للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَبْدُ عَلَى نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ الْقَطْعُ عَلَى الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِ غَرَامَةٍ عَلَى سَيِّدِهِ وَمَا قَرَّرْنَا عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ أَوْ أَقَرَّ السَّيِّدُ فِي الْغُرْمِ بِلَا قَطْعٍ، وَإِنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ، فَالْعَكْسُ هُوَ الَّذِي فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ غَازِيٍّ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَأَمَّا نُسْخَةُ أَوْ أَقَرَّ الْعَبْدُ فَالْغُرْمُ، فَفِيهَا نَظَرٌ

. (ص) وَوَجَبَ رَدُّ الْمَالِ إنْ لَمْ يُقْطَعْ مُطْلَقًا، أَوْ قُطِعَ إنْ أَيْسَرَ إلَيْهِ مِنْ الْأَخْذِ. (ش) يَعْنِي أَنَّ السَّارِقَ إذَا لَمْ يُقْطَعْ إمَّا لِعَدَمِ كَمَالِ النِّصَابِ الشَّاهِدِ عَلَيْهِ بِالسَّرِقَةِ، أَوْ لِعَدَمِ النِّصَابِ الْمَسْرُوقِ مِنْ الْحِرْزِ، أَوْ كَانَ نِصَابًا إلَّا أَنَّهُ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمَالَ الْمَسْرُوقَ يُرَدُّ لِرَبِّهِ سَوَاءٌ ذَهَبَ مِنْ السَّارِقِ أَمْ لَا كَانَ السَّارِقُ مَلِيئًا أَمْ لَا، وَيُحَاصِصُ رَبُّهُ غُرَمَاءَ السَّارِقِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَإِنْ قُطِعَ السَّارِقُ، فَإِنْ كَانَ مَلِيئًا مِنْ حِينِ السَّرِقَةِ إلَى يَوْمِ الْقَطْعِ، فَإِنَّ الْمَالَ يُؤْخَذُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْيَسَارَ الْمُتَّصِلَ كَالْمَالِ الْقَائِمِ بِعَيْنِهِ فَلَمْ يَجْتَمِعْ عَلَيْهِ عُقُوبَتَانِ، فَلَوْ وُجِدَ الْمَالُ الْمَسْرُوقُ بِعَيْنِهِ فَلِرَبِّهِ أَخْذُهُ بِإِجْمَاعٍ، وَلَيْسَ لِلسَّارِقِ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِهِ، وَيَدْفَعَ لِرَبِّهِ غَيْرَهُ أَمَّا لَوْ كَانَ السَّارِقُ عَدِيمًا حِينَ أَخَذَ الْمَالَ، أَوْ أُعْدِمَ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْمُدَّةِ لَسَقَطَ عَنْهُ الْغُرْمُ، لِئَلَّا يَجْتَمِعَ عَلَيْهِ عُقُوبَتَانِ قَطْعُ يَدِهِ وَاتِّبَاعُ ذِمَّتِهِ بِخِلَافِ الْيَسَارِ الْمُتَّصِلِ، فَقَوْلُهُ: وَوَجَبَ رَدُّ الْمَالِ أَيْ: غُرْمٌ مِثْلُ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ قَائِمًا بِعَيْنِهِ وَجَبَ رَدُّهُ بِإِجْمَاعٍ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ

. (ص) وَسَقَطَ الْحَدُّ إنْ سَقَطَ الْعُضْوُ بِسَمَاوِيٍّ لَا بِتَوْبَةٍ وَعَدَالَةٍ، وَإِنْ طَالَ زَمَانُهُمَا. (ش) يَعْنِي أَنَّ السَّارِقَ إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ فِي عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ، وَقَبْلَ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ سَقَطَ ذَلِكَ الْعُضْوُ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ، أَوْ بِتَعَمُّدِ أَجْنَبِيٍّ جَنَى عَلَيْهِ بَعْدَ ثُبُوتِ السَّرِقَةِ، فَإِنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ عَنْهُ، وَيَغْرَمُ الْمَالَ وَلَا يُقْتَصُّ مِنْ الْمُتَعَدِّي، فَقَوْلُهُ: بِسَمَاوِيٍّ أَيْ: أَوْ جِنَايَةٍ، أَوْ قِصَاصٍ مُتَأَخِّرَةٍ عَنْ السَّرِقَةِ، وَأَمَّا مُتَقَدِّمَةٍ عَلَيْهَا فَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ، وَيَنْتَقِلُ إلَى الْعُضْوِ الَّذِي يَلِيهِ فِي الْقَطْعِ فَإِذَا قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى بِسَمَاوِيٍّ، أَوْ جِنَايَةٍ، أَوْ قِصَاصٍ يَنْتَقِلُ لِرِجْلِهِ الْيُسْرَى، وَلَا يَسْقُطُ حَدُّ السَّرِقَةِ، وَالزِّنَا، وَالْقَذْفِ بِالتَّوْبَةِ وَلَا بِالْعَدَالَةِ، وَإِنْ طَالَ زَمَانُهُمَا، وَأَمَّا حَدُّ الْحِرَابَةِ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ، وَلَوْ حَذَفَ قَوْلَهُ: بِالتَّوْبَةِ مَا ضَرَّهُ إذْ يُعْلَمُ مِنْ عَدَمِ سُقُوطِهِ بِالْعَدَالَةِ عَدَمُ سُقُوطِهِ بِالتَّوْبَةِ، وَلَا بَأْسَ بِالشَّفَاعَةِ لِلسَّارِقِ إذَا لَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ أَذًى مَا لَمْ تَبْلُغْ الْإِمَامَ، وَأَمَّا الْمَعْرُوفُ بِالْفَسَادِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَشْفَعَ لَهُ أَحَدٌ

. (ص) وَتَدَاخَلَتْ إنْ اتَّحَدَ الْمُوجِبِ كَقَذْفٍ وَشُرْبٍ، وَإِلَّا تَكَرَّرَتْ. (ش) يَعْنِي أَنَّ الْحُدُودَ إذَا اتَّحَدَ مُوجِبُهَا فَإِنَّهَا تَتَدَاخَلُ، وَالْمُوجَبُ بِفَتْحِ الْجِيمِ هُوَ الْحَدُّ، وَبِكَسْرِهَا هُوَ شُرْبُ الْخَمْرِ أَوْ الزِّنَا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَالْمُرَادُ بِالِاتِّحَادِ الِاتِّفَاقُ فِي الْقَدْرِ الْوَاجِبِ كَالْقَذْفِ، وَالشُّرْبِ مَثَلًا فَإِنَّ الْوَاجِبَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا ثَمَانُونَ جَلْدَةً، فَإِذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا سَقَطَ عَنْهُ الْآخَرُ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ عِنْدَ إقَامَةِ الْحَدِّ إلَّا وَاحِدً فَقَطْ، ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ شَرِبَ، أَوْ قَذَفَ فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِمَا ضُرِبَ لَهُ عَمَّا ثَبَتَ، وَكَذَلِكَ لَوْ سَرَقَ، وَقَطَعَ يَمِينَ آخَرَ، فَحَدٌّ وَاحِدٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَكَرَّرَتْ السَّرِقَةُ، أَوْ الشُّرْبُ، وَكُلُّ حَدٍّ مَا عَدَا الْقَذْفَ يَدْخُلُ فِي الْقَتْلِ مِنْ الرِّدَّةِ، أَوْ الْقِصَاصِ، وَأَمَّا حَدُّ الْقَذْفِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ، ثُمَّ يُقْتَلُ كَمَا مَرَّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ

[بَاب الْحِرَابَةَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

. (بَابٌ) ذَكَرَ فِيهِ الْحِرَابَةَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَإِنَّمَا أَتَى بِهَا بَعْدَ السَّرِقَةِ؛ لِاشْتِرَاكِهَا مَعَ السَّرِقَةِ فِي بَعْضِ حُدُودِهَا فِي مُطْلَقِ الْقَطْعِ، وَأَخَّرَهَا عَنْ السَّرِقَةِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ: وَاتُّبِعَ كَالسَّارِقِ، فَيَكُونُ الْمُشَبَّهُ بِهِ مَعْلُومًا، وَحَدَّ ابْنُ عَرَفَةَ الْحِرَابَةَ فَقَالَ: الْخُرُوجُ لِإِخَافَةِ سَبِيلٍ لِأَخْذِ مَالٍ مُحْتَرَمٍ بِمُكَابَرَةِ قِتَالٍ، أَوْ خَوْفِهِ، أَوْ ذَهَابِ عَقْلٍ، أَوْ قَتْلِ خِفْيَةٍ، أَوْ

ــ

[حاشية العدوي]

هَذَا أَنَّ السَّيِّدَ يَغْرَمُهَا مِنْ مَالِ الْعَبْدِ وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْغُرْمُ مِنْ مَالِ السَّيِّدِ لَمَا اُحْتِيجَ إلَى حَلِفِ الطَّالِبِ (قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ غَرَامَةٍ عَلَى سَيِّدِهِ) الْحَاصِلُ أَنَّ مَحَلَّ قَطْعِ الْعَبْدِ حَيْثُ أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ إذَا عَيَّنَهَا وَلَمْ يَدَّعِ السَّيِّدُ أَنَّهَا لَهُ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهَا فَلَا قَطْعَ وَكَذَا إنْ عَيَّنَهَا وَادَّعَاهَا السَّيِّدُ إلَّا أَنَّ هَذَا فِي غَيْرِ الْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ وَأَمَّا هُمَا فَيُقْطَعَانِ وَلَوْ ادَّعَى السَّيِّدُ أَنَّ مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ السَّرِقَةِ لَهُ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ شَاهِدٌ أَوْ وُجِدَ شَاهِدٌ وَلَمْ يَحْلِفْ مَعَهُ الْمُدَّعِي أَمَّا لَوْ كَانَ شَاهِدٌ وَحَلَفَ الْمُدَّعِي فَيَثْبُتُ الْغُرْمُ كَمَا يَثْبُتُ الْقَطْعُ

. (قَوْلُهُ: وَرَدَّ الْمَالَ إلَخْ) الْمُرَادُ بِالرَّدِّ الْغُرْمُ أَيْ غُرْمُ مِثْلِهِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ قَائِمًا بِعَيْنِهِ وَجَبَ رَدُّهُ بِإِجْمَاعٍ فَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقُولَ وَوَجَبَ غُرْمُ الْمَالِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ قَائِمًا لَا تَفْصِيلَ فِيهِ. (قَوْلُهُ: إنْ أَيْسَرَ) أَيْ اسْتَمَرَّ يَسَارُهُ بِالْمَسْرُوقِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ

. (قَوْلُهُ: لَا بِتَوْبَةٍ) أَيْ لِأَنَّ السَّارِقَ بِمَثَابَةِ الزِّنْدِيقِ فَلَا تَمْنَعُ تَوْبَتُهُ الْحَدَّ وَالْمُحَارِبُ بِمَثَابَةِ الْمُتَجَاهِرِ بِالْكُفْرِ فَتُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَهَذَا فَرْقٌ فِي الْجُمْلَةِ لِأَنَّ الزِّنْدِيقَ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ حَذَفَ إلَخْ) رُدَّ ذَلِكَ بِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي التَّوْبَةِ مَا لَا يُعْتَبَرُ فِي الْعَدَالَةِ وَيُعْتَبَرُ فِي الْعَدَالَةِ مَا لَا يُعْتَبَرُ فِي التَّوْبَةِ فَلَا يُغْنِي أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ

(بَابُ الْحِرَابَةِ) . (قَوْلُهُ: ذَكَرَ فِيهِ الْحِرَابَةَ) أَيْ حَدَّ الْحِرَابَةِ أَيْ ضِمْنًا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إنَّمَا حُدَّ الْمُحَارِبُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ حَدُّ الْحِرَابَةِ بِأَنَّهَا قَطْعُ طَرِيقٍ إلَخْ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا أَتَى بِهَا بَعْدَ السَّرِقَةِ) لَمْ يُرِدْ بِالْبَعْدِيَّةِ حَقِيقَتَهَا وَإِلَّا لَتَكَرَّرَ مَعَ قَوْلِهِ وَأَخَّرَهَا بَلْ أَرَادَ بِهَا الْجَمْعِيَّةَ. (قَوْلُهُ: فِي مُطْلَقِ الْقَطْعِ فِي) بِمَعْنَى مِنْ أَيْ مِنْ مُطْلَقِ الْقَطْعِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَطْعَ فِي السَّرِقَةِ عُضْوٌ وَاحِدٌ وَفِي الْحِرَابَةِ قَطْعُ عُضْوَيْنِ. (قَوْلُهُ: لِإِخَافَةِ السَّبِيلِ) أَيْ الْإِخَافَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَيْسَ السَّبِيلُ الَّذِي هُوَ الطَّرِيقُ يَكُونُ خَائِفًا. (قَوْلُهُ: لِأَخْذِ مَالٍ مُحْتَرَمٍ) مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ خَرَجَ الْحَرْبِيُّ وَقَوْلُهُ مُحْتَرَمٍ صِفَةٌ لِمَالٍ. (قَوْلُهُ: بِمُكَابَرَةِ قِتَالٍ) أَيْ بِسَبَبِ مُكَابَرَةِ قِتَالٍ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُكَابَرَةَ الْمُغَالَبَةُ وَالْمُعَانَدَةُ أَيْ مُغَالَبَةٌ بِسَبَبِ قِتَالٍ كَذَا مُقْتَضَى مَا قَالَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ وَفِي بَعْضِ التَّقَارِيرِ أَنَّ الْإِضَافَةَ بَيَانِيَّةٌ وَقَوْلُهُ أَوْ خَوْفِهِ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِمُكَابَرَةِ قِتَالٍ وَالْمَعْنَى لِأَخْذِ مَالٍ مُحْتَرَمٍ بِسَبَبِ مُكَابَرَةِ قِتَالٍ أَوْ بِسَبَبِ خَوْفِ الْقِتَالِ وَقَوْلُهُ أَوْ إذْهَابُ عَقْلٍ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ الْخُرُوجُ وَقَوْلُهُ أَوْ قَتْلُ خِفْيَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>