للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَكَلَامُهُ يُفِيدُ أَنَّ عَلَى الْمَرِيضِ الْأَقَلَّ مِنْ ثُلُثِهِ، وَمِنَ الْمُسَمَّى، وَمِنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ، وَهَذَا حَيْثُ مَاتَ بَعْدَ دُخُولِهِ وَقَبْلَ فَسْخِهِ، بِدَلِيلِ كَلَامِ الْعُضُونِيِّ.

(ص) وَعَجَّلَ بِالْفَسْخِ، إِلَّا أَنْ يَصِحَّ الْمَرِيضُ مِنْهُمَا.

(ش) أَيْ: وَعَجَّلَ بِفَسْخِ نِكَاحِ َالْمَرِيضِ وَقْتَ الْعُثُورِ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ حَائِضًا، كَمَا يَأْتِي فِي بَابِ طَلَاقِ السُّنَّةِ، إِلَّا أَنْ يَصِحَّ الْمَرِيضُ مِنْهُمَا فَلَا يُفْسَخُ وَيَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ إِنَّمَا كَانَ خَوْفَ مَوْتِهِ، وَقَدْ بَانَ عَدَمُهُ، وَهُوَ الَّذِي رَجَعَ إِلَيْهِ مَالِكٌ وَأَمَرَ بِمَحْوِ الْفَسْخِ، وَهِيَ إِحْدَى الْمَمْحُوَّاتِ الْأَرْبَعِ.

(ص) وَمَنَعَ نِكَاحَهُ النَّصْرَانِيَّةَ وَالْأَمَةَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالْمُخْتَارُ خِلَافُهُ.

(ش) يَعْنِي: أَنَّهُ اخْتُلِفَ فِي نِكَاحِ الْمَرِيضِ لِلْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ، أَوِ الْحُرَّةِ النَّصْرَانِيَّةِ، هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ فَقَالَ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ: لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ قَدْ تُعْتَقُ، وَالنَّصْرَانِيَّةُ قَدْ تُسْلِمُ قَبْلَ مَوْتِ الزَّوْجِ، فَيَصِيرَانِ مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ، وَهَذَا الْقَوْلُ قَالَ بِهِ ابْنُ مُحْرِزٍ، وَصَحَّحَهُ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ يَقُولُ بِجَوَازِهِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَالْإِسْلَامَ نَادِرَانِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ مُرَاعَاةِ الطَّوَارِئِ، اللَّخْمِيُّ، وَهُوَ أَحْسَنُ وَلَمَا كَانَ الْحَقُّ فِي الْعَيْبِ وَالْغَرَرِ لِآدَمِيٍّ أَعْقَبَهُ لِمَانِعِ الْمَرَضِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ فِيهِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ عَلَى قَوْلٍ فَقَالَ

(فَصْلٌ) يُذْكَرُ فِيهِ أَسْبَابُ الْخِيَارِ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ لَهُمَا، وَابْتَدَأَ بِالْعَيْبِ، فَقَالَ:

(ص) الْخِيَارُ إِنْ لَمْ يَسْبِقِ الْعِلْمُ، أَوْ لَمْ يَرْضَ، أَوْ يَتَلَذَّذْ.

(ش) يَعْنِي: أَنَّ الْعَيْبَ الَّذِي يُوجِبُ الْخِيَارَ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ أَوْ قَبْلَهُ، فَالطَّارِئُ بَعْدَهُ لَا يُوجِبُ خِيَارًا إِلَّا مَا اسْتَثْنَى كَمَا يَأْتِي، وَشَرْطُهُ أَيْضًا أَنْ لَا يَكُونَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِعَيْبِ الْمَعِيبِ قَبْلَ الْعَقْدِ، وَإِلَّا فَلَا خِيَارَ، أَوْ يَكُونَ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ أَوْ يَكُونَ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَتَلَذَّذْ مِنْ زَوْجَتِهِ بِشَيْءٍ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ؛ فَإِنْ عَلِمَ السَّلِيمُ بِعَيْبِ الْمَعِيبِ، وَرَضِيَ بِهِ بِالْفِعْلِ أَوْ بِالْقَوْلِ، أَوْ تَلَذَّذَ بَعْدَ عِلْمِهِ، فَلَا خِيَارَ لِلسَّلِيمِ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى قَوْلِهِ: "أَوْ يَتَلَذَّذُ"؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ دَاخِلٌ فِيمَا قَبْلَهُ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ تَمْكِينُهَا عَالِمَةً بِعَيْبِهِ رِضًا.

(ص) وَحَلَفَ عَلَى نَفْيِهِ.

(ش) يَعْنِي: إِذَا أَرَادَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ أَنْ يَرُدَّ صَاحِبَهُ بِالْعَيْبِ الَّذِي بِهِ، فَقَالَ الْمَعِيبُ لِلسَّالِمِ: أَنْتَ عَلِمْتَ بِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ وَدَخَلْتَ عَلَيْهِ، أَوْ: عَلِمْتَ بِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَرَضِيتَ، أَوْ: تَلَذَّذْتَ، وَلَا بَيِّنَةَ لِلْمُدَّعِي تَشْهَدُ لَهُ بِمَا ادَّعَاهُ، وَأَنْكَرَ السَّلِيمُ ذَلِكَ، وَأَرَادَ الْمَعِيبُ أَنْ يُحَلِّفَهُ عَلَى نَفْيِ مَا ادَّعَاهُ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَحْلِفَ، فَإِنْ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْعِلْمِ أَوِ الرِّضَا أَوِ التَّلَذُّذِ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ، وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمَعِيبُ، وَسَقَطَ الْخِيَارُ، وَانْظُرْ لَوْ نَكَلَا قَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ أَرَ فِيهِ

ــ

[حاشية العدوي]

أَوِ الْمَرِيضَ قَطْعًا فِي مَوْتِ الْمَرِيضِ، وَكَذَا فِي مَوْتِ الزَّوْجِ الصَّحِيحِ، وَعَلَى مَا اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي مَوْتِ الْمَرْأَةِ الصَّحِيحَةِ.

(قَوْلُهُ: وَهِيَ إِحْدَى الْمَمْحُوَّاتِ الْأَرْبَعِ) ، أَيْ: فَكَانَ مَالِكٌ أَوَّلًا يَحْكُمُ بِالْفَسْخِ، وَلَوْ صَحَّ ثُمَّ رَجَعَ مَالِكٌ، وَقَالَ: امْحُوا الْفَسْخَ، وَبَنَى بَعْضُهُمْ ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ فِي فَسَادِ هَذَا النِّكَاحِ، هَلْ هُوَ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ أَوْ لِعَقْدِهِ؟

وَالثَّانِيَةُ مِنَ الْمَمْحُوَّاتِ: كَانَ الْإِمَامُ أَوَّلًا يَقُولُ بِنَدْبِ ذَبْحِ الْوَلَدِ الَّذِي خَرَجَ مِنَ الْأُضْحِيَّةِ قَبْلَ ذَبْحِهَا مِنْ غَيْرِ تَأَكُّدٍ، ثُمَّ أَمَرَ بِمَحْوِهِ وَإِثْبَاتِ أَنَّهُ يَتَأَكَّدُ نَدْبُ ذَبْحِهِ وَهُوَ الرَّاجِحُ دُونَ الْمَمْحُوِّ.

الثَّالِثَةُ: مَنْ حَلَفَ لَا يَكْسُو زَوْجَتَهُ، فَافْتَكَّ ثِيَابَهَا الْمَرْهُونَةَ، فَقَالَ أَوَّلًا: يَحْنَثُ، ثُمَّ أَمَرَ بِمَحْوِهِ، وَقَالَ: لَا يَحْنَثُ كَمَا فِي تت، وَرَدَّ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَحْمَدُ وَقَالَ: النَّصُّ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَمَّا أَمَرَ بِمَحْوِهِ أَبَى الْإِمَامُ أَنْ يُجِيبَ - أَيْ: بِلَا يَحْنَثُ -، ثُمَّ مَحَلُّ الْحِنْثِ الَّذِي هُوَ الرَّاجِحُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، وَأَولَى إِنْ نَوَى عَدَمَ نَفْعِهَا، فَإِنْ نَوَى خُصُوصَ الْكِسْوَةِ لَمْ يَحْنَثْ بِفَكِّ الْمَرْهُونَةِ.

الرَّابِعَةُ: مَنْ سَرَقَ وَلَا يَمِينَ لَهُ، أَوْ لَهُ يَمِينٌ شَلَّاءُ، كَانَ يَقُولُ بِقَطْعِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى، ثُمَّ رَجَعَ لِقَطْعِ يَدِهِ الْيُسْرَى.

(قَوْلُهُ: وَمَنَعَ نِكَاحَهُ النَّصْرَانِيَّةَ ... إِلَخْ) ، هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ، وَلَهُمَا عَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ ثُلُثِهِ، وَمِنَ الْمُسَمَّى، وَمِنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ إِنْ كَانَ هُنَاكَ مُسَمًّى، وَإِلَّا فَالْأَقَلُّ مِنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ وَالثُّلُثِ. وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا مَاتَ بَعْدَ الْبِنَاءِ وَقَبْلَ الْفَسْخِ، وَلَا إِرْثَ لَهُمَا إِنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ الْمُتَزَوَّجِ فِيهِ بَعْدَ إِسْلَامِهَا وَعِتْقِهَا، وَأَمَّا إِذَا فَسَخَ قَبْلَ الْمَوْتِ وَالْبِنَاءِ فَلَا شَيْءَ لَهُمَا سَمَّى لَهُمَا أَوْ نَكَحَهُمَا تَفْوِيضًا، وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ صَدَاقُهُمَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَنْعَ فِيهِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ) ، فَالْجَامِعُ أَنَّ فِي كُلِّ حَقِّ آدَمِيٍّ، وَقَوْلُهُ: "عَلَى قَوْلٍ"، وَمُقَابِلُهُ أَنَّ الْمَنْعَ لِعَقْدِهِ، فَقَدْ قَالَ بَهْرَامٌ: هَلْ فَسَادُ هَذَا النِّكَاحِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ أَوْ لِعَقْدٍ؟ أَيْ لِذَاتِهِ، أَيْ: فَسَادُهُ لِذَاتِهِ، فَعَلَيْهِ وَلَوْ أَذِنَ الْوَارِثُ يُمْنَعُ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ فَيَجُوزُ عِنْدَ إِذْنِ الْوَارِثِ، تَأَمَّلْ.

[بَاب الْخِيَارِ]

(بَابُ الْخِيَارِ) ، عَرَّفَهُ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ بِأَنَّهُ تَمْكِينُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ مِنْ رَدِّ صَاحِبِهِ لِكَعَيْبٍ يَظْهَرُ تَغْلُبُ السَّلَامَةُ مِنْهُ عَادَةً، وَقُلْتُ لِكَعَيْبٍ؛ لِيَشْمَلَ الْغُرُورَ بِالْحُرِّيَّةِ أَوِ الْإِسْلَامِ، اهـ.

(قَوْلُهُ أَوْ لَمْ يَرْضَ) ، أَيْ: صَرِيحًا أَوِ الْتِزَامًا. (قَوْلُهُ: أَوْ يَكُونَ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِهِ) ، أَيْ: عِلْمٌ حَدَثَ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ النُّحَاةَ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْعَطْفَ بِـ"أَوْ" بَعْدَ النَّفْيِ يُفِيدُ الْعُمُومَ، أَيْ: يَكُونُ نَفْيًا لِلْمَنْفِيَّاتِ كُلِّهَا لَا أَحَدِهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: ٢٤] .

(تَنْبِيهٌ) : ظَاهِرُ كَلَامِهِ: إِذَا عَلِمَ بِالْعَيْبِ، وَادَّعَى حُصُولَ نِسْيَانٍ قَبْلَ الْعَقْدِ، أَوْ قَبْلَ التَّلَذُّذِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ، وَلَا يُقْبَلْ مِنْهُ الْحَلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، وَهَذَا لَا يُخَالِفُ قَوْلَهُ: وَحَلَفَ عَلَى نَفْيِهِ لِاخْتِلَافِ مَوْضُوعِهِمَا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ زَوْجَةُ الْمُعْتَرِضِ إِذَا اطَّلَعَتْ عَلَى عَيْبِهِ حَالَ الْعَقْدِ وَبَعْدَهُ؛ حَيْثُ رَجَتِ الْبُرْءَ، فَلَهَا الْقِيَامُ حَيْثُ لَمْ يَحْصُلْ مَا رَجَتْهُ.

(قَوْلُهُ: أَوْ يَكُونَ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِهِ) ، أَيْ: بَعْدَ الْعَقْدِ ... إِلَخْ، إِلَّا أَنَّ الْمُنَاسِبَ لِمَا قَدَّمَهُ أَنْ يَقُولَ: أَوْ يَكُونَ رَضِيَ، وَلَمْ يَتَلَذَّذْ إِلَّا أَنَّهُ إِنَّمَا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَاحَظَ أَنَّ التَّلَذُّذَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الرِّضَا. (قَوْلُهُ: تَمْكِينُهَا

إِلَخْ) ظَاهِرُهُ: وَإِنْ لَمْ يَطَأْ، وَالْمَدَارُ عَلَى التَّمْكِينِ، وَسَيَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَلِمَنْ كَمُلَ عِتْقُهَا فِرَاقُ الْعَبْدِ مَا يُفِيدُهُ.

(قَوْلُهُ: وَانْظُرْ لَوْ نَكَلَا) ، الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَانْظُرْ لَوْ نَكَلَ، أَيِ: الْمَعِيبُ بَعْدَ نُكُولِ السَّلِيمِ، وَقَوْلُهُ: "قَالَ: بَعْضُهُمْ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا"، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَثْبُتُ لِلسَّلِيمِ الْخِيَارُ كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>