للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَيْسَ لِرَبِّهَا أَنْ يُسْلِمَ الْمَاشِيَةَ فِي قِيمَةِ مَا أَفْسَدَتْ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْجَانِي، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَبْدَ مُكَلَّفٌ فَهُوَ الْجَانِي، وَالْمَاشِيَةَ لَيْسَتْ مُخَاطَبَةً فَلَيْسَتْ هِيَ الْجَانِيَةُ، وَأَمَّا مَا أَتْلَفَتْهُ نَهَارًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَرْبَابِهَا بِشَرْطَيْنِ الْأَوَّلِ: إذَا لَمْ يَكُنْ رَاعٍ. الثَّانِي: أَنْ تَسْرَحَ بَعْدَ الْمَزَارِعِ بِأَنْ يُخْرِجَهَا عَنْ الزَّرْعِ إلَى مَوْضِعٍ يَغْلِبُ عَنْ الظَّنِّ أَنَّهَا لَا تَرْجِعُ لَهُ، فَلَوْ كَانَ مَعَهَا رَاعٍ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى دَفْعِهَا، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ سَوَاءٌ سَرَحَتْ بَعْدَ الْمَزَارِعِ، أَوْ قُرْبَهَا فَلَوْ سَرَحَتْ قُرْبَ الْمَزَارِعِ، وَلَيْسَ مَعَهَا رَاعٍ فَإِنَّ ضَمَانَ مَا أَتْلَفَتْهُ عَلَى رَبِّهَا.

فَقَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَعَلَى الرَّاعِي) أَيْ: فَإِنْ كَانَ مَعَهَا رَاعٍ، فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ سَرَحَتْ بَعْدَ الْمَزَارِعِ، أَوْ قُرْبَهَا عَلَى ظَاهِرِ مَا لِابْنِ نَاجِي؛ وَمُقْتَضَى مَا لِغَيْرِهِ إنَّ فِعْلَهَا حَيْثُ سَرَحَتْ بَعْدَ الْمَزَارِعِ هَدَرٌ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا رَاعٍ أَمْ لَا، وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ حُكْمَ مَفْهُومِ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ، وَسَكَتَ عَنْ حُكْمِ مَفْهُومِ الشَّرْطِ الثَّانِي، فَلَوْ قَالَ: وَإِلَّا فَعَلَى الرَّاعِي، أَوْ عَلَى رَبِّهَا لَأَفَادَ حُكْمَ الْمَفْهُومَيْنِ، وَأَوْ فِي كَلَامِهِ حِينَئِذٍ لِلتَّنْوِيعِ، وَوَاوُ وَسَرَحَتْ بَعْدَ الْمَزَارِعِ وَاوُ الْحَالِ أَيْ: لَا ضَمَانَ بِقَيْدَيْنِ، وَبُعْدُ بِضَمِّ الْبَاءِ أَيْ: بَعْدَ بُعْدِهَا مِنْ الْمَزَارِعِ بُعْدًا بَعِيدًا، وَفَتْحِهَا أَيْ: وَأُطْلِقَتْ بَعْدَ تَفْوِيتِهَا الْمَزَارِعَ أَيْ: مُجَاوَزَتِهَا الْمَزَارِعَ مُجَاوَزَةً بَيِّنَةً، وَقَوْلُنَا: الَّذِي يُمْكِنُ حِرَاسَتُهُ احْتِرَازًا مِمَّا لَا يُمْكِنُ حِرَاسَتُهُ كَالْحَمَامِ، وَالنَّحْلِ وَنَحْوِهِمَا، فَلَا يُمْنَعُ أَرْبَابُهُ مِنْ اتِّخَاذِهِ وَعَلَى أَرْبَابِ الزَّرْعِ حِفْظُهُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ كِنَانَةَ فِي الْمَجْمُوعَةِ، وَقَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ أَيْضًا، وَقَوْلُنَا: وَلَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بِالْعَدَاءِ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا كَانَ شَأْنُهُ الْعَدَاءَ عَلَى الزَّرْعِ، فَإِنَّ ضَمَانَ مَا أَفْسَدَهُ عَلَى رَبِّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إذَا تَقَدَّمَ لِرَبِّهِ إنْذَارٌ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمُ إلَيْهِ إنْذَارٌ، فَقِيلَ: يَضْمَنُ مُطْلَقًا كَمَا إذَا تَقَدَّمَ إلَيْهِ إنْذَارٌ، وَيُؤْمَرُ صَاحِبُهُ بِإِمْسَاكِهِ، أَوْ بَيْعِهِ بِأَرْضٍ لَا زَرْعَ فِيهِ، وَقَوْلُنَا: مِنْ الزَّرْعِ إلَخْ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا وَطِئَتْ عَلَى رَجُلٍ نَائِمٍ فَقَتَلَتْهُ، فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى رَبِّهِ قَالَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

(بَابٌ) بَيَّنَ فِيهِ الْعِتْقَ وَأَحْكَامَهُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ يُقَالُ عَتَقَ مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَدَخَلَ وَلَا يُقَالُ عَتَقَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ بَلْ أَعْتَقَهُ وَلَا يُقَالُ عَتَقَ الْغُلَامُ بِالضَّمِّ بَلْ أُعْتِقَ وَالْعِتْقُ لُغَةً الْخُلُوصُ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْعِتْقُ الْكَرَمُ يُقَالُ مَا أَبَيْنَ الْعِتْقَ فِي وَجْهِ فُلَانٍ يَعْنِي الْكَرَمَ وَالْعِتْقُ الْجَمَالُ وَالْعِتْقُ الْحُرِّيَّةُ وَكَذَلِكَ الْعَتَاقُ بِالْفَتْحِ وَالْعَتَاقَةُ تَقُولُ مِنْهُ عَتَقَ الْعَبْدُ يَعْتِقُ عِتْقًا وَعَتَاقَةً وَعَتَاقًا وَفِي الشَّرْعِ خُلُوصُ الرَّقَبَةِ مِنْ الرِّقِّ وَبِهِ سُمِّيَ الْبَيْتُ الْعَتِيقُ لِخُلُوصِهِ مِنْ أَيْدِي الْجَبَابِرَةِ فَلَمْ يَمْلِكْهُ جَبَّارٌ وَقِيلَ لِأَنَّ اللَّهَ أَعْتَقَهُ مِنْ الْجَبَابِرَةِ فَلَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ جَبَّارٌ قَطُّ وَقِيلَ؛ لِأَنَّهُ أُعْتِقَ مِنْ الْغَرَقِ وَمِنْ الطُّوفَانِ وَالْعِتْقُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْجَانِي إلَخْ) الْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا اُسْتُؤْمِنَ الْعَبْدُ عَلَى مَا أَتْلَفَ فَهُوَ فِي ذِمَّتِهِ إنْ انْتَفَعَ وَإِلَّا فَكَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَفِي رَقَبَتِهِ عِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَإِذَا لَمْ يُسْتَأْمَنْ فَفِي رَقَبَتِهِ مُطْلَقًا أَفَادَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ كَانَ مَعَهَا رَاعٍ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى دَفْعِهَا) لَا فَرْقَ فِي الرَّاعِي بَيْنَ كَوْنِهِ مُكَلَّفًا أَوْ صَبِيًّا مُمَيِّزًا كَذَا فِي شَرْحِ عب وَفِي شَرْحِ شب خِلَافُهُ وَنَصُّهُ: وَقَوْلُهُ فَعَلَى الرَّاعِي إنْ كَانَ مُكَلَّفًا وَفَرَّطَ بِأَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا وَأَمَّا لَوْ نَامَ مُسْتَنِدًا فَلَيْسَ بِمُفَرِّطٍ وَإِنْ اخْتَلَفَ فِي التَّفْرِيطِ وَعَدَمِهِ فَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّفْرِيطِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ فَهَدَرٌ انْتَهَى ثُمَّ أَقُولُ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ سَابِقًا وَضَمِنَ مَا أَفْسَدَ إنَّ لَمْ يُؤْمَنْ عَلَيْهِ كَلَامُ عب أَوْلَى مِنْ التَّعْمِيمِ لِأَنَّ إفْسَادَهَا مَعَ الرَّاعِي كَإِفْسَادِهِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَمُقْتَضَى مَا لِغَيْرِهِ) أَيْ كَالْأَقْفَهْسِيِّ أَقُولُ لَا يَخْفَى أَنَّ ضَمَانَ الرَّاعِي إنَّمَا يَكُونُ مَعَ التَّفْرِيطِ وَحَيْثُ سَرَحَتْ بَعْدَ الْمَزَارِعِ أَيْ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهَا لَا تَرْجِعُ لِلْمَزَارِعِ فَلَا يُعَدُّ الرَّاعِي مُفَرِّطًا فَيَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ اعْتِمَادُ كَلَامِ غَيْرِ ابْنِ نَاجِي. (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ) وَمُقَابِلُهُ مَا رَوَاهُ مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ مِنْ أَنَّهُ يَمْنَعُ أَرْبَابَهُ مِنْ اتِّخَاذِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ الشَّارِحِ حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَى كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُقَابِلَ أَنْ يَكُونَ كَلَامُ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ. (قَوْلُهُ: فَقِيلَ يَضْمَنُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ وَسَكَتَ الشَّارِحُ عَنْ الْمُقَابِلِ. (قَوْلُهُ: فَقَتَلَتْهُ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى رَبِّهِ) أَيْ إنْ أَتْلَفَهُ لَيْلًا قَالَهُ مَالِكٌ أَيْ حَيْثُ لَمْ يُقَصِّرْ فِي حِفْظِهَا وَكَذَا مَا كَدَمَتْهُ بِفَمِهَا أَوْ رَمَتْهُ بِرِجْلِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِ مَنْ مَعَهَا وَإِلَّا ضَمِنَ

[بَاب الْعِتْقَ وَأَحْكَامَهُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

(بَابُ الْعِتْقِ) (قَوْلُهُ بَيَّنَ فِيهِ الْعِتْقَ) أَيْ أَحْكَامَهُ فَقَوْلُهُ وَأَحْكَامَهُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ (قَوْلُهُ الْعِتْقُ الْكَرَمُ) أَيْ أَنَّ الْعِتْقَ لُغَةً الْكَرَمُ (قَوْلُهُ وَالْعِتْقُ الْجَمَالُ وَالْعِتْقُ الْحُرِّيَّةُ) أَيْ فَلِلْعِتْقِ مَعَانٍ ثَلَاثٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْعَتَاقُ بِالْفَتْحِ) أَيْ بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَيْضًا أَيْ بِالْمَعَانِي الثَّلَاثِ (قَوْلُهُ وَبِهِ) أَيْ لَفْظُ الْعِتْقِ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ سُمِّيَ الْبَيْتُ الْعَتِيقُ عِتْقًا مَعَ أَنَّ الِاسْمَ إنَّمَا هُوَ عَتِيقٌ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَعْنَى وَبِمَا اُشْتُقَّ مِنْهُ أَيْ وَبِمَا اُشْتُقَّ مِنْ لَفْظِ الْعِتْقِ وَهُوَ عَتِيقٌ ثُمَّ فِي الْعِبَارَةِ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ قَضِيَّتَهُ أَنَّ تِلْكَ التَّسْمِيَةَ مَنْظُورٌ فِيهَا لِلْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ مَعَ إنَّهَا رُبَّمَا نُظِرَ فِيهَا لِمَعْنًى لُغَوِيٍّ لَمْ يُذْكَرْ فِي الشَّرْعِ وَهُوَ أَنَّهُ قِيلَ إنَّ الْعِتْقَ لُغَةً الْخُلُوصُ وَمِنْهُ عَتَاقُ الْخَيْلِ وَالطَّيْرِ أَيْ خُلُوصُهَا وَسُمِّيَ بِهِ الْبَيْتُ الْحَرَامُ لِخُلُوصِهِ مِنْ أَيْدِي الْجَبَابِرَةِ وَيَأْتِي الْعِتْقُ أَيْضًا بِمَعْنَى النَّجَابَةِ وَالشَّرَفِ (قَوْلُهُ لِخُلُوصِهِ مِنْ أَيْدِي الْجَبَابِرَةِ) أَيْ فَالْجَامِعُ مُطْلَقُ الْخُلُوصِ (قَوْلُهُ أَعْتَقَهُ مِنْ أَيْدِي الْجَبَابِرَةِ) أَيْ خَلَّصَهُ مِنْ أَيْدِي الْجَبَابِرَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ عَيْنُ مَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لِأَنَّهُ أُعْتِقَ مِنْ الْغَرَقِ) أَيْ سُمِّيَ الْبَيْتُ عَتِيقًا لِأَنَّهُ أُعْتِقَ أَيْ خُلِّصَ مِنْ الْغَرَقِ (قَوْلُهُ وَمِنْ الطُّوفَانِ) أَيْ وَمِنْ الْغَرَقِ الَّذِي يَحْصُلُ بِالطُّوفَانِ فَهُوَ عَيْنُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ لِأَنَّهُ أُعْتِقَ مِنْ غَرَقِ الطُّوفَانِ لَكَانَ أَحْسَنَ (قَوْلُهُ وَالْعِتْقُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ) الْمُنَاسِبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>