يَجْعَلُ أَسْفَلَهُ أَعْلَاهُ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ النِّسَاءَ لَا يُحَوِّلْنَ أَرْدِيَتَهُنَّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى كَشْفِهِنَّ، وَلِهَذَا قُيِّدَ التَّحْوِيلُ بِالرِّجَالِ، وَيَفْعَلُونَ ذَلِكَ قُعُودًا، وَلَا تُحَوَّلُ الْبَرَانِسُ وَلَا الْغَفَائِرُ أَيْ: مَا لَمْ تُلْبَسْ كَالرِّدَاءِ. وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ تَأْخِيرُ التَّحْوِيلِ عَنْ الدُّعَاءِ وَهُوَ قَوْلٌ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ، وَالْمَشْهُورُ تَأْخِيرُ الدُّعَاءِ عَنْ التَّحْوِيلِ فَيَخْطُبُ ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ ثُمَّ يُحَوِّلُ ثُمَّ يَدْعُو، وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ مُرَتَّبَةٌ.
(ص) وَنُدِبَ خُطْبَةٌ بِالْأَرْضِ (ش) أَيْ: إيقَاعُ خُطْبَةٍ، وَهُوَ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ الْبَعْضِ عَلَى الْكُلِّ أَيْ: خُطْبَتَانِ (ص) وَصِيَامُ ثَلَاثَةٍ قَبْلَهُ وَصَدَقَةٌ وَلَا يَأْمُرُ بِهِمَا الْإِمَامُ بَلْ بِتَوْبَةٍ وَرَدِّ تَبِعَةٍ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يُنْدَبُ التَّصَدُّقُ وَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَبْلَ يَوْمِ الِاسْتِسْقَاءِ وَيَخْرُجُونَ لَهُ مُفْطِرِينَ لِلتَّقَوِّي عَلَى الدُّعَاءِ كَيَوْمِ عَرَفَةَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْمُرَ الْإِمَامُ قَبْلَهُ بِالتَّوْبَةِ وَالْإِقْلَاعِ عَنْ الذُّنُوبِ وَالْآثَامِ وَالْمَظَالِمِ، وَأَنْ يَتَحَالَلَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ مَخَافَةَ أَنْ تَكُونَ مَعَاصِيهِمْ سَبَبَ مَنْعِ الْغَيْثِ، وَيَأْمُرَ بِالتَّقَرُّبِ بِالصَّدَقَاتِ لَعَلَّهُمْ إذَا أَطْعَمُوا فُقَرَاءَهُمْ أَطْعَمَهُمْ اللَّهُ، فَإِنَّ الْجَمِيعَ فُقَرَاءُ اللَّهِ. فَانْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِ الشَّيْخِ: إنَّ الْإِمَامَ لَا يَأْمُرُ بِالصَّدَقَةِ، بَلْ حَكَى الْجُزُولِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ يَأْمُرُهُمْ بِالصَّدَقَةِ، وَأَمَّا الْأَمْرُ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَبْلَهَا فَلَيْسَ مِنْ سُنَّتِهَا. قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ، وَاسْتَحَبَّهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأُبَيٍّ وَالْمُغِيرَةِ. فَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مُسَلَّمٌ فِي الصَّوْمِ، وَأَمَّا الصَّدَقَةُ فَلَا، بَلْ يَأْمُرُ بِهَا كَمَا مَرَّ. وَتَبِعَةٌ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَيُقَالُ: تِبَاعَةٌ.
(ص) وَجَازَ تَنَفُّلٌ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا (ش) أَيْ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّنَفُّلُ بِالْمَسْجِدِ وَالْمُصَلَّى قَبْلَ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَبَعْدَهَا بِخِلَافِ الْعِيدِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا بِالْمُصَلَّى لَا بِالْمَسْجِدِ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الِاسْتِسْقَاءِ الْإِقْلَاعُ عَنْ الْخَطَايَا وَالْإِكْثَارُ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ، وَلِذَا اُسْتُحِبَّ فِيهِ الْعِتْقُ وَالصَّوْمُ وَالصَّدَقَةُ وَالتَّذَلُّلُ وَالدُّعَاءُ فَكَانَ التَّقَرُّبُ بِالنَّفْلِ أَلْيَقَ.
(ص) وَاخْتَارَ إقَامَةَ غَيْرِ الْمُحْتَاجِ لِمُحْتَاجٍ (ش) أَيْ وَاخْتَارَ اللَّخْمِيُّ نَدْبَ إقَامَةِ الْمُخْصِبِ غَيْرِ الْمُحْتَاجِ صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ عَلَى سُنَّتِهَا بِمَحَلِّهِ لِمُحْتَاجٍ مُجْدِبٍ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ أَقَامَهَا غَيْرُ الْمُحْتَاجِ مُجْتَمِعًا مَعَهُ، أَوْ أَقَامَهَا وَكُلٌّ بِمَحَلِّهِ وَلَوْ فِي زَمَنَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ بِسَبَبِ حُصُولِ جَدْبٍ لِأَنَّهُ مِنْ التَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى.
وَقَالَ الْمَازِرِيُّ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ وَكَلَامِ اللَّخْمِيِّ قَالَ: وَفِي ذَلِكَ عِنْدِي نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ عَلَى إقَامَتِهَا بِصَلَاتِهَا دَلِيلٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَطْلُوبًا لَفَعَلَهُ الصَّدْرُ الْأَوَّلُ فَمَنْ بَعْدَهُ
ــ
[حاشية العدوي]
الرَّمْلِيِّ (قَوْلُهُ وَلَا الْغَفَائِرُ) هِيَ شَيْءٌ يُجْعَلُ مِنْ الْجُوخِ عَلَى شَكْلِ الْبُرْنُسِ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يُلْبَسْ) عَائِدٌ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ الْغَفَائِرِ وَالْبَرَانِسِ (قَوْلُهُ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى ظَاهِرُ. . . إلَخْ) أَجَابَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ ثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ فِي الذِّكْرِ لَا فِي الرُّتْبَةِ، وَقَدْ وَقَعَ الْجَوَابُ بِمِثْلِ هَذَا فِي كَلَامِ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ اهـ.
(قَوْلُهُ وَنُدِبَ خُطْبَةٌ بِالْأَرْضِ) أَيْ: لَا بِمِنْبَرٍ فَيُكْرَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخُطْبَةَ فِي ذَاتِهَا مُسْتَحَبَّةٌ وَكَوْنُهَا بِالْأَرْضِ مُسْتَحَبٌّ آخَرُ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَيَخْرُجُونَ مُفْطِرِينَ) هَذَا مُسْتَفَادٌ مِنْ الظَّرْفِ (قَوْلُهُ وَالْإِقْلَاعِ عَنْ الذُّنُوبِ) مِنْ أَجْزَاءِ التَّوْبَةِ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ نَدَمٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ لِأَجْلِ قُبْحِهَا شَرْعًا وَلَا يَضُرُّهُ اسْتِحْسَانُهَا طَبْعًا، وَعَزْمٌ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ، وَالْإِقْلَاعُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ فِي الْحَالِ. أَيْ: إذَا كَانَ مُتَلَبِّسًا بِهَا. وَقَوْلُهُ: وَالْآثَامِ هِيَ مُسَبَّبَةٌ عَنْ الذُّنُوبِ أَيْ: الَّتِي هِيَ الْمَعَاصِي، وَقَوْلُهُ: وَالْمَظَالِمِ هِيَ الْمُشَارُ لَهَا بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَرَدِّ تَبِعَةٍ وَتُفِيدُ عِبَارَتُهُ أَنَّ رَدَّ التَّبِعَةِ لَيْسَ دَاخِلًا فِي التَّوْبَةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى إطْلَاقِهِ فَمَنْ غَصَبَ شَيْئًا وَعَيْنُهُ بَاقِيَةٌ فَصِحَّةُ التَّوْبَةِ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى رَدِّهِ، وَأَمَّا إذَا اُسْتُهْلِكَتْ عَيْنُهُ فَرَدُّ عِوَضِهِ وَاجِبٌ آخَرُ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ يَحْتَاجُ لِتَوْبَةٍ - كَمَا أَفَادَهُ السَّنُوسِيُّ كَتَسْلِيمِ النَّفْسِ فِي الْقِصَاصِ وَالشِّرْبِ، وَكَتَسْلِيمِ مَا وَجَبَ فِي الزَّكَوَاتِ وَقَضَاءِ الصَّلَوَاتِ، فَهَذَا كُلُّهُ وَاجِبٌ آخَرُ كَمَا أَفَادَهُ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ. وَقُلْنَا لِقُبْحِهَا شَرْعًا أَيْ: وَلَا يَضُرُّ اسْتِحْسَانُهَا طَبْعًا، وَأَمَّا النَّدَمُ لِخَوْفِ النَّارِ أَوْ لِطَمَعٍ فِي الْجَنَّةِ فَوَقَعَ تَرَدُّدٌ، وَمَبْنَى ذَلِكَ: هَلْ هُوَ نَدَمٌ عَلَيْهَا لِقُبْحِهَا أَيْ شَرْعًا وَلِكَوْنِهَا مَعْصِيَةً أَمْ لَا؟ وَكَذَا وَقَعَ التَّرَدُّدُ فِي النَّدَمِ عَلَيْهَا لِقُبْحِهَا وَلِأَمْرٍ آخَرَ.
وَالْحَقُّ أَنَّ جِهَةَ الْقُبْحِ إنْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَوْ انْفَرَدَتْ لَتَحَقَّقَ النَّدَمُ عَلَيْهَا، فَتَوْبَةٌ وَإِلَّا فَلَا، كَمَا إذَا كَانَ الْفَرْضُ مَجْمُوعَ الْأَمْرَيْنِ، أَيْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ لَا يَتَحَقَّقُ بِهِ النَّدَمُ، وَكَذَا وَقَعَ التَّرَدُّدُ فِي التَّوْبَةِ عِنْدَ أَمْرٍ مَخُوفٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ تَوْبَةَ الْكَافِرِ بِإِسْلَامِهِ مَقْبُولَةٌ قَطْعًا، وَكَذَا الْمُسْلِمِ مِنْ عِصْيَانِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقِيلَ ظَنًّا وَلَوْ أَذْنَبَ بَعْدَهَا وَلَا يَعُودُ مَحَلُّ الْقَطْعِ بِقَبُولِ تَوْبَةِ الْكَافِرِ إنْ لَمْ يُغَرْغِرْ أَيْ: يُشَاهِدْ مَلَائِكَةَ الْعَذَابِ، وَإِنْ لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ إسْلَامُهُ فِيهِمَا. وَالْجُمْهُورُ عَلَى عَدَمِ الْقَبُولِ مِنْ الْمُؤْمِنِ عِنْدَ الْغَرْغَرَةِ وَبَعْدَ الطُّلُوعِ، وَمَا دَرَجَ عَلَيْهِ عج وَتَبِعَهُ عب مُقَابِلُهُ أَفَادَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا (قَوْلُهُ فَإِنَّ الْجَمِيعَ. . . إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ: أَطْعَمَهُمْ اللَّهُ (قَوْلُهُ فَلَيْسَ مِنْ سُنَّتِهَا) بَلْ يُكْرَهُ (قَوْلُهُ بَلْ يَأْمُرُ بِهَا) وَإِذَا أَمَرَ بِهَا وَجَبَتْ طَاعَتُهُ فَقَدْ قَالَ سَيِّدِي أَحْمَدُ زَرُّوقٌ: تَجِبُ طَاعَةُ الْإِمَامِ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُ بِهِ مَا لَمْ يَأْمُرْ بِمُحَرَّمٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ، وَهَلْ يَدْخُلُ هُوَ فِي أَمْرِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: الْمُتَكَلِّمُ يَدْخُلُ فِي عُمُومِ كَلَامِهِ؟ (قَوْلُهُ وَتِبَاعَةٌ) بِكَسْرِ التَّاءِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَارِ
(قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الِاسْتِسْقَاءِ) أَيْ: مِنْ طَلَبِ الِاسْتِسْقَاءِ (قَوْلُهُ فَكَانَ التَّقَرُّبُ بِالنَّفْلِ أَلْيَقَ) أَيْ لِمَا فِي الصَّلَاةِ مِنْ عِظَمِ التَّذَلُّلِ وَالْخُشُوعِ الَّذِي يُرْجَى بِهِ الْإِغَاثَةُ (قَوْلُهُ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ) أَيْ: فَاللَّخْمِيُّ اخْتَارَ مَا عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ (قَوْلُهُ وَكَلَامِ اللَّخْمِيِّ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَسْأَلَةِ (قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ. . . إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ النَّظَرَ مُتَوَجِّهٌ إلَيْهِ سَوَاءٌ أَقَامَهَا بِمَحَلِّهِ أَوْ أَتَى لِلْمَحَلِّ الْمُحْتَاجِ وَهُوَ كَذَلِكَ، إلَّا أَنَّ الثَّانِيَ يُقَيَّدُ بِمَا إذَا لَمْ يَجِئْ إلَيْهِ مُنْتَقِلًا، وَأَمَّا إذَا جَاءَ إلَيْهِ مُنْتَقِلًا نَاوِيًا السُّكْنَى بِهِ فَيَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُهُمْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ عَلَى إقَامَتِهَا. . . إلَخْ) أَيْ: فَهِيَ لَا تَجُوزُ، أَوْ تُكْرَهُ.