إذَا سَبَى حُرَّةً مُسْلِمَةً أَوْ حُرَّةً كِتَابِيَّةً فَوَطِئَهَا وَأَتَتْ بِأَوْلَادٍ عِنْدَهُ ثُمَّ غَنِمَ الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ الْحَرْبِيَّ وَالْحُرَّةَ وَالْأَوْلَادَ فَإِنَّ الْأَوْلَادَ الصِّغَارَ الَّذِينَ حَدَثُوا مِنْ الْمُسْلِمَةِ أَوْ مِنْ الْكِتَابِيَّةِ عِنْدَ الْحَرْبِيِّ لَا يَكُونُونَ فَيْئًا عَلَى الْمَشْهُورِ بَلْ أَحْرَارٌ تَبَعًا لِأُمِّهِمْ بِخِلَافِ الْكِبَارِ فَفَيْءٌ.
(ص) وَهَلْ كِبَارُ الْمُسْلِمَةِ فَيْءٌ أَوْ إنْ قَاتَلُوا تَأْوِيلَانِ (ش) الْمَوْضُوعُ بِحَالِهِ يَعْنِي أَنَّ الْحُرَّةَ الْمُسْلِمَةَ إذَا سُبِيَتْ وَأَتَتْ بِأَوْلَادٍ عِنْدَ الْحَرْبِيِّ فَإِنْ كَانُوا صِغَارًا فَهُمْ بِمَنْزِلَتِهَا كَمَا مَرَّ لَا يَكُونُونَ فَيْئًا. وَأَمَّا الْكِبَارُ فَهُمْ فَيْءٌ أَيْ غَنِيمَةٌ فَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَظْهَرَ وَهَلْ هُمْ فَيْءٌ، وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلُوا؛ لِأَنَّهُمْ عَلَى حَالٍ يُمْكِنُهُمْ الْقِتَالُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ شَبْلُونٍ أَوْ هُمْ فَيْءٌ إنْ قَاتَلُوا بِالْفِعْلِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ تَأْوِيلَانِ وَأَمَّا كِبَارُ الْكِتَابِيَّةِ فَفَيْءٌ اتِّفَاقًا كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ حَارِثٍ فَحِكَايَةُ الشَّارِحِ الْخِلَافُ فِيهِمْ فِيهِ نَظَرٌ وَقَوْلٌ لِبَعْضِهِمْ لَيْسَ فِي الْمُدَوَّنَةِ تَخْصِيصُ الْمَسْأَلَةِ بِذَلِكَ لَيْسَ كَمَا يَنْبَغِي وَلَقَدْ أَجَادَ الْمُؤَلِّفُ فِي تَخْصِيصِ كَلَامِهِ بِكِبَارِ الْمُسْلِمَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَّعْنَا بِهِ.
(ص) وَوَلَدُ الْأَمَةِ لِمَالِكِهَا (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمَسْبِيَّةَ إذَا كَانَتْ أَمَةً وَأَتَتْ بِأَوْلَادٍ عِنْدَ الْحَرْبِيِّ ثُمَّ غَنِمَهَا الْمُسْلِمُونَ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُمْ لِمَالِكِهَا مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا سَوَاءٌ كَانُوا صِغَارًا أَوْ كِبَارًا مِنْ زَوْجٍ أَوْ غَيْرِهِ لِتَبَعِيَّةِ الْوَلَدِ لِأُمِّهِ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ.
(تَنْبِيهٌ) : الْوَلَدُ يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَلِأَبِيهِ فِي الدِّينِ وَالنَّسَبِ وَأَدَاءِ الْجِزْيَةِ وَقَدْ صَرَّحَ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ بِأَنَّ وَلَدَ الزِّنَا يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَفِي ابْنِ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ مَا يُفِيدُهُ وَبِهِ يُعْلَمُ مَا فِي شَرْحِ س.
[فَصْلٌ فِي عَقْدِ الْجِزْيَةِ]
وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى قِتَالِ الْكُفَّارِ أَتْبَعَهُ بِمَا يَنْشَأُ عَنْهُ مِنْ جِزْيَةٍ وَمُهَادَنَةٍ وَفَكِّ أَسِيرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِهِ وَبَدَأَ بِالْكَلَامِ عَلَى الْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّهَا الْأَمْرُ الثَّانِي الْمَانِعُ مِنْ الْقِتَالِ كَمَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ وَدُعُوا لِلْإِسْلَامِ ثُمَّ جِزْيَةٍ قَالَ فِي التَّنْبِيهِ الْجِزْيَةُ بِكَسْرِ الْجِيمِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمُجَازَاةِ وَالْجَزَاءِ؛ لِأَنَّهَا جَزَاءٌ لِكَفِّنَا عَنْهُمْ وَتَمْكِينِهِمْ مِنْ سُكْنَى دَارِنَا وَقِيلَ إنَّهَا مِنْ جَزَى يَجْزِي إذَا قَضَى قَالَ تَعَالَى {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي} [البقرة: ٤٨] أَيْ لَا تَقْضِي وَجَمْعُهَا الْجِزَى بِكَسْرِ الْجِيمِ مِثْلِ لِحْيَةٍ وَلِحًى انْتَهَى وَشُرِعَتْ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ وَقِيلَ التَّاسِعَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ ابْنُ عَرَفَةَ الْجِزْيَةُ الْعَنْوِيَّةُ مَا لَزِمَ الْكَافِرَ مِنْ مَالِهِ لِأَمْنِهِ بِاسْتِقْرَارِهِ تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ وَصَوْنِهِ انْتَهَى وَلَمَّا تَعَلَّقَ الْكَلَامُ فِي هَذَا الْبَابِ بِأَرْبَعَةِ أَبْحَاثٍ الْعَقْدِ وَالْعَاقِدِ وَالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالْمَكَانِ الَّذِي يَسْكُنُهُ فَأَشَارَ إلَى الرَّابِعِ بِقَوْلِهِ سُكْنَى إلَخْ وَإِلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ لِكَافِرٍ وَإِلَى الْأَوَّلَيْنِ بِقَوْلِهِ.
(فَصْلٌ) (ص) عَقْدُ الْجِزْيَةِ إذْنُ الْإِمَامِ (ش) وَالْمَعْنَى أَنَّ الْجِزْيَةَ هِيَ إذْنُ الْإِمَامِ (لِكَافِرٍ) ذَكَرٍ، وَلَوْ قُرَشِيًّا عَلَى الْمَشْهُورِ فِي سُكْنَى مَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ عَلَى إعْطَاءِ مَالٍ مَخْصُوصٍ بِشَرْطِ كَوْنِ الْكَافِرِ عَلَى وَصْفٍ مَخْصُوصٍ وَالْعَاقِدُ الْإِمَامُ لَا غَيْرُهُ فَلَوْ عَقَدَهَا مُسْلِمٌ ابْتِدَاءً بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ لَمْ تَصِحَّ لَكِنْ يَمْنَعُ الِاغْتِيَالُ أَيْ مِنْ الْقَتْلِ وَالْأَسْرِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ إذَا بَذَلُوهُ وَرَآهُ مَصْلَحَةً إلَّا أَنْ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ تَأْوِيلَانِ) أَيْ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ أَيْ عَلَى قَوْلِهَا إنْ بَلَغَ وَلَدُهَا وَقَاتَلُوا فَفَيْءٌ ثُمَّ قَالَ فِي الذِّمِّيَّةِ وَكَبِيرُ وَلَدِهَا فَيْءٌ فَفَهِمَهَا ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْقِتَالُ بِالْفِعْلِ وَفَهِمَهَا ابْنُ شَبْلُونٍ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الصَّلَاحِيَّةُ لِلْقِتَالِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُمْ قِتَالٌ بِالْفِعْلِ وَكِلَا الشَّيْخَيْنِ خَالَفَ عَادَتَهُ؛ لِأَنَّ عَادَةَ ابْنِ شَبْلُونٍ لَا يَتَأَوَّلُ وَيَحْمِلُ عَلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ وَعَادَةُ أَبِي مُحَمَّدٍ يَحْمِلُ عَلَى التَّأْوِيلِ لَا عَلَى الظَّاهِرِ هَذَا وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (قَوْلُهُ تَخْصِيصُ الْمَسْأَلَةِ بِذَلِكَ) أَيْ بِتَخْصِيصِهَا بِأَوْلَادِ الْمُسْلِمَةِ بَلْ فِي الْمُدَوَّنَةِ تَخْصِيصُهَا بِذَلِكَ. .
(بَابُ الْجِزْيَةِ) (قَوْلُهُ عَلَى قِتَالِ الْكُفَّارِ) أَيْ طَالِبُ قِتَالِ الْكُفَّارِ حَصَلَ قِتَالٌ بِالْفِعْلِ أَمْ لَا فَظَهَرَ قَوْلُهُ أَتْبَعَهُ (قَوْلُهُ مِنْ الْمُجَازَاةِ) مُفَاعَلَةٌ تَقْتَضِي الْجَزَاءَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّ الْجَزَاءَ مِنَّا تَأْمِينُهُمْ وَمِنْهُمْ الْجِزْيَةُ وَقَوْلُهُ وَالْجَزَاءُ أَيْ مَا يُجَازَى بِهِ كَالْجِزْيَةِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ إنَّهَا) أَيْ الْجِزْيَةَ (قَوْلُهُ إذَا قَضَى) أَيْ إذَا أَدَّى فَهُوَ مُغَايِرٌ لِمَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ أَيْ لَا تُقْضَى) أَيْ تُؤَدَّى (قَوْلُهُ الْجِزْيَةُ الْعَنْوِيَّةُ) أَيْ. وَأَمَّا الصُّلْحِيَّةُ فَهِيَ مَا الْتَزَمَ كَافِرٌ مَنَعَ نَفْسَهُ أَدَاءَهُ عَلَى إبْقَائِهِ بِبَلَدِهِ تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ يَجْرِي عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ مَنَعَ نَفْسَهُ جُمْلَةٌ مِنْ فِعْلٍ وَفَاعِلٍ وَمَفْعُولٍ وَقَوْلُهُ أَدَاءَهُ مَفْعُولُ الْتَزَمَ وَقَوْلُهُ تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ مُقْتَضَاهُ أَنَّ التَّرَاضِيَ مِنْهُمْ عَلَى تَرْكِ الْمُقَاتَلَةِ بِمَالٍ مَعَ عَدَمِ كَوْنِهِمْ تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ لَا يَكُونُ جِزْيَةً صُلْحِيَّةً وَسَيَأْتِي فِي تَعْرِيفِ الْمُهَادَنَةِ مَا يُفِيدُهُ انْتَهَى مِنْ شَرْحِ شب وَقَوْلُهُ لَا مِنْهُ إلَخْ خَرَجَتْ الصُّلْحِيَّةُ كَمَا قَالَ فِي ك لَكِنْ قَدْ عَلِمْت مِنْ تَعْرِيفِ الصُّلْحِيَّةِ اشْتِرَاكَهُمَا فِي بَقَاءِ الْكَافِرِ تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ فَانْظُرْ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ وَصَوْنُهُ أَيْ حِفْظُهُ تَفْسِيرٌ وَقَوْلُهُ بِاسْتِقْرَارِهِ أَيْ عَلَى الدَّوَامِ لِيَخْرُجَ الْحَرْبِيُّ إذَا دَخَلَ بِأَمَانٍ لِقَضَاءِ مَصْلَحَةٍ (قَوْلُهُ وَالِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ) فِيهِ أَنَّ الْكَافِرَ عَاقِدٌ كَالْإِمَامِ. وَأَمَّا الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فَهُوَ السُّكْنَى وَالْمَالُ نَظِيرُ مَا قِيلَ فِي الْبَيْعِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْجِزْيَةَ يَنْتَهِي حُكْمُهَا إلَى نُزُولِ سَيِّدِنَا عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثُمَّ لَا يُقْبَلُ إلَّا الْإِيمَانُ لِفَيْضِ الْمَالِ وَعَدَمِ النَّفْعِ بِهِ حِينَئِذٍ وَإِنَّمَا يُقْبَلُ الْإِيمَانُ (قَوْلُهُ عَقْدُ الْجِزْيَةِ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْجِزْيَةَ قَدْ عُرِّفَتْ أَنَّهَا الْمَالُ الْمَعْرُوفُ فَإِذَنْ يَكُونُ فِي الْكَلَامِ رِكَّةٌ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُعَبِّرَ بِالذِّمَّةِ بَدَلَ الْجِزْيَةِ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ (قَوْلُهُ إذْنِ الْإِمَامِ) أَيْ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَيْ أَوْ نَائِبِهِ (قَوْلُهُ سُكْنَى مَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ) أَيْ غَيْرَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْيَمَنِ وَقَوْلُهُ عَلَى إعْطَاءِ مَالٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ الْأَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ أَوْ الْأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَقَوْلُهُ عَلَى وَصْفٍ مَخْصُوصٍ هُوَ كَوْنُهُ يَصِحُّ سِبَاؤُهُ (قَوْلُهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ) أَيْ وَيَجِبُ الْعَقْدُ عَلَى الْإِمَامِ إذَا بَذَلُوهُ أَيْ طَلَبُوهُ أَوْ بَذَلُوا الْمَالَ الْمَفْهُومَ مِنْ الْمَقَامِ الْحَاصِلُ أَنَّ حُكْمَهَا الْجَوَازُ وَقَدْ يَتَرَجَّحُ لِمَصْلَحَةٍ وَقَدْ تَتَعَيَّنُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ إنْ تَعَيَّنَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي.