للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

احْتِمَالُ التَّعْلِيمِ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَشْهَدُوا عَلَى كَبِيرٍ، وَلَا لِكَبِيرٍ بَلْ يَشْهَدُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَلَى بَعْضِهِمْ كَمَا مَرَّ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الشَّاهِدُ مِنْهُمْ مَعْرُوفًا بِالْكَذِبِ، وَإِذَا شَهِدُوا وَهُمْ مُسْتَوْفُونَ لِلشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ تِلْكَ الشَّهَادَةِ فِي حَالِ صِغَرِهِمْ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ رُجُوعُهُمْ، وَالْعِبْرَةُ بِمَا شَهِدُوا بِهِ أَوَّلًا، وَسَوَاءٌ رَجَعُوا قَبْلَ الْحُكْمِ أَوْ بَعْدَهُ، وَكَذَا لَا يُعْتَبَرُ تَجْرِيحُ غَيْرِهِمْ لَهُمْ، وَلَا تَجْرِيحُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمْ الَّذِي هُوَ رَأْسُ أَوْصَافِ الْعَدَالَةِ، وَأَمَّا لَوْ تَأَخَّرَ الْحُكْمُ لِبُلُوغِهِمْ، وَعَدَلُوا لَقُبِلَ رُجُوعُهُمْ، وَهَذَا يُفْهَمُ مِنْ الضَّمِيرِ فِي رُجُوعِهِمْ؛ لِأَنَّهُ عَائِدٌ عَلَى الصِّبْيَانِ، وَهُمْ بَعْدَ بُلُوغِهِمْ لَيْسُوا صِبْيَانًا، وَتَجْرِيحُهُمْ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ، وَقَوْلُهُ: وَلَا تَجْرِيحُهُمْ أَيْ إلَّا فِي كَثِيرِ كَذِبٍ.

(ص) وَلِلزِّنَا وَاللِّوَاطِ أَرْبَعَةٌ (ش) لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى شُرُوطِ الشَّهَادَةِ وَمَوَانِعِهَا شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى بَيَانِ مَرَاتِبِهَا، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ عُدُولٌ أَوْ عَدْلَانِ أَوْ عَدْلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ امْرَأَتَانِ وَبَدَأَ مِنْهَا بِالْأُولَى؛ لِأَنَّهَا أَعْلَى الْبَيِّنَاتِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى فِعْلِ الزِّنَا وَعَلَى فِعْلِ اللِّوَاطِ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِأَرْبَعَةٍ عُدُولٍ لِقَوْلِهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -: {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: ١٥] وَلِقَوْلِهِ - تَعَالَى - فِيمَا يُدْفَعُ بِهِ حَدُّ الْقَذْفِ {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: ٤] وَقَوْلُنَا عَلَى فِعْلِ الزِّنَا إلَخْ احْتِرَازٌ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِذَلِكَ فَيَكْفِي فِيمَا ذُكِرَ اثْنَانِ عَلَى الرَّاجِحِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ أَنَّ الْمُقِرَّ بِالزِّنَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ وَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِشُبْهَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ إنْكَارَهُ كَتَكْذِيبِ نَفْسِهِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ فَإِنْ قُلْت: لِمَ اخْتَصَّتْ شَهَادَةُ الزِّنَا بِالْأَرْبَعَةِ قِيلَ لِقَصْدِ السَّتْرِ وَدَفْعِ الْعَارِ لِلزَّانِي وَالْمَزْنِيِّ بِهَا وَأَهْلِهَا؛ وَلِهَذَا لَمَّا لَمْ يَلْحَقْهُ ذَلِكَ فِي الْقَتْلِ اُكْتُفِيَ بِاثْنَيْنِ، وَإِنْ كَانَ أَعْظَمَ مِنْ الزِّنَا، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الزِّنَا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا مِنْ اثْنَيْنِ اُشْتُرِطَ أَرْبَعَةٌ لِيَكُونَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ اثْنَانِ وَقِيلَ: لَمَّا كَانَ الشُّهُودُ مَأْمُورِينَ بِالسَّتْرِ، وَلَمْ يَفْعَلُوا غُلِّظَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ سَتْرًا مِنْ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَفِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ نُكْتَةٌ حَسَنَةٌ، وَهِيَ التَّدَلِّي؛ لِأَنَّهُ بَدَأَ بِالْمَرْتَبَةِ الْعُلْيَا، وَهِيَ الْأَرْبَعَةُ ثُمَّ ثَنَّى بِمَا يَلِيهَا وَهُوَ قَوْلُهُ: وَلِمَا لَيْسَ بِمَالٍ، وَلَا آيِلٍ إلَيْهِ عَدْلَانِ، وَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ وَإِلَّا فَعَدْلٌ وَامْرَأَتَانِ إلَخْ، وَفِي الرَّابِعَةِ وَلِمَا لَا يَظْهَرُ لِلرِّجَالِ امْرَأَتَانِ إلَخْ فَقَوْلُ الشَّارِحِ: مَرَاتِبُ الشَّهَادَةِ ثَلَاثَةٌ فِيهِ نَظَرٌ عَلَى أَنَّهُ صَرَّحَ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَلِمَا لَا يَظْهَرُ لِلرِّجَالِ امْرَأَتَانِ بِأَنَّهَا مَرْتَبَةٌ رَابِعَةٌ بَلْ فِي الْحَقِيقَةِ أَنَّ مَرَاتِبَ الشَّهَادَةِ خَمْسَةٌ، وَهِيَ شَهَادَةُ وَاحِدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، وَهِيَ مَسْأَلَةُ إثْبَاتِ الْخُلْطَةِ الْمُثْبِتَةِ لِلْيَمِينِ.

(ص) بِوَقْتٍ وَرُؤْيَا اتَّحَدَا (ش) يُشِيرُ بِهَذَا إلَى شَرْطِ صِحَّةِ شَهَادَةِ الزِّنَا، وَهُوَ أَنَّهُمْ لَا بُدَّ أَنْ يَشْهَدُوا بِزِنًا وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَقَوْلُهُ: بِوَقْتٍ مُتَعَلِّقٌ بِمُقَدَّرٍ صِفَةٍ لِأَرْبَعَةٍ أَيْ يَشْهَدُونَ فِي وَقْتٍ أَيْ وَقْتِ

ــ

[حاشية العدوي]

بِهِ وَهَذَا إذَا كَانَ مُتَعَدِّدًا مُطْلَقًا أَوْ وَاحِدًا وَالشَّهَادَةُ فِي جَرْحٍ أَيْ فَيَحْلِفُ مَعَهُ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الشَّهَادَةُ فِي قَتْلٍ فَلَا يَضُرُّ حُضُورُ ذَلِكَ الْوَاحِدِ فِي شَهَادَتِهِمْ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ فَقَوْلَانِ جَوَازُ شَهَادَتِهِمْ وَعَدَمُ جَوَازِ شَهَادَتِهِمْ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَانَ وَاحِدًا أَوْ مُتَعَدِّدًا، وَأَمَّا إذَا حَضَرَ بَعْدَ الْمَعْرَكَةِ وَقَبْلَ الِافْتِرَاقِ فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ إذَا كَانَ عَدْلًا وَأَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ فَلَا، فَتَمَسَّكْ بِهَذَا وَاتْرُكْ خِلَافَهُ

(تَنْبِيهٌ) : بَقِيَ مِنْ الشُّرُوطِ كَوْنُ الشَّاهِدِ مِنْهُمْ لَا مَارًّا عَلَى الرَّاجِحِ أَيْ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مِنْ جَمَاعَةٍ وَاحِدَةٍ أَيْ مُجْتَمِعِينَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَكُونُوا مِنْ قَبِيلَةٍ وَاحِدَةٍ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْقَتِيلِ حَاضِرًا قَالَهُ الْبَدْرُ.

[مَرَاتِب الشَّهَادَة]

(قَوْلُهُ: أَوْ عَدْلَانِ) الْأَوْلَى الْإِتْيَانُ بِالْوَاوِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَقَامِ بَيَانِ الْأَرْبَعَةِ (قَوْلُهُ: عَلَى فِعْلِ الزِّنَا) الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ وَكَذَا قَوْلُهُ: عَلَى فِعْلِ اللِّوَاطِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الشُّهَدَاءَ لَا تَكُونُ إلَّا أَرْبَعَةً أَيْ وَيُقَاسُ اللِّوَاطُ عَلَى الزِّنَا (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَخْ) أَيْ فَالْمَدَارُ عَلَى اسْتِمْرَارِ الْإِقْرَارِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ إنْكَارَهُ) أَيْ: وَهُوَ رُجُوعُهُ، وَقَوْلُهُ: كَتَكْذِيبِ نَفْسِهِ أَيْ كَقَوْلِهِ: كَذَبْت عَلَى نَفْسِي فَحَاصِلُهُ أَنَّ رُجُوعَهُ أَيْ قَوْلَهُ: مَا زَنَيْت بَعْدَ إقْرَارِهِ إنْكَارٌ لِلزِّنَا فَهُوَ كَقَوْلِهِ كَذَبْت عَلَى نَفْسِي، وَهُوَ إذَا قَالَ كَذَبْت عَلَى نَفْسِي يُقْبَلُ فَكَذَا إذَا أَنْكَرَ الزِّنَا مِنْ أَصْلِهِ بَعْدَ إقْرَارِهِ بِهِ يُقْبَلُ ثُمَّ يُقَالُ إنَّ مِنْ جُمْلَةِ أَفْرَادِ الرُّجُوعِ أَنْ يَقُولَ: كَذَبْت عَلَى نَفْسِي، وَكَلَامُ الشَّارِحِ ظَاهِرٌ فِي خِلَافِهِ (قَوْلُهُ: قِيلَ لِقَصْدِ السَّتْرِ إلَخْ) لَمَّا كَانَ هَذَا الْقَوْلُ أَحْسَنَ الْأَقْوَالِ قَدَّمَهُ عَلَى غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ: لِأَنَّهُ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ: هَذِهِ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ فِي الزِّنَا وَغَيْرِهِ كَالْقَتْلِ فَالْجَوَابُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الزَّانِي وَالْمَزْنِيِّ بِهَا مُتَعَلِّقٌ بِهِ الْحُكْمُ بِخِلَافِ الْقَتْلِ فَإِنَّ الْحُكْمَ مَنُوطٌ بِالْقَتْلِ فَقَطْ (قَوْلُهُ: وَهِيَ شَهَادَةُ الْخُلْطَةِ) أَيْ الْمُتَمِّمُ لِلْخَمْسَةِ شَهَادَةُ الْخُلْطَةِ أَيْ أَنَّهُ لَا يُطْلَبُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَمِينٌ حَتَّى يُثْبِتَ الْمُدَّعِي الْخُلْطَةَ بِشَاهِدٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ.

(قَوْلُهُ: أَنْ يَشْهَدُوا بِزِنَا وَاحِدٍ) هَذَا لَمْ يُشِرْ لَهُ الْمُصَنِّفُ وَكَذَا قَوْلُهُ: فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ لَمْ يُشِرْ لَهُ الْمُصَنِّفُ، وَمَعْنَى كَوْنِ الزِّنَا وَاحِدًا أَنْ يَشْهَدُوا كُلُّهُمْ أَنَّهُ زَنَى بِهَا طَائِعَةً فَلَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ: زَنَى بِهَا طَائِعَةً، وَقَالَ الْآخَرُ: زَنَى بِهَا مُكْرَهَةً لَمْ يَكُنْ الزِّنَا وَاحِدًا (قَوْلُهُ: أَيْ يَشْهَدُونَ فِي وَقْتٍ) أَيْ وَقْتِ الْأَدَاءِ هَذَا تَفْسِيرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِوَقْتٍ، وَقَوْلُهُ: وَوَقْتِ الرُّؤْيَا إشَارَةٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَرُؤْيَا أَيْ وَوَقْتِ رُؤْيَا وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ يَقُولُ: وَيَشْهَدُونَ فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ، وَيَشْهَدُونَ فِي وَقْتِ الرُّؤْيَا، وَقَوْلُهُ: بِأَنْ يُؤَدُّوا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ رَاجِعٌ لِلْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: أَيْ يَشْهَدُونَ فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ إشَارَةٌ إلَى الْمُرَادِ مِنْ اللَّفْظِ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ ظَاهِرِهِ وَقَوْلُهُ وَيَذْكُرُوا اتِّحَادَ وَقْتِ الرُّؤْيَا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَوَقْتِ الرُّؤْيَا الَّذِي مَعْنَاهُ وَيَشْهَدُونَ فِي وَقْتِ الرُّؤْيَا أَيْ أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>