للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّمَا هُوَ حَجْرٌ آخَرُ قَدِيمٌ لِلصِّبَا، أَوْ السَّفَهِ قَوْلُهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، أَيْ: لِأَبَوَيْهِ إنْ كَانَا، وَإِلَّا فَالْحَاكِمُ إنْ كَانَ، وَإِلَّا فَجَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ

(ص) ، وَالصَّبِيُّ لِبُلُوغِهِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الصَّبِيَّ ذَكَرًا كَانَ، أَوْ أُنْثَى؛ لِأَنَّهُ فَعِيلٌ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ، وَالْمُؤَنَّثُ يَسْتَمِرُّ الْحَجْرُ عَلَيْهِ، أَيْ: حَجْرُ النَّفْسِ وَهُوَ حَجْرُ الْحَضَانَةِ إلَى بُلُوغِهِ فَإِذَا بَلَغَ عَاقِلًا زَالَ عَنْهُ وِلَايَةُ أَبِيهِ مِنْ تَدْبِيرِ نَفْسِهِ وَصِيَانَةِ مُهْجَتِهِ إذْ يُؤْمَنُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ أَنْ يُوقِعَ نَفْسَهُ فِي مُهْوَاةٍ، أَوْ فِيمَا يُؤَدِّي إلَى قَتْلِهِ، أَوْ عَطَبِهِ قَصْدًا لِذَلِكَ، وَأَمَّا ارْتِفَاعُ الْحَجْرِ عَنْهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَالِ فَهُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ فِيمَا سَيَأْتِي بِقَوْلِهِ إلَى حِفْظِ مَالِ ذِي الْأَبِ بَعْدَهُ كَمَا هُوَ أَحَدُ احْتِمَالَاتٍ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ اُنْظُرْ بَقِيَّتَهَا إنْ شِئْت فِي الْكَبِيرِ.

وَلَمَّا كَانَ الْبُلُوغُ عِبَارَةً عَنْ قُوَّةٍ تَحْدُثُ فِي الشَّخْصِ يَخْرُجُ بِهَا مِنْ حَالِ الطُّفُولِيَّةِ إلَى غَيْرِهَا وَتِلْكَ الْقُوَّةُ لَا يَكَادُ يَعْرِفُهَا أَحَدٌ فَجَعَلَ الشَّارِعُ لَهَا عَلَامَاتٍ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى حُصُولِهَا أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّهَا خَمْسٌ مِنْهَا مُشْتَرَكٌ وَمُخْتَصٌّ وَعَطَفَهَا بِأَوْ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْعَلَامَاتِ مَجْمُوعُهَا أَوَّلُهَا السِّنُّ وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى بِقَوْلِهِ

(ص) بِثَمَانِي عَشَرَةَ سَنَةً (ش) ، أَيْ: بِتَمَامِ ثَمَانِي عَشَرَةَ سَنَةً عَلَى الْمَشْهُورِ وَشَهَرَ غَيْرُ الْمُؤَلِّفِ سِتَّةَ عَشَرَ وَلِابْنِ وَهْبٍ خَمْسَةَ عَشَرَ سَنَةً، ثُمَّ إنَّ الْعَلَامَاتِ لَيْسَتْ مُنْحَصِرَةً فِيمَا ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ؛ لِأَنَّ مِنْهَا فَرْقُ أَرْنَبَةِ الْمَارِنِ وَنَتِنُ الْإِبْطِ وَغِلَظُ الصَّوْتِ وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ تَأْخُذَ خَيْطًا وَتُثْنِيَهُ وَتُدِيرَهُ بِرَقَبَتِهِ وَتَجْمَعَ طَرَفَيْهِ فِي أَسْنَانِهِ فَإِنْ دَخَلَ رَأْسُهُ مِنْهُ فَقَدْ بَلَغَ، وَإِلَّا فَلَا

(ص) ، أَوْ الْحُلُمُ (ش) أَشَارَ بِهَذَا إلَى ثَانِي الْمُشْتَرَكِ وَهُوَ الْحُلُمُ اتِّفَاقًا وَهُوَ الْإِنْزَالُ فِي النَّوْمِ وَيَدْخُلُ بِقِيَاسِ الْأَحْرَوِيَّةِ الْإِنْزَالُ يَقِظَةً وَأَشَارَ لِلثَّالِثِ، وَالرَّابِعِ الْمُخْتَصَّيْنِ بِالْأُنْثَى بِقَوْلِهِ

(ص) ، أَوْ الْحَيْضُ، أَوْ الْحَمْلُ (ش) ، وَالْمُرَادُ بِالْحَيْضِ الَّذِي لَمْ يَتَسَبَّبْ فِي جَلْبِهِ، وَإِلَّا فَيَكُونُ عَلَامَةً وَلِلْخَامِسَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَإِنَّمَا أَخَّرَهَا لِقُوَّةِ الْخِلَافِ فِيهَا بِقَوْلِهِ

(ص) ، أَوْ الْإِنْبَاتُ (ش) لِلْعَانَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إنْزَالٌ، وَلَا بُلُوغُ سِنٍّ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْخَشِنُ لَا الزَّغَبُ وَقَوْلُهُ، أَوْ الْإِنْبَاتُ، أَيْ: لِلْعَانَةِ لَا الْإِبْطِ أَوْ اللِّحْيَةِ؛ لِأَنَّهُ يَتَأَخَّرُ عَنْ الْبُلُوغِ، ثُمَّ إنَّ الْمُرَادَ بِالْإِنْبَاتِ النَّبَاتُ؛ لِأَنَّ النَّبَاتَ هُوَ إنْبَاتُ اللَّهِ تَعَالَى لَا اطِّلَاعَ لَنَا عَلَيْهِ فَلَوْ عَدَلَ عَنْ الْمَصِيرِ الْمَزِيدِ إلَى الْمُجَرَّدِ لَكَانَ أَوْلَى بِمُرَادِهِ

(ص) وَهَلْ إلَّا فِي حَقِّهِ تَعَالَى تَرَدُّدٌ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْإِنْبَاتَ الْمَذْكُورَ هَلْ هُوَ عَلَامَةٌ لِلْبُلُوغِ مُطْلَقًا فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يَنْظُرُ فِيهِ الْحُكَّامُ وَحُقُوقِ الْآدَمِيِّ مِنْ حَدٍّ وَطَلَاقٍ وَقِصَاصٍ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَنْظُرُ فِيهِ الْحُكَّامُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ وَغَيْرِهِ، أَوْ هُوَ عَلَامَةٌ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّ، وَأَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ فَهُوَ عَلَامَةٌ فِي الظَّاهِرِ كَلُزُومِ الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِهِمَا، وَأَمَّا مِثْلُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ وَشِبْهِهَا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ عَلَامَةً قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالتَّرَدُّدِ

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ: إنَّمَا هُوَ حَجْرٌ آخَرُ) ، أَيْ: وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَحْتَاجُ لِقَوْلِنَا إنْ كَانَ جُنُونُهُ فَخُلَاصَتُهُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِلْفَكِّ مُطْلَقًا كَانَ جُنُونُهُ طَارِئًا بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَالرُّشْدِ أَمْ لَا نَعَمْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْحَجْرَ لِلصِّبَا، وَالسَّفَهِ يَحْتَاجُ لِفَكٍّ مَعَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ إلَى حِفْظِ مَالِ ذِي الْأَبِ، ثُمَّ بَعْدَ كَتْبِي هَذَا رَأَيْت شب ذَكَرَ مَا نَصُّهُ الْمَجْنُونُ مِنْ حَيْثُ جُنُونُهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِلْإِفَاقَةِ فَبِمُجَرَّدِ الْإِفَاقَةِ يَنْفَكُّ عَنْهُ حَجْرُ الْجُنُونِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ لِفَكٍّ وَيَرْجِعُ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ حَجْرِ صِبًا، أَوْ سَفَهٍ إنْ كَانَ وَيَنْفَكُّ عَنْهُ بِمَا يَأْتِي انْتَهَى.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَجْرَ عَلَى الْمَجْنُونِ مِنْ حَيْثُ النَّفْسُ فَيَزُولُ بِمُجَرَّدِ زَوَالِ الْجُنُونِ فَهُوَ مُفِيدٌ لِمَا قُلْنَا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ: لِأَبَوَيْهِ) الْمُنَاسِبُ لِأَبِيهِ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ لَا حَجْرَ لَهَا وَلَعَلَّ الْأَظْهَرَ أَنْ يَقُولَ لِأَبِيهِ، أَوْ وَصِيِّهِ، وَإِلَّا فَالْحَاكِمِ (قَوْلُهُ: زَالَ عَنْهُ) إلَّا أَنْ يُخَافَ عَلَيْهِ فَسَادٌ، أَوْ هَلَاكٌ لِجَمَالِهِ مَثَلًا فَيَمْنَعُهُ الْأَبُ، وَالْوَلِيُّ، وَالنَّاسُ أَجْمَعُونَ وَفِي عَبَّ خِلَافُ مَا فِي الشَّارِحِ وَنَصُّهُ، وَأَمَّا الصَّبِيَّةُ فَيَسْتَمِرُّ الْحَجْرُ عَلَيْهَا بِالنِّسْبَةِ لِنَفْسِهَا إلَى سُقُوطِ حَضَانَتِهَا بِالْبِنَاءِ بِهَا؛ لِأَنَّ الْحَضَانَةَ حَقٌّ لِلْحَاضِنِ خِلَافًا لِابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهَا كَالصَّبِيِّ، وَالْأَظْهَرُ كَلَامُ شَارِحِنَا وَيُوَافِقُهُ شب.

(قَوْلُهُ: كَمَا هُوَ أَحَدُ الِاحْتِمَالَاتِ إلَخْ) ، أَيْ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَذَا حَجْرَ الْمَالِ، ثُمَّ أَبْدَلَ مِنْهُ قَوْلَهُ إلَى حِفْظٍ وَهَذَا هُوَ حَاصِلُ كَلَامِ ابْنِ غَازِيٍّ أَنَّ قَوْلَهُ فِيمَا يَأْتِي إلَى حِفْظِ مَالِ ذِي الْأَبِ بَعْدَهُ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ هَذَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ لِبُلُوغِهِ مُتَعَلِّقًا بِلَفْظِ الصَّبِيِّ فَهُوَ تَحْدِيدٌ لِلصِّبَا وَيَكُونُ قَوْلُهُ إلَى حِفْظٍ مُتَعَلِّقًا بِلَفْظِ مَحْجُورٍ فَهُوَ تَحْدِيدٌ لِلْحَجْرِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي حَجْرِ الْمَالِ بِالنِّسْبَةِ لِلْيَتِيمِ الَّذِي لَا حَجْرَ عَلَيْهِ وَمَا يَأْتِي فِيمَنْ لَهُ حَاجِرٌ مِنْ أَبٍ، أَوْ وَصِيٍّ، أَوْ مُقَدَّمٍ.

[عَلَامَات الْبُلُوغ]

. (قَوْلُهُ: بِثَمَانِي عَشَرَةَ سَنَةً) ، أَيْ: يُعْرَفُ بِثَمَانِي عَشَرَةَ سَنَةً وَهِيَ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا فَهِيَ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ كَانَ قَائِلًا قَالَ لَهُ بِمَاذَا يُعْرَفُ فَقَالَ وَيَجُوزُ فِي ثَمَانٍ حَذَفَ الْيَاءَ مَعَ كَسْرِ النُّونِ وَفَتْحِهَا وَإِثْبَاتِ الْيَاءِ سَاكِنَةً وَمَفْتُوحَةً، وَالنُّونُ مَكْسُورَةٌ فِيهِمَا قَالَهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي التَّوْضِيحِ.

(قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا) ، أَيْ: لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا بَلَغَ تَغْلُظُ حَنْجَرَتُهُ وَتَغْلُظُ رَقَبَتُهُ (قَوْلُهُ: أَوْ الْحَمْلُ) فِي أُنْثَى، أَوْ خُنْثَى وَيَزُولُ حِينَئِذٍ إشْكَالُهُ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا كُبْرُ النَّهْدِ (قَوْلُهُ: لَكَانَ أَوْلَى) فِيهِ أَنَّ النَّبَاتَ إذَا كَانَ مَصْدَرًا مُجَرَّدًا يَكُونُ مَعْنَاهُ ظُهُورَ النَّبَاتِ بِمَعْنَى النَّابِتِ، وَالظُّهُورُ مَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي فَهُوَ مِثْلُ الْإِنْبَاتِ سَوَاءٌ فَلَا اطِّلَاعَ لَنَا عَلَيْهِ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُرَادَ أَنَّ النَّبَاتَ نَفْسُ النَّابِتِ فَلَا يَكُونُ مَصْدَرًا بَلْ اسْمٌ لِلنَّابِتِ (قَوْلُهُ: فِي حُقُوقِ اللَّهِ إلَخْ) بَيَانٌ لِلْإِطْلَاقِ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَهُوَ عَلَامَةٌ فِي الظَّاهِرِ، وَالْبَاطِنِ، وَالْقَوْلُ بِالْإِطْلَاقِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَهُوَ الَّذِي صَدَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ مَنْ حَقَّقَ (قَوْلُهُ: أَوْ هُوَ عَلَامَةٌ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ، أَوْ هُوَ عَلَامَةٌ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّ فِي الظَّاهِرِ كَلُزُومِ الطَّلَاقِ، وَالْعِتْقِ، وَلَا يَلْزَمُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ طَلَاقٌ، وَلَا حَدٌّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، أَوْ يَبْلُغَ سِنَّ الِاحْتِلَامِ، وَأَمَّا مِثْلُ حُقُوقِ اللَّهِ فَلَا يَلْزَمُ ظَاهِرًا، وَلَا بَاطِنًا وَهَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ

<<  <  ج: ص:  >  >>