للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ وَمِنْ خَصَائِصِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ لِنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ مِنْ الْجَوْرِ وَيُبَاحُ لَهُ أَيْضًا أَنْ يَحْمِيَ لَهُ مَا أَرَادَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَانْظُرْ هَلْ يَحْمِي لِوَلَدِهِ أَوْ لَا.

(ص) وَلَا يُورَثُ (ش) أَيْ وَمِنْ خَصَائِصِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دُونَ أُمَّتِهِ أَنَّهُ إذَا مَاتَ لَا يُورَثُ بَلْ مِلْكُهُ بَاقٍ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَهُ أَنْ يُوصِيَ بِجَمِيعِهِ فِي حَالِ مَرَضِهِ وَيَهَبَهُ وَيَنْفُذُ ذَلِكَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِذَا لَمْ يُوصِ بِمَالِهِ وَلَا وَهَبَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ فَإِنَّهُ لَا يُورَثُ عَنْهُ أَيْ لَمْ يَخْتَصَّ بِهِ وَارِثٌ بَلْ هُوَ صَدَقَةٌ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَرِثُونَ عَلَى قَوْلٍ مَرْجُوحٍ وَالْحِكْمَةُ فِي أَنَّهُمْ لَا يُورَثُونَ خَشْيَةُ أَنْ يَتَمَنَّى وَارِثُهُمْ مَوْتَهُمْ فَيَكْفُرَ وَفِي أَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ خَشْيَةَ أَنْ يَتَوَهَّمَ الْمَوْرُوثُ أَنَّهُمْ يُحِبُّونَ مَوْتَهُ فَيُبْغِضَهُمْ وَلَا يَرِدُ أَنَّهُ وَرِثَ أُمَّ أَيْمَنَ مُعْتَقَتَهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ نُبُوَّتِهِ.

(بَابُ النِّكَاحِ)

وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَصْلٌ ذَكَرَ فِيهِ مَطْلُوبِيَّةَ النِّكَاحِ وَأَرْكَانَهُ وَشُرُوطَهُ وَمَوَانِعَهُ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِهِ وَهُوَ بَابٌ مُهِمٌّ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِ مَسَائِلِهِ وَفِيهِ فَوَائِدُ أَرْبَعٌ دَفْعُ غَوَائِلِ الشَّهْوَةِ وَالتَّنْبِيهُ بِاللَّذَّةِ الْفَانِيَةِ عَلَى اللَّذَّةِ الدَّائِمَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا ذَاقَ هَذِهِ اللَّذَّةَ وَعَلِمَ أَنَّ لَهُ إذَا عَمِلَ الْخَيْرَ مَا هُوَ أَعْظَمُ سَارَعَ فِي الْخَيْرَاتِ لِمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ تِلْكَ اللَّذَّةِ وَلِمَا هُوَ أَعْظَمُ وَأَتَمُّ وَأَبْقَى وَهُوَ اللَّذَّةُ بِالنَّظَرِ إلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَالْمُسَارَعَةِ إلَى تَنْفِيذِ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِبَقَاءِ الْخَلْقِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِالنِّكَاحِ وَإِرَادَةِ رَسُولِهِ لِقَوْلِهِ «تَنَاكَحُوا تَنَاسَلُوا فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَبَقَاءُ الذِّكْرِ وَرَفْعُ الدَّرَجَاتِ بِسَبَبِ دُعَاءِ الْوَلَدِ الصَّالِحِ وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الشَّرْعِ وَاللُّغَةِ هَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا وَمَا هُوَ مَحَلُّ الْحَقِيقَةِ قَالَ

ــ

[حاشية العدوي]

أَوْ وِجْدَانٍ.

(قَوْلُهُ عَلَى غَيْرِهِ) أَيْ، وَلَوْ عَدُوَّهُ (قَوْلُهُ أَنْ يَحْمِيَ لَهُ مَا أَرَادَ) أَيْ يَحْمِيَ لَهُ مَا أَرَادَ مِنْ الْمَوَاتِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْكَلَأُ تَرْعَاهُ الْبَهَائِمُ وَثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَمَى النَّقِيعَ وَحَمَى ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ بِالزُّبْدَةِ لِلِقَاحِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا غَيْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَحْمِي إلَّا بِشُرُوطٍ سَتَأْتِي وَهُوَ أَنْ يَكُونَ قَلِيلًا وَعَافِيًا وَمُحْتَاجًا إلَيْهِ وَكَوْنَهُ لِلْغَزْوِ.

(قَوْلُهُ عَلَى قَوْلٍ مَرْجُوحٍ) أَيْ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُمْ يَرِثُونَ (قَوْلُهُ خَشْيَةَ أَنْ يُتَوَهَّمَ إلَخْ) أَيْ يَقَعَ فِي وَهْمِهِ أَيْ فِي ذِهْنِهِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ أَنَّهُ وَرِثَ أُمَّ أَيْمَنَ) أَيْ وَرِثَ مِنْ أَبِيهِ أُمَّ أَيْمَنَ بَرَكَةَ الْحَبَشِيَّةَ وَبَعْضَ غَنَمٍ وَغَيْرَهُ أَيْ وَبَعْدَ أَنْ وَرِثَهَا مِنْ أَبِيهِ أَعْتَقَهَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ كَانَ) وَنُوزِعَ فِي كَوْنِ ذَلِكَ إرْثًا؛ لِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ وَلَا حُكْمَ قَبْلَ الشَّرْعِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمَّا عَصَمَهُ مُطْلَقًا كَانَ مَا حَصَلَ قَبْلَ الشَّرْعِ مُوَافِقًا لِمَا بَعْدَهُ.

[بَابٌ أَرْكَانَهُ وَشُرُوطَهُ وَمَوَانِعَهُ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِهِ]

(بَابُ النِّكَاحِ)

(قَوْلُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِهِ) أَيْ كَالرَّجْعَةِ وَالظِّهَارِ فَلَمْ يَكُنْ مُرَادُهُ مَسَائِلَ النِّكَاحِ فَقَطْ (قَوْلُهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ) أَيْ يُحْتَاجُ لِمَسَائِلِهِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا (قَوْلُهُ وَفِيهِ) أَيْ فِي النِّكَاحِ بِمَعْنَى الْعَقْدِ أَيْ بِاعْتِبَارِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْوَطْءِ أَوْ النِّكَاحِ لَا بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ بَلْ بِمَعْنَى الْوَطْءِ (قَوْلُهُ دَفْعُ غَوَائِلِ الشَّهْوَةِ) جَمْعُ غَائِلَةٍ بِمَعْنَى الشَّرِّ وَكَأَنَّهُ قَالَ دَفْعُ الْأَشْرَارِ الَّتِي تَنْشَأُ عَنْ الشَّهْوَةِ مِنْ الزِّنَا وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ عَلَى اللَّذَّةِ الدَّائِمَةِ) أَيْ عَلَى تَحْصِيلِ أَسْبَابِ اللَّذَّةِ الدَّائِمَةِ بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ (قَوْلُهُ لِمَا هُوَ) أَيْ لِأَجْلِ تَحْصِيلِ مَا هُوَ مِنْ جِنْسِ تِلْكَ اللَّذَّةِ وَهِيَ لَذَّةُ الْحُورِ الْعِينِ (قَوْلُهُ وَأَتَمُّ) مُرَادِفٌ لِمَا هُوَ أَعْظَمُ (قَوْلُهُ بِبَقَاءِ) الْبَاءُ زَائِدَةٌ (قَوْلُهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) أَرَادَ بِهَا النَّفْخَةَ الْأُولَى (قَوْلُهُ وَإِرَادَةِ رَسُولِهِ) أَيْ وَرَغْبَةِ رَسُولِهِ (قَوْلُهُ: مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ) أَيْ رُسُلَ الْأُمَمِ وَالْمُفَاعَلَةُ لَيْسَتْ عَلَى بَابِهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَلَى مَعْنَاهَا لَكَانَ الْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُ وَالْأَنْبِيَاءُ يَغْلِبُ صَاحِبُهُ فِي الْكَثْرَةِ فَأَنَا أَغْلِبُهُمْ فِي الْكَثْرَةِ بِمَعْنَى أَنَّ أُمَّتِي أَكْثَرُ مِنْ أُمَمِهِمْ وَهُمْ كَذَلِكَ أَيْ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أُمَّتُهُ أَكْثَرُ مِنْ أُمَّتِي وَلَيْسَ هَذَا مُرَادًا بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ أُمَّتِي تَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ أُمَمِهِمْ كَثْرَةً بَالِغَةً.

(قَوْلُهُ وَبَقَاءُ الذِّكْرِ) أَيْ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى بَقَاءِ الذِّكْرِ أَيْ الذِّكْرِ الْحَسَنِ الدُّعَاءُ لَهُ مِمَّنْ يَسْمَعُ اسْمَهُ (قَوْلُهُ الْوَلَدِ الصَّالِحِ) أَرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِ صَالِحًا أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا (قَوْلُهُ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الشَّرْعِ وَاللُّغَةِ) ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ قَالُوا قَوْلًا خَالَفُوا فِيهِ قَوْلَ أَهْلِ الشَّرْعِ وَأَهْلُ اللُّغَةِ فِي أَنْفُسِهِمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا، وَكَذَلِكَ أَهْلُ الشَّرْعِ خَالَفُوا أَهْلَ اللُّغَةِ وَلَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمْ اخْتِلَافٌ فِي أَنْفُسِهِمْ فَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ ذَاتَ قَوْلَيْنِ لَكِنَّ قَوْلَهُ هَلْ هُوَ إلَخْ يُفِيدُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتُ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ فَفِي الْعِبَارَةِ تَخَالُفٌ (وَأَقُولُ) حَاصِلُ مَا هُنَاكَ أَنَّ كَلَامَ التَّوْضِيحِ يُفِيدُ أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ اخْتَلَفُوا عَلَى أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ فَقِيلَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ وَقِيلَ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ وَعَلَيْهِ فَقِيلَ مَجَازٌ مُسَاوٍ وَقِيلَ رَاجِحٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ.

فَعَلَى هَذَا اتَّفَقَ أَهْلُ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّهُ فِي الْوَطْءِ حَقِيقَةٌ اتِّفَاقًا وَقَالَ بَهْرَامُ وَيُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرْعِ فِي الْوَجْهَيْنِ لَكِنْ عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ فِيهِمَا جَمِيعًا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا حَقِيقَةٌ وَفِي الْآخَرِ مَجَازٌ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْأَقْرَبُ إلَخْ هَذَا غَايَةُ مَا قَالَ غَيْرَ أَنَّهُ مُحْتَمِلٌ إلَى أَنَّ ذَلِكَ خِلَافٌ خَارِجِيٌّ بِمَعْنَى قِيلَ أَنَّهُ فِي الشَّرْعِ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا وَقِيلَ حَقِيقَةٌ فِي أَحَدِهِمَا وَمَجَازٌ فِي الْآخَرِ أَوْ أَنَّهُ مُجَرَّدُ تَرَدُّدٍ وَشَكٍّ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ وَقَدْ تَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ شب وَنَصُّهُ وَهَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ حَقِيقَةٌ مُشْتَرَكَةٌ فِيهِمَا أَقْوَالٌ انْتَهَى فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ مَعْنَى قَوْلِ الشَّارِحِ خِلَافًا إلَخْ أَيْ أَنَّهُ خِلَافٌ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ وَأَهْلِ الشَّرْعِ كَذَلِكَ لَا أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الشَّرْعِ وَاللُّغَةِ فَيَكُونُ أَهْلُ اللُّغَةِ اتَّفَقُوا عَلَى قَوْلٍ خَالَفُوا فِيهِ أَهْلَ الشَّرْعِ وَأَهْلُ الشَّرْعِ اتَّفَقُوا عَلَى قَوْلٍ خَالَفُوا فِيهِ أَهْلَ اللُّغَةِ قَوْلُ الْمُحَشِّي النَّقِيعُ أَيْ بِالنُّونِ كَمَا فِي الزَّرْقَانِيِّ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>