَا بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ، وَإِلَّا جَازَ، وَبِهِ يُعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ بَعْضٍ
وَلَمَّا ذَكَرَ اخْتِلَافَ الْحُمُرِ بِالْفَرَاهَةِ ذَكَرَ أَنَّ اخْتِلَافَ الْخَيْلِ بِالسَّبْقِ بِقَوْلِهِ (ص) وَسَابِقُ الْخَيْلِ لَا هِمْلَاجٌ إلَّا كَبِرْذَوْنٍ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ سَلَمُ الْفَرَسِ السَّابِقِ فِي فَرَسَيْنِ غَيْرِ سَابِقَيْنِ لِاخْتِلَافِ الْمَنَافِعِ فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْخَيْلِ السَّبْقُ لَا الْهَمْلَجَةُ؛ وَهِيَ سُرْعَةُ الْمَشْيِ إذْ سُرْعَةُ مَشْيِهِ، وَحُسْنُ سَيْرِهِ لَا تُصَيِّرُهُ مُخَالِفًا لَا بِنَاءُ جِنْسِهِ حَتَّى يَجُوزَ سَلَمُ الْوَاحِدِ فِي اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ مِمَّا لَيْسَ لَهُ تِلْكَ السُّرْعَةُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ الْهَمْلَجَةِ عَظِيمَ الْخِلْقَةِ جَافِيَ الْأَعْضَاءِ مِمَّا يُرَادُ مِنْهُ الْحَمْلُ فَيَجْتَمِعُ فِيهِ الْهَمْلَجَةُ وَالْبَرْذَنَةُ فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ أَنْ يُسْلَمَ الْوَاحِدُ فِي أَكْثَرَ مِنْ خِلَافِهِ
(ص) وَجَمَلٌ كَثِيرُ الْحَمْلِ، وَصُحِّحَ، وَبِسَبْقِهِ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُسْلَمَ الْجَمَلُ الْكَثِيرُ الْحَمْلِ فِي جَمَلَيْنِ مِمَّا لَيْسَ كَذَلِكَ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُعَبَّرَ بِالْبَعِيرِ لِيَشْمَلَ الْأُنْثَى، وَصُحِّحَ اعْتِبَارُ السَّبْقِ فِي
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ فَفِيهِ مَعَ بُعْدِهِ) وَجْهُ الْبُعْدِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ غَيَّرَ الْأُسْلُوبَ بِقَوْلِهِ وَيَتْبَعُ الْجَانِيَ فَلَوْ كَانَ الْعَرْضُ، وَيَتْبَعُ الْمُسْلِمُ الْجَانِي لَقَالَ، وَتَتْبَعُ الْجَانِيَ أَيْ وَتَتْبَعُ أَنْتَ يَا مُسْلِمُ الْجَانِيَ فَلَمَّا عَدَلَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ، وَيَتْبَعُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ الْجَانِيَ (قَوْلُهُ وَبِهَذَا) أَيْ بِمَا تَقَرَّرَ مِنْ قَوْلِنَا أَنَّ الضَّمَانَ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ سَوَاءٌ عَيَّنْت مَنْ أَتْلَفَهُ أَمْ لَا يُعْلَمُ إلَخْ أَيْ لِأَنَّ بَعْضَ الشُّرَّاحِ قَالَ وَتَبِعَ الْجَانِيَ مَعْنَاهُ إنْ عَلِمَ، وَإِلَّا فُسِخَ السَّلَمُ عَلَى الْمَشْهُورِ
(قَوْلُهُ أَوْ أَرْدَأَ) فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ، وَالتَّقْدِيرُ أَوْ ثَوْبٌ أَجْوَدُ فِي مِثْلِهِ أَرْدَأَ (قَوْلُهُ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ قَوْلِهِ وَلَا شَيْئًا فِي أَكْثَرَ مِنْهُ) وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ جُمْلَتِهِ أَمَّا أَوَّلًا فَإِنَّهُ يُقْضَى بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَهُ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَإِنَّهُ يُفِيدُ جَوَازَ الْمُسَاوَاةِ فِي الطَّعَامَيْنِ، وَالنَّقْدَيْنِ، وَلَا يَصِحُّ (قَوْلُهُ كَفَارِهِ الْحُمُرِ) الْمَشْهُورُ أَنَّ الْحُمُرَ، وَالْبِغَالَ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَقَوْلُهُ فِي الْأَعْرَابِيَّةِ أَيْ الْمُخَالِفَةِ لَهُ أَيْ الْمَنْسُوبَةِ لِلْأَعْرَابِ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْفَارِهَ مِنْ الْمِصْرِيَّةِ، وَغَيْرَ الْفَارِهِ مِنْهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ، وَقَدْ عَزَا عِيَاضٌ ذَلِكَ لِلْمُدَوَّنَةِ.
وَقَالَ فَضْلٌ خِلَافَهُ وَرُجِّحَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ فَضْلٌ بِأَنَّ بَيْنَ الْحَمِيرِ بِمِصْرَ اخْتِلَافًا كَثِيرًا قَلَّ أَنْ يُوجَدَ ذَلِكَ بِبَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ، وَالْجَمْعُ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ قُلْت، وَإِلَى كَلَامِ فَضْلٍ يُشِيرُ قَوْلُ الشَّارِحِ فِي الْحِمَارَيْنِ غَيْرِ الْفَارِهَيْنِ
[اخْتِلَافَ الْخَيْلِ بِالسَّبْقِ]
(قَوْلُهُ كَبِرْذَوْنٍ) لَمْ تُدْخِلْ الْكَافُ شَيْئًا إذْ هِيَ بِمَعْنَى مِثْلُ أَيْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْهِمْلَاجُ مِثْلَ بِرْذَوْنٍ (قَوْلُهُ وَهِيَ سُرْعَةُ الْمَشْيِ) أَيْ مَعَ حُسْنِ السَّيْرِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدِهِ، وَالْبِرْذَوْنُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْخَيْلِ وَالْبَقَرِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ كِسْرَى شَالَ الْخَيْلَ عَلَى الْبَقَرِ لِقُوَّةِ أَعْضَائِهِ، وَشِدَّةِ صَبْرِهِ فَوَلَدَتْ لَهُ بِرْذَوْنًا قَاصِدًا فِي ذَلِكَ مَقْصِدَ الْإِسْكَنْدَرِ فِي نِتَاجِ الْبِغَالِ حَيْثُ شَالَ الْخَيْلَ عَلَى الْحَمِيرِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْخَيْلَ تَنْقَسِمُ إلَى عَرَبِيٍّ وَبِرْذَوْنٍ، وَالْهَمْلَجَةُ يَتَّصِفُ بِهَا كُلٌّ مِنْهُمَا، وَأَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّ الْخَيْلَ الْعَرَبِيَّةَ تَخْتَلِفُ بِالسَّبْقِ لَا بِحُسْنِ السَّيْرِ مَعَ السُّرْعَةِ فَإِذَا كَانَ فَرَسٌ عَرَبِيٌّ اتَّصَفَتْ بِالْهَمْلَجَةِ فَلَا تُنَزَّلُ الْهَمْلَجَةُ مِثْلَ السَّبْقِ حَتَّى يَصِحَّ سَلَمُ الْوَاحِدِ اتَّصَفَ بِهَا فِي اثْنَيْنِ خَلَيَا مِنْهَا مَا لَمْ تَجْتَمِعْ الْهَمْلَجَةُ مَعَ الْبِرْذَوْنِ فَيَصِحُّ سَلَمُ الْوَاحِدِ فِي بِرْذَوْنَيْنِ خَلَيَا عَنْ الْهَمْلَجَةِ كَمَا هُوَ مُفَادُ نَصَّ ابْنِ حَبِيبٍ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَا هِمْلَاجٌ مَعْنَاهُ كَمَا قَالَ اللَّقَانِيِّ لَا فَرَسٌ هِمْلَاجٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ إلَّا كَبِرْذَوْنٍ، وَتَقْرِيرُ التَّتَّائِيِّ بِبِرْذَوْنٍ فَاسِدٍ لِأَنَّ فِيهِ اسْتِثْنَاءَ الشَّيْءِ مِنْ نَفْسِهِ كَبِرْذَوْنٍ أَيْ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ الْهَمْلَجَةِ بَرْذَنَةٌ (قَوْلُهُ جَافِي الْأَعْضَاءِ) حَالٌ
(قَوْلُهُ وَصُحِّحَ، وَبِسَبْقِهِ) حَاصِلُ مَا عِنْدَ اللَّخْمِيِّ أَنَّ الْإِبِلَ صِنْفَانِ صِنْفٌ يُرَادُ لِلْحَمْلِ، وَصِنْفٌ يُرَادُ لِلرُّكُوبِ لَا لِلْحَمْلِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا جَيِّدٌ، وَوَخْشٌ فَسَلَمُ مَا يُرَادُ لِلْحَمْلِ فِيمَا يُرَادُ لِلرُّكُوبِ، وَعَكْسُهُ اتَّحَدَ الْعَدَدُ أَوْ اخْتَلَفَ جَائِزٌ، وَمَا يُرَادُ لِلْحَمْلِ أَوْ الرُّكُوبِ لَا يُسْلَمُ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ إلَّا أَنْ يَكْثُرَ عَدَدُ الرَّدِيءِ فَتَحْصُلُ الْمُبَايَنَةُ، وَإِلَى اخْتِيَارِ اللَّخْمِيِّ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَصُحِّحَ، وَبِسَبْقِهِ، وَوَافَقَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ