يَخَافَ غَائِلَتَهُمْ قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَقَوْلُهُ لِكَافِرٍ أَيْ لِكُلِّ كَافِرٍ؛ لِأَنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ قَدْ تَعُمُّ أَيْ عُمُومًا شُمُولِيًّا، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِغَرَضِهِ هُنَا وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى ذَلِكَ بِكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ الْجَهْمِ مِنْ أَنَّهَا لَا تُؤْخَذُ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ إجْمَاعًا فَإِنَّهُ طَرِيقَةٌ لَهُمَا وَإِنَّمَا أَتَى الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ لِكَافِرٍ تَوْطِئَةٌ لِمَا بَعْدَهُ وَإِلَّا الْمُسْلِمُ لَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ عَلَيْهِ جِزْيَةً حَتَّى يَحْتَرِزُ بِهِ مِنْهُ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ (صَحَّ سِبَاؤُهُ) بِالْمَدِّ أَيْ أَسْرُهُ الْمُعَاهِدَ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ عَهْدِهِ وَالْمُرْتَدُّ فَإِنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَى رِدَّتِهِ إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا لَا يَصِحُّ سِبَاؤُهُ.
(ص) مُكَلَّفٌ حُرٌّ قَادِرٌ مُخَالِطٌ لَمْ يَعْتِقْهُ مُسْلِمٌ (ش) يَعْنِي أَنَّ شَرْطَ أَخْذِ الْجِزْيَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ مُكَلَّفًا حُرًّا قَادِرًا مُخَالِطًا لِأَهْلِ دِينِهِ فَلَا تُؤْخَذُ مِنْ مَجْنُونٍ وَلَا مِنْ صَبِيٍّ وَلَا مِنْ عَبْدٍ وَلَا مَنْ فِيهِ شَائِبَةُ حُرِّيَّةٍ وَلَا مِنْ غَيْرِ قَادِرٍ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا وَلَا مِنْ رُهْبَانِ الْأَدْيِرَةِ لَكِنْ هَذَا يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ صَحَّ سِبَاؤُهُ وَلَا مِمَّنْ أَعْتَقَهُ مُسْلِمٌ بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعْتَقَهُ غَيْرُ مُسْلِمٍ أَوْ أَعْتَقَهُ مُسْلِمٌ بِبَلَدِ الْحَرْبِ وَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُ عَلَى الْفَوْرِ وَلَا يُنْتَظَرُ بِهِ تَمَامُ الْحَوْلِ كَمَا فِي الْمَكَافِي وَانْظُرْ هَلْ يَجْرِي ذَلِكَ فِي الْعَبْدِ إذَا أَعْتَقَهُ وَالْمَجْنُونِ إذَا أَفَاقَ أَمْ لَا وَقَوْلُهُ مُخَالِطٌ، وَلَوْ رَاهِبَ كَنِيسَةٍ لَا صَوْمَعَةٍ وَدَيْرٍ وَغَارٍ، وَلَوْ طَرَأَ تَرَهُّبُهُ سَقَطَتْ عَنْهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِلْأَخَوَيْنِ وَلَعَلَّهُ اسْتَغْنَى بِتَذْكِيرِ الْأَوْصَافِ عَنْ اشْتِرَاطِ الذُّكُورِيَّةِ أَيْ الْمُحَقَّقَةِ.
(ص) سُكْنَى غَيْرِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْيَمَنِ وَلَهُمْ الِاجْتِيَازُ (ش) سُكْنَى مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ إذْنُ الْإِمَامِ فِي سُكْنَى كَذَا وَسُكْنَى مَمْنُوعٌ مِنْ الصَّرْفِ يَجُوزُ فِيمَا بَعْدَهُ الْجَرُّ عَلَى الْإِضَافَةِ وَالنَّصْبُ وَقَوْلُهُ غَيْرِ مَكَّةَ إلَخْ تَفْسِيرٌ لِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ الْمُشَارِ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَبْقَيَنَّ دِينَانِ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ» وَشَمِلَ قَوْلُهُ غَيْرِ إلَخْ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَالثُّغُورَ وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَأَمَّا جَزِيرَةُ الْعَرَبِ وَهِيَ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةِ وَالْيَمَنُ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ سُكْنَاهَا لَكِنْ يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَمُرُّوا بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ إذَا كَانُوا مُسَافِرِينَ وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ لِدُخُولِهِمْ أَيَّامَ عُمَرَ بِجَلْبِهِمْ الطَّعَامَ مِنْ الشَّامِ إلَى الْمَدِينَةِ وَضَرَبَ لَهُمْ عُمَرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَسْتَوْفُونَ وَيَنْظُرُونَ فِي حَوَائِجِهِمْ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُمَكَّنُونَ مِنْ الْإِقَامَةِ الْمَذْكُورَةِ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ وَظَاهِرُهُ أَنَّ لَهُمْ الْمُرُورَ، وَلَوْ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ وَفِي عِبَارَةٍ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالِاجْتِيَازِ الْمُرُورَ فَقَطْ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ مَا قَابَلَ السُّكْنَى فَيَشْمَلُ دُخُولَهُمْ هَذِهِ الْأَمَاكِنَ لِتَجْرِهِمْ وَقَضَاءِ حَوَائِجِهِمْ وَمَصَالِحِهِمْ (ص) بِمَالٍ (ش) يَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِسُكْنَى أَيْ فِي سُكْنَى بِسَبَبٍ
ــ
[حاشية العدوي]
الْجِزْيَةِ وَجَبَتْ، وَإِنْ تَرَجَّحَتْ الْمَصْلَحَةُ فِيهَا تَرَجَّحَتْ، وَإِنْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ أَيْ الْمَصْلَحَةُ وَعَدَمُهَا جَازَتْ جَوَازًا مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ، وَإِنْ تَعَيَّنَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي عَدَمِهَا حَرُمَتْ، وَإِنْ تَرَجَّحَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي عَدَمِهَا تَرَجَّحَ عَدَمُهَا هَذَا مَا ظَهَرَ فَلَعَلَّهُ يُقْبَلُ (قَوْلُهُ شُمُولِيًّا) أَيْ. وَأَمَّا عُمُومُهَا الْبَدَلِيُّ فَهُوَ الْغَالِبُ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ طَرِيقَةٌ لَهُمَا) أَيْ طَرِيقَةٌ ضَعِيفَةٌ (قَوْلُهُ الْمُعَاهِدُ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ عَهْدِهِ) فَلَا يَصِحُّ سِبَاؤُهُ، وَلَوْ طَالَ مَقَامُهُ عِنْدَنَا إلَّا أَنْ يَضْرِبَهَا الْإِمَامُ عَلَيْهِ حِينَ يُرِيدُ الْإِقَامَةَ فَيَصِيرُ مِنْ أَهْلِهَا وَلَيْسَ لَهُ حِينَئِذٍ الرُّجُوعُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَمَحَلُّهُمَا بَعْدَ الْوُقُوعِ. وَأَمَّا ابْتِدَاءً فَلَا يَجُوزُ ضَرْبُهَا عَلَيْهِ لِدُخُولِهِ بِأَمَانٍ.
(قَوْلُهُ وَلَا مِنْ غَيْرِ قَادِرٍ عَلَى شَيْءٍ) أَيْ لَا تُؤْخَذُ فِي وَقْتِ أَخْذِهَا مِمَّنْ لَيْسَ بِقَادِرٍ وَلَعَلَّ الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ فَلَا تُضْرَبُ عَلَى عَاجِزٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَادِرٍ عَلَى الدَّفْعِ قُدْرَتُهُ عَلَى الْكَسْبِ فَتُضْرَبُ عَلَى الْقَادِرِ عَلَى الْكَسْبِ ثُمَّ حِينَ الْأَخْذِ يُؤْخَذُ مِنْهُ عَلَى قَدْرِ وُسْعِهِ (قَوْلُهُ وَلَا مِمَّنْ أَعْتَقَهُ مُسْلِمٌ بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ) وَظَاهِرُ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَحَلِّ الْعِتْقِ، وَإِنْ كَانَ الْمُعْتَقُ بِمَحَلٍّ آخَرَ وَيَبْقَى النِّظْرُ فِيمَا إذَا أَعْتَقَهُ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا هَلْ يُبَعَّضُ عَلَيْهِ أَوْ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ نِظْرُ الْعِتْقِ الْمُسْلِمِ أَوْ يُؤْخَذُ مِنْهُ نِظْرُ الْعِتْقِ الْكَافِرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا كَانَ عِتْقُ الْمُسْلِمِ الْغَالِبَ أَوْ النِّصْفَ لَا يُؤْخَذُ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعَلَّى عَلَيْهِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ أَقَلَّ فَهَلْ كَذَلِكَ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَلْيُحَرَّرْ (قَوْلُهُ وَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ إلَخْ) لَعَلَّهُ مُرَاعَاةٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يُؤْخَذُ مِنْ أَوَّلِ السَّنَةِ أَوْ لِمَنْ يَقُولُ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ التَّكْلِيفِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ أَخْذِهَا مِنْهُ عِنْدَ بُلُوغِهِ إذَا تَقَدَّمَ لِضَرْبِهَا عَلَى كِبَارِهِ الْأَحْرَارِ حَوْلٌ فَأَكْثَرُ وَتَقَدَّمَ لَهُ حَوْلٌ عِنْدَنَا صَبِيًّا وَإِلَّا فَهُوَ كَغَيْرِهِ فِي عَدَمِ الْأَخْذِ (قَوْلُهُ وَانْظُرْ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُمَا كَالصَّبِيِّ وَإِذَا أُخِذَتْ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَالْمَجْنُونِ عِنْدَ الْبُلُوغِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْإِفَاقَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تُؤْخَذُ ثَانِيًا بِمُرُورِ حَوْلٍ مِنْ يَوْمِ أَخْذِهَا. وَأَمَّا الْفَقِيرُ إذَا اسْتَغْنَى فَلَا يُطَالَبُ بِمَا مَضَى قَبْلَ غِنَاهُ بَلْ يُبْتَدَأُ لَهُ حَوْلٌ مِنْ يَوْمِ غِنَاهُ كَمَا فِي شَرْحِ عب (أَقُولُ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِثْلُ الصَّبِيِّ بَلْ أَوْلَى كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَلَعَلَّهُ اسْتَغْنَى إلَخْ) يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ لَهُ.
(قَوْلُهُ سُكْنَى) مَصْدَرُ سَكَنَ الدَّارَ إذَا أَقَامَ فِيهَا (قَوْلُهُ غَيْرَ مَكَّةَ إلَخْ) أَيْ وَمَا فِي حُكْمِهَا مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ أَيْ، وَلَوْ صَبِيًّا وَإِنَّمَا خَصَّ الْمُؤَلِّفُ الْمُكَلَّفَ وَمَا مَعَهُ بِالذِّكْرِ لِأَجْلِ ضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ) مَقْصُورٌ عَلَى سَمَاعٍ (قَوْلُهُ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ) مِنْ الْجَزْرِ وَهُوَ الْقَطْعُ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِانْقِطَاعِ الْمَاءِ مِنْ وَسَطِهَا لِإِجْنَابِهَا بَحْرَ الْقُلْزُمِ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَغْرِبِ وَبَحْرَ فَارِسَ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَشْرِقِ وَبَحْرَ الْهِنْدِ مِنْ الْجَنُوبِ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ هِيَ مَا بَيْنَ أَقْصَى عَدَنَ إلَى رِيفِ الْعِرَاقِ طُولًا وَمِنْ جُدَّةَ وَمَا وَالَاهَا مِنْ سَاحِلِ الْبَحْرِ إلَى أَطْرَافِ الشَّامِ عَرْضًا (قَوْلُهُ وَهِيَ مَكَّةُ إلَخْ) أَيْ وَمَا أُلْحِقَ بِذَلِكَ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ (قَوْلُهُ وَضَرَبَ لَهُمْ عُمَرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) الظَّاهِرُ أَنَّ تَخْصِيصَ الثَّلَاثَةِ بِالذِّكْرِ لِكَوْنِ الثَّلَاثَةِ كَانَتْ إذْ ذَاكَ مَظِنَّةً لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَإِلَّا فَلَوْ كَانَتْ الْحَاجَةُ تَقْتَضِي أَكْثَرَ لَكَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ يَسْتَوْفُونَ) أَيْ يُحَصِّلُونَ حَوَائِجَهُمْ (قَوْلُهُ يَصِحُّ إلَخْ) الْحَاصِلُ أَنَّ الْبَاءَ إمَّا لِلسَّبَبِيَّةِ أَوْ بِمَعْنَى عَلَى أَوْ بِمَعْنَى مَعَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute