للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَاقِيًا أَمْ لَا وَسَوَاءٌ جَاءَ الْمُحَارِبُ تَائِبًا أَمْ لَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إنَّمَا تَقَوَّى بِأَصْحَابِهِ، فَكَانُوا كَالْحُمَلَاءِ، وَكَذَا اللُّصُوصُ وَالْغُصَّابُ وَالْبُغَاةُ، وَإِذَا أُقِيمَ عَلَى الْمُحَارِبِ حَدٌّ مِنْ حُدُودِهِ، فَيُتْبَعُ بِمَا أَخَذَ بِشَرْطِ الْإِيسَارِ مَعَ الْحِرَابَةِ إلَى إقَامَةِ الْحَدِّ، وَإِنْ لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ حَدُّهَا بِأَنْ جَاءَ تَائِبًا قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ اُتُّبِعَ مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ فِي السَّارِقِ

. (ص) وَدَفَعَ مَا بِأَيْدِيهِمْ لِمَنْ طَلَبَهُ بَعْدَ الِاسْتِينَاءِ وَالْيَمِينِ، أَوْ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ مِنْ الرِّفْقَةِ. (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ وَجَدَ فِي أَيْدِي الْمُحَارِبِينَ مَالًا، وَادَّعَى أَنَّهُمْ أَخَذُوهُ مِنْهُ، فَإِنْ أَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً شَرْعِيَّةً أَخَذَهُ، وَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً عَلَى مَا ادَّعَاهُ فَإِنْ وَصَفَهُ كَمَا تُوصَفُ اللُّقَطَةُ أَخَذَهُ لَكِنْ بَعْدَ الِاسْتِينَاءِ لَعَلَّ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدٌ بِأَثْبَتَ مِنْ ذَلِكَ، وَبَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ الطَّالِبُ الْيَمِينَ الشَّرْعِيَّةَ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ حَمِيلٌ، وَلَكِنْ يُضَمِّنُهُمْ الْإِمَامُ إيَّاهَا إنْ جَاءَ لِذَلِكَ طَالِبٌ، وَيُشْهِدُ عَلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ يَدْفَعُ الْمَالَ الَّذِي فِي أَيْدِي الْمُحَارِبِينَ إذَا ادَّعَاهُ شَخْصٌ، وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ شَاهِدَيْنِ مِنْ الرِّفْقَةِ، وَكَانَا عَدْلَيْنِ، فَشَهِدَا عَلَى مَنْ حَارَبَهُمْ، فَإِنَّ الْمَالَ يُدْفَعُ لِلطَّالِبِ بِذَلِكَ، وَبِذَلِكَ تَنْفُذُ شَهَادَتُهُمَا عَلَى مَنْ حَارَبَهُمَا بِقَتْلٍ إذْ لَا سَبِيلَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَتَجُوزُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ مَا لَمْ يَشْهَدْ الْعَدْلُ لِأَبِيهِ مَثَلًا، فَلَا تُقْبَلُ، وَمِنْ بَابِ أَوْلَى إذَا شَهِدَ لِنَفْسِهِ، وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ: (لَا لِأَنْفُسِهِمَا) مَعَ قَوْلِهِ: أَوْ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ إذْ مَا يَصْدُرُ مِنْهُمَا لِأَنْفُسِهِمَا لَيْسَ بِشَهَادَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ دَعْوَى

. (ص) وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ لِمُشْتَهِرٍ بِهَا ثَبَتَتْ وَإِنْ لَمْ يُعَايِنَاهَا. (ش) يَعْنِي أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا اشْتَهَرَ بِالْحِرَابَةِ فَشَهِدَ عَلَيْهِ اثْنَانِ يَعْرِفَانِهِ بِعَيْنِهِ أَنَّهُ فُلَانٌ الْمُشْتَهِرُ بِهَا، فَإِنَّ الْإِمَامَ يُقِيمُ عَلَيْهِ حَدَّهُمَا بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ، وَيَقْتُلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدَا بِمُعَايَنَةِ الْقَتْلِ، أَوْ السَّلْبِ، أَوْ قَطْعِ الطَّرِيقِ، فَقَوْلُهُ: ثَبَتَتْ أَيْ: الْحِرَابَةُ أَيْ: حُكْمُهَا

. (ص) وَسَقَطَ حَدُّهَا بِإِتْيَانِ الْإِمَامِ طَائِعًا، أَوْ تَرْكِ مَا هُوَ عَلَيْهِ. (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمُحَارِبَ إذَا جَاءَ تَائِبًا لِلْإِمَامِ قَبْلَ أَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ، أَوْ تَرَكَ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ الْحِرَابَةِ بِأَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ، فَإِنَّ حَدَّ الْحِرَابَةِ يَسْقُطُ عَنْهُ مَا عَدَا حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ، فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ كَمَا مَرَّ، وَأَمَّا إنْ تَابَ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ شَيْءٌ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ، وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ إقْرَارَهُ لَيْسَ بِتَوْبَةٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَمَّنَ الْمُحَارِبُ إنْ سَأَلَ الْأَمَانَ بِخِلَافِ الْمُشْرِكِ؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكَ يُقِرُّ إذَا أَمِنَ عَلَى حَالِهِ، وَبِيَدِهِ أَمْوَالُ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَجُوزُ تَأْمِينُ الْمُحَارِبِ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا أَمَانَ لَهُ مُحَمَّدٌ وَإِذَا امْتَنَعَ الْمُحَارِبُ بِنَفْسِهِ حَتَّى أُعْطِيَ الْأَمَانَ، فَاخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ: يَتِمُّ لَهُ ذَلِكَ، وَقِيلَ: لَا، قَالَهُ أَصْبَغُ امْتَنَعَ فِي حِصْنٍ، أَوْ مَرْكَبٍ، أَوْ غَيْرِهِ أَمَّنَهُ السُّلْطَانُ، أَوْ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى

. (بَابٌ) ذَكَرَ فِيهِ حَدَّ الشَّارِبِ وَأَشْيَاءَ تُوجِبُ الضَّمَانَ وَدَفْعَ الصَّائِلِ. وَحَدَّ ابْنُ عَرَفَةَ الشُّرْبَ بِقَوْلِهِ: شُرْبُ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ مَا يُسْكِرُ مُخْتَارًا لَا لِضَرُورَةٍ وَلَا عُذْرٍ وَلَا حَدَّ عَلَى مُكْرَهٍ وَلَا ذِي غُصَّةٍ، وَإِنْ حُرِّمَتْ إنْ قِيلَ: كَيْفَ صَحَّ جَعْلُ الشُّرْبِ جِنْسًا لِلشُّرْبِ مَعَ أَنَّ الْمَحْدُودَ الشُّرْبُ، فَلَوْ قَالَ لَفْظًا غَيْرَهُ لَكَانَ أَوْلَى؟ . قُلْت: لَعَلَّهُ رَأَى أَنَّ الشُّرْبَ الْمُطْلَقَ مَعْلُومٌ، وَإِنَّمَا الْمَحْدُودُ الشُّرْبُ الْمُقَيَّدُ، فَقَوْلُهُ: لَا لِضَرُورَةٍ أَخْرَجَ بِهِ صَاحِبَ الْغُصَّةِ أَيْ: إذَا لَمْ يَجِدْ مَاءً قَوْلُهُ: وَلَا لِعُذْرٍ أَخْرَجَ بِهِ الْغَالِطَ وَالْجَاهِلَ عِنْدَ ابْنِ وَهْبٍ خِلَافًا لِقَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ: (ص) بِشُرْبِ الْمُسْلِمِ الْمُكَلَّفِ

ــ

[حاشية العدوي]

(قَوْلُهُ: رَجُلَيْنِ) يُشْعِرُ بِعَدَمِ الْعَمَلِ بِشَهَادَةِ عَدْلٍ وَامْرَأَتَيْنِ لِغَيْرِهِمَا بِشَيْءٍ وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ إذْ يَثْبُتُ بِذَلِكَ الْمَالُ دُونَ الْحِرَابَةِ وَكَذَا الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ فَلَعَلَّهُ احْتَرَزَ عَنْ الْوَاحِدِ دُونَ يَمِينٍ. (قَوْلُهُ: وَلَكِنْ يَضْمَنُهُمْ) أَيْ يَضْمَنُ الْآخِذِينَ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى مَعَ الِاسْتِينَاءِ. (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَشْهَدْ الْعَدْلُ لِأَبِيهِ مَثَلًا) دَخَلَ تَحْتَ مَثَلًا أُمُّهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُمَا لَا يَشْهَدَانِ لِأَصْلِهِمَا وَلَا لِفَرْعِهِمَا وَكَذَا الْعَبْدُ الشَّاهِدُ مُكَاتَبًا أَمْ لَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ شَهَادَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا لِزَوْجِ أَصْلِهِ أَوْ فَرْعِهِ. (قَوْلُهُ: لَا لِأَنْفُسِهِمَا) أَيْ وَلَوْ مَعَ غَيْرِهِمَا وَلَوْ بِقَلِيلٍ لَهُمَا وَبِكَثِيرٍ لِغَيْرِهِمَا وَتَبْطُلُ عَلَى الْجَمِيعِ

. (قَوْلُهُ: وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ إلَخْ) وَمِثْلُ ذَلِكَ لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّ فُلَانًا اُشْتُهِرَ بِالْحِرَابَةِ وَهُوَ مُعَيَّنٌ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَحِرْفَتِهِ مَثَلًا ثُمَّ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ هُوَ هَذَا وَلَمْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ مُشْتَهِرٌ بِالْحِرَابَةِ وَلَا عَرَفُوا ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ بِشَهَادَتِهِمْ. (قَوْلُهُ: أَيْ حُكْمُهَا إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ ثُمَّ أَقُولُ لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ لِأَنَّهُ مَتَى ثَبَتَتْ الْحِرَابَةُ يَعْمَلُ الْحَاكِمُ بِمُقْتَضَاهُ مِنْ قَطْعٍ أَوْ غَيْرِهِ

. (قَوْلُهُ: بِإِتْيَانِ الْإِمَامِ طَائِعًا) أَيْ قَبْلَ الظَّفَرِ بِهِ جَاءَ تَائِبًا أَمْ لَا. (قَوْلُهُ: أَوْ تَرَكَ مَا هُوَ عَلَيْهِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ الْإِمَامَ. (قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ) أَيْ وَيُسْتَوْفَى مِنْهُ. (قَوْلُهُ: وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ إلَخْ) حَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ أَوْ تَرَكَ إلَخْ مَعْنَاهُ ظَهَرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِالتَّرْكِ وَلَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ تَأْمِينُ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ لِلْمُقَابَلَةِ أَنْ يَقُولَ بِخِلَافِ الْمُحَارِبِ لَا يُقِرُّ إذَا أُمِّنَ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ امْتَنَعَ الْمُحَارِبُ إلَخْ) أَيْ مِنْ غَيْرِ إلْقَاءِ سِلَاحٍ وَإِلَّا فَيَكُونُ عَيْنَ الْمُصَنِّفِ. (قَوْلُهُ: قَالَهُ أَصْبَغُ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَقِيلَ لَا فَقَطْ يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ امْتَنَعَ إلَخْ مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَإِنْ امْتَنَعَ الْمُحَارِبُ إلَخْ.

(تَنْبِيهٌ) : اُسْتُشْكِلَ التَّفْرِيقُ بَيْنَ حَدِّ السَّرِقَةِ وَحَدِّ الْحِرَابَةِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ لَا يَسْقُطُ بِتَوْبَتِهِ وَعَدَالَتِهِ وَالثَّانِي يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ وَالْجَوَابُ أَنَّ اللَّهَ قَالَ فِي الثَّانِي {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: ٣٤] وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ

[بَاب حَدَّ الشَّارِبِ وَأَشْيَاءَ تُوجِبُ الضَّمَانَ وَدَفْعَ الصَّائِلِ]

(بَابُ الشُّرْبِ) . (قَوْلُهُ: وَدَفْعَ الصَّائِلِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ حَدَّ الشَّارِبِ أَيْ ذَكَرَ فِيهِ دَفْعَ الصَّائِلِ أَيْ جَوَازَ دَفْعِ الصَّائِلِ. (قَوْلُهُ: وَالْجَاهِلُ) أَيْ بِالتَّحْرِيمِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْجَاهِلَ بِالتَّحْرِيمِ أَنَّ مَالِكًا وَأَصْحَابَهُ إلَّا ابْنَ وَهْبٍ قَائِلُونَ بِوُجُوبِ الْحَدِّ قَالَ مَالِكٌ وَقَدْ ظَهَرَ الْإِسْلَامُ وَفَشَا فَلَا يُعْذَرُ جَاهِلٌ بِشَيْءٍ مِنْ الْحُدُودِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ أَوْ الْحُرْمَةَ أَيْ أَوْ جَهِلَ الْحُرْمَةَ لِكَوْنِهِ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ وَأَمَّا الْعَالِمُ بِالتَّحْرِيمِ فَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ حَدِّهِ.

(قَوْلُهُ: بِشُرْبِ) أَيْ بِسَبَبِ وُصُولٍ مِنْ فَمٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>