للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَوْ فَعَلُوهُ لَنُقِلَ، أَمَّا دُعَاؤُهُ لَهُمْ فَمَنْدُوبٌ، وَحَمَلَ ابْنُ الصَّبَّاغِ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّهُ أَقَامَهَا مَعَهُ لَا بِمَحَلِّهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِدْعَةٌ لَمْ يَفْعَلْهَا أَحَدٌ مِمَّنْ تَقَدَّمَ.

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْمَطْلُوبَةِ - عَيْنًا فَرْضًا وَنَفْلًا - شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَا يُطْلَبُ كِفَايَةً وَهُوَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمَوْتَى مِنْ غُسْلٍ وَغَيْرِهِ، فَقَالَ

(فَصْلٌ) فِيمَا ذُكِرَ وَتَقَدَّمَ دُخُولَ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فِي رَسْمِ مُطْلَقِ الصَّلَاةِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ: ذَاتُ إحْرَامٍ وَسَلَامٍ وَالْمَوْتُ كَيْفِيَّةٌ وُجُودِيَّةٌ تَضَادُّ الْحَيَاةَ فَلَا يُعَرَّى الْجِسْمُ الْحَيَوَانِيُّ عَنْهُمَا وَلَا يَجْتَمِعَانِ فِيهِ. وَصَرِيحُ كَلَامِ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ عَرَضٌ لِأَنَّ الْكَيْفِيَّةَ عَرَضٌ، وَفِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ مَعْنًى خَلَقَهُ اللَّهُ فِي كَفِّ مَلَكِ الْمَوْتِ، وَفِي بَعْضِهَا أَنَّ اللَّهَ خَلَقَهُ فِي صُورَةِ كَبْشٍ لَا يَمُرُّ بِشَيْءٍ يَجِدُ رِيحَهُ إلَّا مَاتَ، وَالرُّوحُ جِسْمٌ لَطِيفٌ مُتَخَلِّلٌ فِي الْبَدَنِ تَذْهَبُ الْحَيَاةُ بِذَهَابِهَا. (ص) فِي وُجُوبِ غُسْلِ الْمَيِّتِ بِمُطَهِّرٍ وَلَوْ بِزَمْزَمَ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ كَدَفْنِهِ وَكَفَنِهِ وَسُنِّيَّتِهِمَا خِلَافٌ. (ش) يَعْنِي أَنَّهُ اُخْتُلِفَ: هَلْ غُسْلُ الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ الْمُتَقَدِّمِ لَهُ اسْتِقْرَارُ حَيَاةٍ وَلَيْسَ بِشَهِيدٍ وَلَا فُقِدَ أَكْثَرُهُ وَاجِبُ كِفَايَةٍ - وَشَهَرَهُ ابْنُ رَاشِدٍ وَابْنُ فَرْحُونٍ - أَوْ سُنَّةٌ وَشَهَرَهُ ابْنُ بَزِيزَةَ؟ وَكَذَلِكَ اُخْتُلِفَ هَلْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَاجِبَةٌ وُجُوبَ الْكِفَايَةِ - وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَشَهَرَهُ الْفَاكِهَانِيُّ وَغَيْرُهُ - أَوْ سُنَّةٌ؟

وَأَمَّا دَفْنُ الْمَيِّتِ أَيْ: مُوَارَاتُهُ وَكَفَنُهُ فَفَرْضُ كِفَايَةٍ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، إلَّا ابْنَ يُونُسَ فَإِنَّهُ حَكَى سُنِّيَّةَ كَفَنِهِ، وَلِذَا قَدَّمَ الْمُؤَلِّفُ ذِكْرَ الدَّفْنِ عَلَى الْكَفَنِ وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ فِي الْوُجُودِ. وَيَكُونُ الْغُسْلُ بِمَاءٍ مُطْلَقٍ عَلَى الْمَشْهُورِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ تَعَبُّدٌ - كَمَا يَأْتِي - فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ: وَلِلْغُسْلِ سِدْرٌ عَلَى غَيْرِ الْأَوْلَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ حَبِيبٍ. وَمَاءُ زَمْزَمَ كَغَيْرِهِ لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ بِنَاءً عَلَى نَجَاسَةِ الْآدَمِيِّ بِالْمَوْتِ، وَعَلَى طَهَارَتِهِ يَجُوزُ ابْنُ هَارُونَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي جَسَدِهِ نَجَاسَةٌ، فَقَوْلُ ابْنِ شَعْبَانَ - لَا يُغَسَّلُ بِمَاءِ زَمْزَمَ مَيِّتٌ وَلَا نَجَاسَةٌ - إنْ حُمِلَ عَلَى الْكَرَاهَةِ كَانَ وِفَاقًا، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْمَنْعِ فَلَا وَجْهَ لَهُ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، فَقَوْلُهُ: فِي وُجُوبِ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، وَخِلَافٌ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ، وَقَوْلُهُ: بِمُطَهِّرٍ مُتَعَلِّقٌ بِغُسْلِ، وَلَوْ بِزَمْزَمَ أَيْ: مَعَ الْكَرَاهَةِ إنْ قُلْنَا بِنَجَاسَةِ الْآدَمِيِّ، فَالْمُبَالَغَةُ فِي الْجَوَازِ الْغَيْرِ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ فَهُوَ رَدٌّ عَلَى ابْنِ شَعْبَانَ الْقَائِلِ بِالْحُرْمَةِ، أَوْ فِي الْجَوَازِ الْمُسْتَوِي إنْ قُلْنَا بِطَهَارَتِهِ، وَقَوْلُهُ: وَالصَّلَاةِ عَطْفٌ عَلَى غُسْلِ الْمَيِّتِ، فَهُوَ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ أَيْضًا. وَقَوْلُهُ: كَدَفْنِهِ وَكَفَنِهِ تَشْبِيهٌ فِي الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ فَقَطْ، وَهُوَ

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ وَحَمَلَ ابْنُ الصَّبَّاغِ. إلَخْ) أَيْ: ابْنُ الصَّبَّاغِ الشَّافِعِيُّ بِالْجَوَازِ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ مَحَلَّهُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ.

[فَصْلٌ صَلَاة الْجِنَازَة]

(فَصْلٌ الْجِنَازَةُ) فَائِدَةٌ: تَرَدَّدَ بَعْضٌ هَلْ شُرِعَتْ الْجِنَازَةُ بِمَكَّةَ أَوْ بِالْمَدِينَةٍ؟ وَظَاهِرُ بَعْضِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ بِالْمَدِينَةِ (قَوْلُهُ ذَاتُ إحْرَامٍ وَسَلَامٍ) فَإِنْ قِيلَ: صَلَاةُ الْجِنَازَةِ قَدْ قِيلَ إنَّهُ لَا إحْرَامَ لَهَا وَإِنَّمَا تَكْبِيرَاتُهَا كَالرَّكَعَاتِ وَلِذَا إذَا سَبَقَ الْإِمَامَ الْمَأْمُومُ بِتَكْبِيرَةٍ أَوْ أَكْثَرَ فَلَا يُكَبِّرُ حَتَّى يُكَبِّرَ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَبَّرَ قَبْلَهُ لَكَانَ قَاضِيًا فِي صُلْبِهِ فَنَتَجَ مِنْ هَذَا أَنَّ فِيهَا تَسْلِيمًا فَقَطْ لَا إحْرَامًا وَسَلَامًا فَلَا تَدْخُلُ تَحْتَ الرَّسْمِ. قُلْنَا هَذَا لَا يَصِحُّ إيرَادُهُ لِأَنَّ تَكْبِيرَاتِ الْإِحْرَامِ غَيْرُ الْإِحْرَامِ، وَالْإِحْرَامُ وَالسَّلَامُ مَوْجُودَانِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا تَكْبِيرَةُ إحْرَامٍ (قَوْلُهُ وُجُودِيَّةٌ) وَصْفٌ كَاشِفٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْكَيْفِيَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا وُجُودِيَّةً، وَدَلِيلُهُ: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ، إذْ الْعَدَمُ لَا يُخْلَقُ. وَرُدَّ بِأَنَّ مَعْنَى الْخَلْقِ التَّقْدِيرُ، وَقِيلَ عَدَمُ الْحَيَاةِ فَمُقَابَلَتُهُ لِلْحَيَاةِ مِنْ قَبِيلِ تَقَابُلِ الْعَدَمِ وَالْمَلَكَةِ (قَوْلُهُ فَلَا يُعَرَّى. . . إلَخْ) الْمُنَاسِبُ: وَلَا يُعَرَّى بِالْوَاوِ؛ لِأَنَّ الضِّدَّيْنِ يَجُوزُ ارْتِفَاعُهُمَا، وَالتَّفْرِيعُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ارْتِفَاعُهُمَا (قَوْلُهُ أَنَّهُ مَعْنًى) ظَاهِرٌ أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ حَذْفًا أَيْ: مُسَبَّبُ مَعْنًى خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَوْتَ صِفَةٌ لِلْمَيِّتِ، وَصِفَةُ الشَّيْءِ قَائِمَةٌ بِهِ فَلَا تَكُونُ قَائِمَةً بِغَيْرِهِ مِنْ مَلَكِ الْمَوْتِ.

(قَوْلُهُ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَهُ) فِيهِ مَا تَقَدَّمَ أَيْ: خَلَقَ سَبَبَهُ فِي صُورَةِ كَبْشٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ جُزْءُ سَبَبٍ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تُعَالِجُ خُرُوجَهَا مِنْ الْبَدَنِ، وَلَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَشُمُّونَ ذَلِكَ بَلْ مَنْ قَرُبَ أَجَلُهُ. وَذَكَرَ بَعْضُ الْمُعْتَبَرِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ مَا نَصَّهُ الْمَازِرِيُّ: الْمَوْتُ عَرَضٌ مِنْ الْأَعْرَاضِ عِنْدَنَا يُضَادُّ الْحَيَاةَ إلَى أَنْ قَالَ: وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْمَوْتُ كَبْشًا وَلَا جِسْمًا مِنْ الْأَجْسَامِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهَذَا التَّشْبِيهُ وَالتَّمْثِيلُ، وَقَدْ يَخْلُقُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هَذَا الْجِسْمَ ثُمَّ يُذْبَحُ وَيُجْعَلُ هَذَا مِثَالًا؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَا يَطْرَأُ عَلَى أَهْلِ الْآخِرَةِ اهـ.

(قَوْلُهُ جِسْمٌ لَطِيفٌ) أَيْ: فَهُوَ جِسْمٌ ذُو يَدَيْنِ وَرِجْلَيْنِ وَعَيْنَيْنِ وَرَأْسٍ. وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ قُطِعَ يَدُهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ قَطْعُ يَدِ الرُّوحِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَعُودُ عَلَى الشَّخْصِ الْمَقْطُوعِ بِسُرْعَةٍ بِدُونِ قَطْعٍ أَوْ مَعَ قَطْعٍ وَيَلْتَحِمُ، وَرُوحُ كُلِّ إنْسَانٍ عَلَى صِفَتِهِ (قَوْلُهُ فِي وُجُوبِ. . . إلَخْ) أَيْ: وَهُوَ الرَّاجِحُ أَيْ أَنَّ الرَّاجِحَ الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ (قَوْلُهُ وَكَفَنِهِ) أَيْ: وَضْعِهِ فِي الْكَفَنِ وَإِدْرَاجِهِ فِيهِ (قَوْلُهُ الْمُسْلِمِ) أَيْ: وَلَوْ حُكْمًا أَيْ: لِأَجْلِ أَنْ يَدْخُلَ الْمَحْكُومُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِإِسْلَامِ سَابِيهِ مِنْ مَجُوسِيٍّ وَغَيْرِ مُمَيِّزٍ، كَذَا فِي شَرْحِ شب وَعَبَ، وَانْظُرْ مَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَلَا مَحْكُومٍ بِكُفْرِهِ (قَوْلُهُ بِمَاءٍ مُطْلَقٍ عَلَى الْمَشْهُورِ. . . إلَخْ) وَمُقَابِلُهُ مَا قَالَهُ ابْنُ شَعْبَانَ مِنْ أَنَّهُ لِلنَّظَافَةِ قَالَ: وَيَجُوزُ غُسْلُهُ بِمَاءِ الْوَرْدِ وَمَاءِ الْقُرُنْفُلِ. (قَوْلُهُ فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ. . إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّهَا أَيْ: الْآتِيَةَ بِمَاءٍ مُطْلَقٍ - كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ - وَذَلِكَ لِأَنَّ السِّدْرَ يُجْعَلُ فِي وِعَاءٍ وَيُخَضُّ ثُمَّ يُعْرَكُ بِهِ جَسَدُ الْمَيِّتِ ثُمَّ يُصَبُّ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ.

(قَوْلُهُ وَعَلَى طَهَارَتِهِ يَجُوزُ) أَيْ: بَلْ أَوْلَى لِرَجَاءِ بَرَكَتِهِ (قَوْلُهُ كَانَ وِفَاقًا) أَيْ: بِنَاءً عَلَى نَجَاسَةِ مَيْتَةِ الْآدَمِيِّ (قَوْلُهُ فَلَا وَجْهَ لَهُ عِنْدَ مَالِكٍ) أَيْ: سَوَاءٌ قُلْنَا بِنَجَاسَةِ مَيْتَةِ الْآدَمِيِّ، أَوْ قُلْنَا بِطَهَارَتِهَا (قَوْلُهُ فَالْمُبَالَغَةُ فِي الْجَوَازِ الْغَيْرِ. . . إلَخْ) الْأَوْلَى الْجَوَازُ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ الْقَائِلِ بِالْحُرْمَةِ) أَيْ: إنْ حُمِلَ كَلَامُهُ عَلَى الْحُرْمَةِ (قَوْلُهُ إنْ قُلْنَا بِطَهَارَتِهِ) فَهُوَ رَدٌّ عَلَيْهِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ قَائِلًا بِالْكَرَاهَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>