فَسَقَطَ عَلَى شَيْءٍ فَأَتْلَفَهُ مِنْ نَفْسٍ، أَوْ مَالٍ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ هَدَرٌ، وَمِثْلُهُ الظُّلَّةُ وَحَفْرُ الْبِئْرِ أَوْ السَّرَبِ لِلْمَاءِ فِي دَارِهِ، أَوْ أَرْضِهِ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ اتِّخَاذُهُ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَيَنْبَغِي أَنْ تُقَيَّدَ هَذِهِ الْأُمُورُ بِمَا فِي مَسْأَلَةِ الْجِدَارِ، وَكَذَلِكَ لَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ أَجَّجَ نَارًا فِي وَقْتٍ لَا رِيحَ فِيهِ، ثُمَّ إنَّ الرِّيحَ عَصَفَتْ عَلَيْهَا فَنَقَلَتْهَا إلَى مَتَاعِ شَخْصٍ فَأَتْلَفَتْهُ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: (كَحَرْقِهَا قَائِمًا لِطَفْئِهَا) إلَى أَنَّ مَنْ خَافَ مِنْ النَّارِ عَلَى زَرْعِهِ، أَوْ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ عَلَى دَارِهِ فَقَامَ لِيُطْفِئَهَا، فَاحْتَرَقَ فِيهَا، فَإِنَّ دَمَهُ يَكُونُ هَدَرًا، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ فَاعِلُهَا يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَتْهُ كَمَا إذَا هَيَّجَهَا فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ أَمْ لَا، وَهُوَ ظَاهِرُ حَلِّ الْبِسَاطِيِّ
. (ص) وَجَازَ دَفْعُ صَائِلٍ بَعْدَ الْإِنْذَارِ لِلْفَاهِمِ، وَإِنْ عَنْ مَالٍ، وَقَصَدَ قَتْلَهُ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِهِ لَا جُرْحَ إنْ قَدَرَ عَلَى الْهَرَبِ بِلَا مَضَرَّةٍ. (ش) يَعْنِي أَنَّ الصَّائِلَ سَوَاءٌ كَانَ مُكَلَّفًا، أَوْ لَا إذَا صَالَ عَلَى نَفْسٍ، أَوْ مَالٍ، أَوْ حَرِيمٍ، فَإِنَّهُ يُشْرَعُ دَفْعُهُ عَنْ ذَلِكَ بَعْدَ الْإِنْذَارِ إنْ كَانَ يَفْهَمُ بِأَنْ يُنَاشِدَهُ اللَّهَ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: نَاشَدْتُك اللَّهَ إلَّا مَا خَلَّيْتَ سَبِيلِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَأَمَّا إنْ كَانَ لَا يَفْهَمُ كَالْبَهِيمَةِ، فَإِنَّهُ يُعَاجِلُهُ بِالدَّفْعِ مِنْ غَيْرِ إنْذَارٍ، وَيَدْفَعُهُ بِالْأَخَفِّ فَالْأَخَفِّ فَإِنْ أَدَّى إلَى قَتْلِهِ قَتَلَهُ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ: فِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ إذَا كَانَ لَا يَحْضُرُهُ النَّاسُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِنْذَارَ مُسْتَحَبٌّ كَمَا مَرَّ فِي مُنَاشَدَةِ الْمُحَارِبِ، وَيَجُوزُ لِلْمَصُولِ عَلَيْهِ قَتْلُ الصَّائِلِ ابْتِدَاءً إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْدَفِعُ عَنْهُ إلَّا بِهِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ الْمَصُولُ عَلَيْهِ يَقْدِرُ عَلَى الْهُرُوبِ مِنْ غَيْرِ مَضَرَّةٍ تَحْصُلُ لَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ قَتْلُهُ بَلْ وَلَا جُرْحُهُ
. (ص) وَمَا أَتْلَفَتْهُ الْبَهَائِمُ لَيْلًا فَعَلَى رَبِّهَا وَإِنْ زَادَ عَلَى قِيمَتِهَا بِقِيمَتِهِ عَلَى الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ لَا نَهَارًا إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا رَاعٍ وَسَرَحَتْ بَعْدَ الْمَزَارِعِ. (ش) يَعْنِي أَنَّ الْحَيَوَانَ الَّذِي يُمْكِنُ حِرَاسَتُهُ، وَلَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بِالْعَدَاءِ سَوَاءٌ كَانَ مَأْكُولَ اللَّحْمِ أَمْ لَا إذَا أَتْلَفَ شَيْئًا مِنْ الزَّرْعِ، أَوْ مِنْ الْحَوَائِطِ، أَوْ الْكُرُومِ فِي لَيْلٍ فَإِنَّ ضَمَانَهُ عَلَى رَبِّهِ، لَكِنْ يَضْمَنُ قِيمَةَ مَا ذَكَرَ عَلَى الْبَتِّ إنْ بَدَا صَلَاحُهُ، وَإِنْ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ فَيَضْمَنُهَا عَلَى الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ، وَإِنْ زَادَتْ قِيمَةُ الشَّيْءِ الْمُتْلَفِ عَلَى قِيمَةِ الْبَهَائِمِ وَسَوَاءٌ كَانَ مَحْظُورًا عَلَيْهِ أَمْ لَا قَالَهُ أَشْهَبُ بِأَنْ يُقَالَ: مَا قِيمَتُهُ الْآنَ عَلَى جَوَازِ شِرَائِهِ عَلَى تَقْدِيرِ تَمَامِهِ سَالِمًا، وَعَلَى تَقْدِيرِ جَائِحَتِهِ كُلًّا، أَوْ بَعْضًا فَلَوْ تَأَخَّرَ الْحُكْمُ حَتَّى عَادَ الزَّرْعُ لِهَيْئَتِهِ سَقَطَتْ قِيمَتُهُ وَيُؤَدَّبُ الْمُفْسِدُ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ الظُّلَّةُ) أَيْ السَّقِيفَةُ وَمِثْلُ ذَلِكَ الرَّوْشَنُ وَالسَّابَاطُ. (قَوْلُهُ: وَحَفْرُ الْبِئْرِ) أَيْ أَنَّ مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي دَارِهِ فَسَقَطَتْ عَلَى الْعَمَلَةِ الْحَافِرِينَ فَمَاتُوا فَلَا ضَمَانَ (قَوْلُهُ وَالسَّرَبِ لِلْمَاءِ) أَيْ كَالْقَنَاةِ تَجْرِي فِي أَرْضِهِ فَمَاتَ فِيهَا بِسُقُوطِهِ فَهَدَرٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُعْقَلَ فِيهَا إنْذَارٌ. (قَوْلُهُ: كَحَرْقِهَا قَائِمًا) أَيْ شَخْصًا قَائِمًا لِطَفْئِهَا خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ أَوْ دَارِهِ
. (قَوْلُهُ: وَجَازَ دَفْعُ صَائِلٍ) الْمُرَادُ بِالْجَوَازِ الْإِذْنُ الصَّادِقُ بِكَوْنِ دَفْعِهِ وَاجِبًا وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا خَافَ هَلَاكًا أَوْ شَدِيدَ أَذًى بِجُرْحِ نَفْسِهِ أَوْ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِهِ وَجَبَ الدَّفْعُ وَإِلَّا جَازَ وَانْظُرْ إذَا خَافَ هَلَاكَ مَالٍ لَهُ بَالٌ أَوْ أَخَذَهُ هَلْ يَجِبُ الدَّفْعُ أَوْ لَا هَكَذَا نَظَرُوا وَأَقُولُ إنْ خَافَ بِتَلَفِهِ هَلَاكَ نَفْسِهِ أَوْ أَهْلِهِ أَوْ شِدَّةَ أَذًى وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا ثُمَّ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ رَأَيْتُ النَّصَّ فِي الْفَرْقِ السَّابِعِ وَالْأَرْبَعِينَ وَالْمِائَتَيْنِ وَالسَّاكِتُ عَنْ الدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ حَتَّى يُقْتَلَ لَا يُعَدُّ آثِمًا وَلَا قَاتِلًا لِنَفْسِهِ الْقُرْطُبِيُّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْوُجُوبِ قَوْلَانِ قَالَا وَالْأَصَحُّ الْوُجُوبُ وَقَوْلُهُ بَعْدَ الْإِنْذَارِ أَيْ التَّخْوِيفِ لِلْفَاهِمِ مِنْ إنْسَانٍ مُكَلَّفٍ يُوعِظُهُ وَيَزْجُرُهُ لَعَلَّهُ يَنْكَفُّ فَأَمَّا غَيْرُهُ كَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَفِي حُكْمِهِمَا الْبَهِيمَةُ فَإِنَّ إنْذَارَهُمْ غَيْرُ مُفِيدٍ وَهَذَا مَا لَمْ يُعَاجِلْ بِالْقِتَالِ وَإِلَّا فَلَا إنْذَارَ وَقَوْلُهُ وَإِنْ عَنْ مَالٍ بَالِغٍ عَلَيْهِ دَفْعًا لِمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ مُقَاتَلَةَ الْمَعْصُومِ لِعِظَمِهَا لَا تُبَاحُ إلَّا لِلدَّفْعِ عَنْ النَّفْسِ أَوْ الْحَرَمِ فَدَفَعَهُ لِحَدِيثِ «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» وَقَوْلُهُ وَقَتْلِهِ أَيْ وَجَازَ قَصْدُ قَتْلِهِ أَيْ أَوَّلًا قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِهِ وَقَدْ يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ هُنَا وَاجِبًا لِأَنَّ بِهِ يُتَوَصَّلُ إلَى إحْيَاءِ نَفْسٍ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الصَّائِلُ غَيْرَ آدَمِيٍّ.
(قَوْلُهُ: إذَا كَانَ لَا يَحْضُرُهُ النَّاسُ) وَأَمَّا إذَا كَانَ يَحْضُرُهُ النَّاسُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا كَانَ الْمَصُولُ عَلَيْهِ يَقْدِرُ عَلَى الْهُرُوبِ إلَخْ) هَذَا فِي غَيْرِ الْمُحَارِبِينَ وَأَمَّا الْمُحَارِبُونَ فَقِتَالُهُمْ جِهَادٌ لَكِنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ قِتَالَ الْكُفَّارِ مُقَدَّمٌ عَلَى قِتَالِ الْمُحَارِبِينَ وَحِينَئِذٍ فَيَجُوزُ جَرْحُ الْمُحَارِبِ مِمَّنْ قَدَرَ عَلَى الْهُرُوبِ مِنْهُ بِلَا مَشَقَّةٍ وَأَنَّهُ يَجُوزُ قَصْدُ قَتْلِهِ وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ يَنْدَفِعُ بِغَيْرِ الْقَتْلِ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْقَتْلَ أَحَدُ حُدُودِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ
. (قَوْلُهُ: وَمَا أَتْلَفَتْهُ الْبَهَائِمُ لَيْلًا فَعَلَى رَبِّهَا) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا رَاعٍ فِي اللَّيْلِ أَمَّا لَوْ كَانَ لَهَا رَاعٍ فِي اللَّيْلِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى دَفْعِهَا وَقَوْلُهُ وَإِنْ زَادَ عَلَى قِيمَتِهَا أَتَى بِهِ لِلرَّدِّ عَلَى يَحْيَى بْنِ يَحْيَى إنَّمَا عَلَيْهِمْ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهَا وَقِيمَةِ مَا أَفْسَدَتْ. (قَوْلُهُ: فَعَلَى رَبِّهَا) أَيْ ضَمَانُهُ إذَا نَقَصَ عَنْ قِيمَتِهَا أَوْ سَاوَاهَا بَلْ وَإِنْ زَادَ عِوَضُ مَا أَتْلَفَتْهُ عَلَى قِيمَتِهَا وَالْعِوَضُ شَامِلٌ لَقِيمَة الْمُقَوَّمِ وَمِثْلِ الْمِثْلِيِّ وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ مَرْبُوطَةً أَمْ لَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَحَلُّ الضَّمَانِ إذَا تَرَكُوهَا مِنْ غَيْرِ رَبْطٍ أَمَّا إذَا رَبَطُوهَا وَحَفِظُوهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَاشِيَةَ إذَا رُبِطَتْ الرَّبْطَ الَّذِي يَمْنَعُهَا عَادَةً أَوْ قُفِلَ عَلَيْهَا الْقَفْلَ الَّذِي يَمْنَعُهَا عَادَةً فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى رَبِّهَا كَانَتْ عَادِيَةً أَمْ لَا وَإِنْ لَمْ تُرْبَطْ الرَّبْطَ الْمَذْكُورَ وَلَا قُفِلَ عَلَيْهَا الْقَفْلَ الْمَذْكُورَ فَإِنْ كَانَتْ عَادِيَةً فَإِنَّهُ يَضْمَنُ رَبُّهَا مَا أَتْلَفَتْهُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ عَادِيَةٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَتْهُ لَيْلًا دُونَ مَا أَتْلَفَتْهُ نَهَارًا وَقَوْلُهُ فَعَلَى رَبِّهَا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ وَاحِدًا أَوْ مُتَعَدِّدًا وَهَلْ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ أَوْ عَلَى عَدَدِ الْمَوَاشِي قَالَهُ الْأَقْفَهْسِيُّ (وَأَقُولُ) الظَّاهِرُ الثَّانِي. (قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ كَانَ مَحْظُورًا عَلَيْهِ أَمْ لَا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَصُونًا بِحَائِطٍ أَمْ لَا.
(قَوْلُهُ: بِأَنْ يُقَالَ مَا قِيمَتُهُ الْآنَ إلَخْ) أَيْ فَهُوَ يُقَوَّمُ تَقْوِيمًا وَاحِدًا مَنْظُورًا فِيهِ لِحَالَتَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute