الْكَلَامَ عَلَى مَا يُنْقَضُ فِيهِ الصُّلْحُ وِفَاقًا وَخِلَافًا أَخَذَ يَذْكُرُ مَا لَا يُنْقَضُ فِيهِ كَذَلِكَ وَهُمَا مَسْأَلَتَانِ أَشَارَ إلَيْهِمَا بِقَوْلِهِ (ص) لَا إنْ عَلِمَ بَيِّنَتَهُ وَلَمْ يُشْهِدْ أَوْ ادَّعَى ضَيَاعَ الصَّكِّ فَقِيلَ لَهُ حَقُّك ثَابِتٌ فَأْتِ بِهِ فَصَالَحَ ثُمَّ وَجَدَهُ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ بِدَيْنٍ فَأَنْكَرَهُ ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ عَالِمٌ بِبَيِّنَتِهِ وَلَمْ يُشْهِدْ بِأَنَّهُ يَقُومُ بِهَا فَإِنَّهُ لَا قِيَامَ لَهُ بِهَا وَلَا يُنْقَضُ صُلْحُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ بَيِّنَتُهُ حَاضِرَةً أَوْ غَائِبَةً غَيْبَةً قَرِيبَةً أَوْ بَعِيدَةً وَلَوْ لَمْ يُصَرِّحْ بِإِسْقَاطِهَا فَلَوْ أَشْهَدَ فَهِيَ قَوْلُهُ أَوْ أَشْهَدَ وَأَعْلَنَ كَمَنْ لَمْ يُعْلِنْ عَلَى الْأَحْسَنِ الثَّانِيَةُ مَنْ ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ بِحَقٍّ فَأَقَرَّ لَهُ بِهِ وَلَكِنْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْمُدَّعِي حَقُّك ثَابِتٌ فَأْتِ بِالْوَثِيقَةِ الَّتِي فِيهَا حَقُّك فَأَمْحُهَا وَخُذْ مَا فِيهَا فَقَالَ ضَاعَتْ مِنِّي وَأَنَا أُصَالِحُك فَصَالَحَهُ ثُمَّ وَجَدَ الْوَثِيقَةَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا قِيَامَ لَهُ بِهَا وَلَا يُنْقَضُ الصُّلْحُ لَكِنْ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ إنَّمَا صَالَحَهُ عَلَى إسْقَاطِ حَقِّهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ سَابِقًا أَوْ وَجَدَ وَثِيقَتَهُ بَعْدَهُ فَلَهُ نَقْضُهُ أَنَّ الْغَرِيمَ فِي هَذِهِ مُقِرٌّ بِالْحَقِّ وَإِنَّمَا طَلَبَ الصَّكَّ لِيَمْحُوَ مَا فِيهِ فَلَمْ يَرْضَ صَاحِبُهُ وَادَّعَى ضَيَاعَهُ فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ وَمَا سَبَقَ الْغَرِيمُ فِيهَا مُنْكِرٌ لِلْحَقِّ وَالْحَالُ أَنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ قَدْ أَشْهَدَ سِرًّا أَنَّهُ إنَّمَا صَالَحَ لِضَيَاعَ صَكِّهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ صَالَحَ لِغَيْبَةِ بَيِّنَتِهِ الْغَيْبَةَ الْبَعِيدَةَ فَلَهُ الْقِيَامُ بِهَا عِنْدَ قُدُومِهَا.
وَلَمَّا دَخَلَ فِي قَوْلِهِ الصُّلْحُ عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعَى بِهِ بَيْعُ صُلْحِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ عَمَّا يَخُصُّهُ مِنْ الْمِيرَاثِ صَوَّرَ ذَلِكَ بِمَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ فَقَالَ (ص) وَعَنْ إرْثِ زَوْجَةٍ مِنْ عَرْضٍ وَوَرِقٍ وَذَهَبٍ بِذَهَبٍ مِنْ التَّرِكَةِ قَدْرَ مُورِثِهَا مِنْهُ فَأَقَلُّ. (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمَيِّتَ إذَا تَرَكَ دَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ حَاضِرَةً وَعُرُوضًا حَاضِرَةً أَوْ غَائِبَةً وَعَقَارًا وَغَيْرَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلزَّوْجَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْوَرَثَةِ أَنْ يُصَالِحَ عَنْ إرْثِهِ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ أَخَذَ دَرَاهِمَ مِنْ التَّرِكَةِ قَدْرَ مُوَرِّثِهِ مِنْ دَرَاهِمِ التَّرِكَةِ أَوْ أَخَذَتْ ذَهَبًا مِنْ التَّرِكَةِ قَدْرَ مُوَرِّثِهَا مِنْ ذَهَبِ التَّرِكَةِ فَأَقَلَّ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ كَمَا لَوْ صَالَحَهَا الْوَلَدُ عَلَى عَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَأَقَلَّ وَالذَّهَبُ ثَمَانُونَ لِأَنَّهَا أَخَذَتْ بَعْضَ حَقِّهَا مِنْ التَّرِكَةِ وَتَرَكَتْ الْبَاقِيَ وَلَا يُرَاعَى مَا فَضَلَ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا لِأَنَّ الْبَاقِيَ هِبَةٌ فَيُرَاعَى فِيهَا الْحَوْزُ قَبْلَ مَوْتِهَا فَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَهُ بَطَلَ وَكَانَ لِوَرَثَتِهَا وَلَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ لِلزَّوْجَةِ مَثَلًا عَلَى أَكْثَرَ مِنْ إرْثِهَا مِنْ الذَّهَبِ كَاثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا فَأَكْثَرَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَيْضًا لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ تَقِلَّ الدَّرَاهِمُ الَّتِي تَخُصُّهَا مِنْ التَّرِكَةِ بِأَنْ لَا تَبْلُغَ صَرْفَ دِينَارٍ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (ص) أَوْ أَكْثَرُ إنْ قَلَّتْ الدَّرَاهِمُ (ش) أَيْ أَوْ قَلَّتْ الْعُرُوض الَّتِي تَخُصُّهَا بِأَنْ لَمْ تَبْلُغْ قِيمَتِهَا دِينَارًا وَأُحْضِرَتْ كُلُّهَا لِأَنَّهَا بَاعَتْ نَصِيبَهَا مِنْ الْعُرُوضِ وَالدَّرَاهِمِ بِدِينَارَيْنِ دِينَارٌ وَنِصْفٌ مَثَلًا قِيمَةُ الْعُرُوضِ أَوْ صَرْفُ الدَّرَاهِمِ وَالنِّصْفُ الْبَاقِي فِي مُقَابَلَةِ الْفِضَّةِ أَوْ الْعُرُوضِ فَهُوَ بَيْعٌ وَصَرْفٌ اجْتَمَعَا فِي دِينَارٍ أَمَّا إنْ بَلَغَ نَصِيبُهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ الْعُرُوضِ دِينَارًا لَمْ يَجُزْ لِعَدَمِ اجْتِمَاعِهِمَا فِي دِينَارٍ.
وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ الْعُرُوضِ غَائِبًا دَخَلَهُ صَرْفٌ مَعَ سِلْعَةٍ تَأَخَّرَتْ فَقَوْلُهُ إنْ قَلَّتْ الدَّرَاهِمُ أَيْ وَكَانَ جَمِيعُ مَا زَادَهُ عَلَى حِصَّتِهَا مِنْ الذَّهَبِ دِينَارَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ كَمَا قَرَّرْنَاهُ أَمَّا إنْ كَانَ مَا زَادَهُ عَلَى حِصَّتِهَا مِنْ الذَّهَبِ دِينَارًا وَاحِدًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ
ــ
[حاشية العدوي]
[مَا لَا يُنْقَضُ فِيهِ الصُّلْحُ]
قَوْلُهُ الثَّانِيَةُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِالْحَقِّ قَطْعًا وَلَكِنَّهُ مُتَوَقِّفُ الدَّفْعِ عَلَى دَفْعِ الصَّكِّ وَفِي عب خِلَافُهُ فَإِنَّهُ قَالَ حَقُّك ثَابِتٌ إنْ أَتَيْت بِهِ ثُمَّ قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ سَابِقًا أَوْ وَجَدَ وَثِيقَةً بَعْدَهُ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي هَذِهِ مُقِرٌّ لَا مُطْلَقًا بَلْ بِشَرْطِ الْإِتْيَانِ بِالصَّكِّ وَنَحْوِهِ فَلَمْ يَرْضَ صَاحِبُهُ وَادَّعَى ضَيَاعَهُ فَقَطْ أَسْقَطَ حَقَّهُ وَمَا سَبَقَ الْغَرِيمُ فِيهَا يُنْكِرُ الْحَقَّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ اعْتَبَرَ ظَاهِرَ الشَّارِحِ لَقِيلَ إنَّ الْحَقَّ يَثْبُتُ وَلَا يَتَوَقَّفُ دَفْعُ الْحَقِّ عَلَى الْإِتْيَانِ بِالصَّكِّ لِجَوَازِ أَنْ يُقَالَ يَكْتُبُ لَهُ وَثِيقَةً أُخْرَى تُنَاقِضُهَا كَتَبَ فِيهَا دَفَعَ الْحَقَّ ثُمَّ بَعْدَ كَتْبِي هَذَا اطَّلَعْت عَلَى فَرْقِ ابْنِ يُونُسَ حَيْثُ قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا أَنَّ غَرِيمَهُ فِي هَذَا مُعْتَرِفٌ وَإِنَّمَا طَالَبَهُ بِإِحْضَارِهِ لِيَمْحُوَ مَا فِيهِ فَقَدْ رَضِيَ هَذَا بِإِسْقَاطِهِ وَاسْتِعْجَالِ حَقِّهِ وَالْأَوَّلُ مُنْكِرٌ لِلْحَقِّ وَقَدْ أَشْهَدَ أَنَّهُ إنَّمَا صَالَحَهُ لِضَيَاعِ صَكِّهِ فَهُوَ كَالشَّهَادَةِ أَنَّهُ إنَّمَا صَالَحَهُ لِغَيْبَةِ بَيِّنَتِهِ انْتَهَى تَأَمَّلْ فِي هَذَا مَعَ مَا قَدَّمَ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلزَّوْجَةِ أَوْ غَيْرِهَا) وَخَصَّ الزَّوْجَةَ لِأَنَّ حُصُولَ الْمُنَازَعَةِ مِنْهَا أَكْثَرُ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ غَالِبًا.
(قَوْلُهُ وَلَا يُرَاعَى مَا فَضَلَ بَعْدَ ذَلِكَ) الْمَدَارُ عَلَى حُضُورِ الْمُصَالَحِ عَنْهُ وَهُوَ الذَّهَبُ فِي مِثَالِنَا لَا حُضُورِ الدَّرَاهِمِ وَلَا حُضُورِ الْعُرُوضِ بَيَانُ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ إذَا كَانَ فِي التَّرِكَةِ ثَمَانُونَ دِينَارًا وَصُولِحَتْ بِعَشَرَةٍ مِنْهَا فَإِنْ حَضَرَ جَمِيعُ الذَّهَبِ جَازَ سَوَاءٌ حَضَرَ بَاقِي التَّرِكَةِ أَمْ لَا وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ مُنِعَ ذَلِكَ وَإِنْ صُولِحَتْ بِخَمْسَةٍ فَإِنْ حَضَرَ أَرْبَعُونَ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ صُولِحَتْ بِأَحَدَ عَشَرَ جَازَ إنْ حَضَرَ جَمِيعُ الْمَتْرُوكِ لِأَنَّ الْعُرُوضَ وَالْوَرِقَ فِي مُقَابَلَةِ الدِّينَارِ الزَّائِدِ فَهُوَ بَيْعٌ وَصَرْفٌ وَالْجَمِيعُ دِينَارٌ وَإِنْ صُولِحَتْ بِاثْنَيْ عَشَرَ وَكَانَ الْعَرْضُ أَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ أَوْ الْوَرِقُ أَقَلَّ مِنْ صَرْفِ دِينَارٍ جَازَ إنْ حَضَرَ الْجَمِيعُ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الْعَرْضِ وَالْوَرِقِ أَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ جَازَ إنْ حَضَرَ الْجَمِيعُ لِأَنَّ دِينَارًا مِنْ الزَّائِدَيْنِ فِي مُقَابَلَةِ الْعَرْضِ وَالْوَرِقِ وَالْآخَرُ زِيَادَةٌ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ الْجَمِيعُ مُنِعَ وَهَذَا التَّفْصِيلُ بِعَيْنِهِ يَجْرِي فِيمَا إذَا صُولِحَتْ بِوَرِقٍ فَقَطْ فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَوْلُ الشَّارِحِ أَوَّلًا إذَا تَرَكَ دَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ حَاضِرَةٍ لَا يُؤَاخَذُ بِظَاهِرِهِ الْمُفِيدِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِمَا مَعًا إلَّا أَنْ يُقَالَ الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَدَرَاهِمَ بِمَعْنَى أَوْ وَيَكُونُ قَوْلُهُ أَوْ دَرَاهِمَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا مُوَرِّثُهَا (قَوْلُهُ وَأُحْضِرَتْ كُلُّهَا) أَيْ التَّرِكَةُ كُلُّهَا مِنْ عَرْضٍ وَوَرِقٍ لَكِنْ حُضُورُ الْعُرُوضِ إمَّا حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَمَا يَتَبَيَّنُ فِيمَا بَعْدُ أَيْ وَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ جَمِيعِهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَأْتِي فِيمَا بَعْدُ كَمَا يَظْهَرُ وَقَوْلُهُ مَعَ سِلْعَةٍ تَأَخَّرَتْ أَيْ بِأَنْ لَا تَكُونَ فِي حُكْمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute