(بَابٌ ذُكِرَ فِيهِ الْإِجَارَةُ وَكِرَاءُ الدَّوَابِّ وَالْحَمَّامِ وَالدُّورِ وَالْأَرْضِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ) وَالْإِجَارَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْأَجْرِ بِمَعْنَى الثَّوَابِ وَالْمَشْهُورُ فِيهَا كَسْرُ الْهَمْزَةِ وَحُكِيَ فِيهَا الضَّمُّ أَيْضًا حَكَاهُ الْمُبَرِّدُ وَقَدْ غَلَبَ وَضْعُ الْفِعَالَةِ بِالْكَسْرِ لِلصَّنَائِعِ نَحْوُ الْخِيَاطَةِ وَالنِّجَارَةِ وَالْفَعَالَةِ بِالْفَتْحِ لِأَخْلَاقِ النُّفُوسِ الْجِبِلِّيَّةِ نَحْوِ السَّمَاحَةِ وَالْفَصَاحَةِ وَالْفُعَالَةِ بِالضَّمِّ لِمَا يُطْرَحُ مِنْ الْمُحَقَّرَاتِ نَحْوِ الْكُنَاسَةِ وَالْقُلَامَةِ، وَالْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّتِهَا قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: ٦] وقَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ نَبِيِّهِ شُعَيْبٍ مَعَ مُوسَى - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: ٢٧] وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يَرِدْ نَاسِخٌ فَذَكَرَ تَأْجِيلَ الْإِجَارَةِ وَسُمِّيَ عِوَضًا وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَلْيُعْلِمْهُ أَجْرَهُ» وَعَرَّفَهَا ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ بَيْعُ مَنْفَعَةِ مَا أَمْكَنَ نَقْلُهُ غَيْرَ سَفِينَةٍ وَلَا حَيَوَانٍ لَا يَعْقِلُ بِعِوَضٍ غَيْرِ نَاشِئٍ عَنْهَا بَعْضُهُ يَتَبَعَّضُ بِتَبْعِيضِهَا فَقَوْلُهُ بَيْعُ مَنْفَعَةٍ أَخْرَجَ بِهِ بَيْعَ الذَّوَاتِ، وَقَوْلُهُ أَمْكَنَ نَقْلُهُ أَخْرَجَ بِهِ كِرَاءَ الدَّارِ وَالْأَرْضِ فَالْعَقْدُ الْمُتَعَلِّقُ بِمَنَافِعِهِمَا لَيْسَ بِإِجَارَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ كِرَاءٌ وَقَوْلُهُ وَلَا حَيَوَانٍ أَخْرَجَ بِهِ كِرَاءَ الرَّوَاحِلِ، وَقَوْلُهُ بِعِوَضِ جَزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا، ثُمَّ وَصَفَهُ بِأَنَّهُ غَيْرُ نَاشِئٍ عَنْهَا لِيُخْرِجَ الْقِرَاضَ وَالْمُسَاقَاةَ وَالضَّمِيرُ فِي بَعْضِهِ عَائِدٌ عَلَى الْعِوَضِ وَفِي تَبْعِيضِهَا عَائِدٌ عَلَى الْمَنْفَعَةِ وَإِنَّمَا زَادَ لَفْظَةَ بَعْضِهِ لِيُدْخِلَ فِي الْحَدِّ قَوْله تَعَالَى {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي} [القصص: ٢٧] ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا إجَارَةٌ عِوَضُهَا الْبِضْعُ وَهُوَ لَا يَتَبَعَّضُ فَلَوْ أَسْقَطَ لَفْظَةَ بَعْضِهِ لَخَرَجَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ الْحَدِّ فَيَكُونُ غَيْرَ مُنْعَكِسٍ وَهِيَ إجَارَةٌ شَرْعِيَّةٌ
وَأَرْكَانُهَا خَمْسَةٌ الْمَنْفَعَةُ وَسَتَأْتِي فِي قَوْلِهِ بِمَنْفَعَةٍ تَتَقَوَّمُ إلَخْ وَالْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِمَا بِقَوْلِهِ (صِحَّةُ الْإِجَارَةُ بِعَاقِدٍ) وَهُوَ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ وَالْعِوَضُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَأَجْرٌ كَالْبَيْعِ) وَسَكَتَ عَنْ
ــ
[حاشية العدوي]
[بَاب الْإِجَارَةُ]
(بَابُ الْإِجَارَةِ) (قَوْلُهُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ)
أَيْ كَاجْتِمَاعِ الْبَيْعِ مَعَ الْإِجَارَةِ (قَوْلُهُ بِمَعْنَى الثَّوَابِ) أَيْ: الَّذِي هُوَ الْجَزَاءُ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الْإِجَارَةِ جَزَاءً عَنْ اسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ وَدَائِرَةُ الْأَخْذِ أَعَمُّ فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْجَزَاءَ لَيْسَ بِمَصْدَرٍ.
(قَوْلُهُ الْجِبِلِّيَّةِ) صِفَةٌ لِلْأَخْلَاقِ (قَوْلُهُ {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: ٦] أَيْ: وَالْأُجْرَةُ عِوَضُ الْإِجَارَةِ (قَوْلُهُ {ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: ٢٧] أَيْ: أَعْوَامٍ عَلَى رَعْيِ الْغَنَمِ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَرِدْ نَاسِخٌ) أَيْ: وَلَمْ يَرِدْ نَاسِخٌ (قَوْلُهُ تَأْجِيلُ الْإِجَارَةِ) أَيْ: التَّأْجِيلُ الْمَنْسُوبُ لِلْإِجَارَةِ لَا أَنَّ نَفْسَ الْإِجَارَةِ مُؤَجَّلَةٌ (قَوْلُهُ وَسَمَّى عِوَضَهَا) أَيْ وَهُوَ عَقْدُهُ عَلَى إحْدَى ابْنَتَيْهِ وَهِيَ الصُّغْرَى الَّتِي أَرْسَلَهَا فِي طَلَبِهِ هَكَذَا قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ وَقِيلَ الْكُبْرَى ثُمَّ تَأَمَّلْ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَظْهَرُ إلَّا إذَا كَانَتْ الْغَنَمُ لِلزَّوْجَةِ فَيُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ أَوْ أَنَّ شَرِيعَتَهُمْ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا عَبْدُ اللَّهِ تَقْتَضِي ذَلِكَ وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى مُجَرَّدِ جَوَازِ الْإِجَارَةِ نَعَمْ بَقِيَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْأُجْرَةُ مُتَمَوِّلَةً وَالِانْتِفَاعُ بِالْبِضْعِ لَيْسَ مُتَمَوِّلًا وَالْجَوَابُ الْمَنْعُ بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ غَصَبَ امْرَأَةً وَوَطِئَهَا يَلْزَمُهُ مَهْرُهَا.
(قَوْلُهُ غَيْرَ سَفِينَةٍ) أَيْ:، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ عَلَيْهَا فَيُقَالُ لَهَا إجَارَةٌ وَجَعَالَةٌ فَبِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِالتَّمَامِ جَعَالَةٌ وَبِاعْتِبَارِ إذَا تَلِفَتْ يَسْتَحِقُّ بِحِسَابِ مَا سَارَ إجَارَةً.
(قَوْلُهُ بَيْعُ مَنْفَعَةٍ إلَخْ) الصَّوَابُ الْعَقْدُ عَلَى مَنْفَعَةٍ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَيْسَتْ بَيْعًا لَا بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ وَلَا بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ (قَوْلُهُ أَخْرَجَ بِهِ كِرَاءَ الدَّارِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَخْرَجَ بِهِ الْعَقْدَ عَلَى اسْتِيفَاءِ مَنَافِعِ الدَّارِ إلَخْ فَلَا يُقَالُ فِيهِ إجَارَةٌ، وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ كِرَاءٌ وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ أَخْرَجَ بِهِ كِرَاءَ الرَّوَاحِلِ وَالدَّوَابِّ مِنْ الْحَمِيرِ وَالْخَيْلِ وَدَخَلَ فِي الْإِجَارَةِ الْعَقْدُ عَلَى مَنَافِعِ الثِّيَابِ (قَوْلُهُ جَزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهَا) أَيْ: رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهَا وَلَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ.
(قَوْلُهُ لِيُخْرِجَ الْقِرَاضَ وَالْمُسَاقَاةَ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَخْرَجَ بِهِ الْعَقْدَ عَلَى اسْتِيفَاءِ مَنَافِعِ الْحَيَوَانِ الْعَاقِلِ إذَا كَانَ بِعِوَضٍ نَاشِئٍ عَنْهَا فَلَا يُقَالُ لَهُ إجَارَةٌ بَلْ يُقَالُ لَهُ قِرَاضٌ أَوْ مُسَاقَاةٌ (قَوْلُهُ عِوَضُهَا الْبِضْعُ) أَيْ: اسْتِيفَاءُ مَنْفَعَةِ الْبِضْعِ أَيْ: وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ بَعْضُهَا الْجَعَالَةُ فَإِنَّ بَعْضَ الْعِوَضِ لَا يَتَبَعَّضُ بِتَبْعِيضِ الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ (قَوْلُهُ صِحَّةُ الْإِجَارَةِ إلَخْ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute