كَانَتْ قِيمَةُ السِّلْعَةِ فِي الْبَيْعِ الثَّانِي قَدْرَ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ كَعَشْرَةٍ، أَوْ دُونَهُ كَثَمَانِيَةٍ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ كَاثْنَيْ عَشَرَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَشَهَّرَهُ ابْنُ شَاسٍ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا ارْتَبَطَا صَارَا فِي مَعْنَى الْعَقْدِ الْوَاحِدِ، أَوْ مَحَلِّ فَسْخِ الْأَوَّلِ حَيْثُ كَانَتْ الْقِيمَةُ الَّتِي لَزِمَتْ الْبَائِعَ الْأَوَّلَ فِي الشِّرَاءِ الثَّانِي يَوْمَ قَبْضِهِ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ بِأَنْ تَكُونَ ثَمَانِيَةً مَثَلًا لَا عَشْرَةً، أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ؛ لِأَنَّا، إنْ لَمْ نَفْسَخْ الْأَوَّلَ حِينَئِذٍ يَلْزَمُ دَفْعُ الْقِيمَةِ مُعَجَّلًا وَهِيَ أَقَلُّ وَيَأْخُذُ عَنْهُ عِنْدَ الْأَجَلِ أَكْثَرَ فَهُوَ عَيْنُ الْفَسَادِ الَّذِي مَنَعْنَا مِنْهُ ابْتِدَاءً بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَفُتْ، أَوْ فَاتَتْ وَكَانَتْ الْقِيمَةُ مُسَاوِيَةً لِلثَّمَنِ الْأَوَّلِ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ فَإِنَّا إذَا فَسَخْنَا الثَّانِيَةَ وَدَفَعْنَا الْقِيمَةَ عَشْرَةً، أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ وَبَقِيَتْ الْأُولَى عَلَى حَالِهَا فَلَا مَحْذُورَ فِيهِ؛ لِأَنَّا نَدْفَعُ عَشْرَةً، أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ وَنَأْخُذُ عَشْرَةً وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَعَبَّرَ عَنْهُ بَعْضُهُمْ بِالْمَشْهُورِ خِلَافٌ فِي التَّشْهِيرِ وَقَيَّدْنَا فَوَاتَهَا بِيَدِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي إذْ لَوْ فَاتَتْ بِيَدِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ لَفُسِخَتْ الثَّانِيَةُ فَقَطْ وَاخْتَارَهُ الْبَاجِيُّ قَالَ: وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا. اهـ. ثُمَّ لَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي لِعَدَمِ وُصُولِ السِّلْعَةِ بِيَدِهِ وَإِنَّمَا لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ الثَّمَنُ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ فَقَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَفُوتَ الثَّانِي أَيْ: مَبِيعُ الثَّانِي أَيْ: مَبِيعُ الْبَيْعِ الثَّانِي فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَفُوتُ إنَّمَا هُوَ الْمَبِيعُ لَا الْبَيْعُ.
وَلَمَّا جَرَتْ عَادَةُ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ بِتَذْيِيلِ بُيُوعِ الْآجَالِ بِمَا يُعْرَفُ عِنْدَهُمْ بِبَيْعِ أَهْلِ الْعِينَةِ لِلْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُمَا فِي التَّحَيُّلِ عَلَى دَفْعِ قَلِيلٍ فِي كَثِيرٍ، وَعَرَّفَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهُ الْبَيْعُ الْمُتَحَيَّلُ بِهِ إلَى دَفْعِ عَيْنٍ فِي أَكْثَرَ مِنْهَا اهـ. مِثَالُهُ إذَا بَاعَ سِلْعَةً بِعَشَرَةٍ إلَى شَهْرٍ ثُمَّ اشْتَرَى السِّلْعَةَ بِخَمْسَةٍ نَقْدًا فَإِنَّ السِّلْعَةَ رَجَعَتْ إلَى يَدِ صَاحِبِهَا، وَدَفَعَ خَمْسَةً يَأْخُذُ عَنْهَا عَشَرَةً عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَصَدَقَ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ، وَمَا شَابَهَهَا أَنَّ فِيهَا بَيْعًا مُتَحَيَّلًا بِهِ إلَى دَفْعِ عَيْنٍ فِي أَكْثَرَ مِنْهَا، وَالْمُرَادُ هُنَا بِالْبَيْعِ جِنْسُهُ لِأَنَّ التَّحَيُّلَ وَقَعَ مِنْ بَيْعَتَيْنِ. اهـ.
وَأَصْلُ عِينَةٍ عِوْنَةٌ بِكَسْرِ الْعَيْنِ مِنْ الْمُعَاوَنَةِ قُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً لِسُكُونِهَا وَانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا سُمِّيَتْ تِلْكَ الْبِيَاعَاتُ بِذَلِكَ لِاسْتِعَانَةِ الْبَائِعِ بِالْمُشْتَرِي عَلَى تَحْصِيلِ غَرَضِهِ أَوْ لِحُصُولِ الْعَيْنِ، وَهُوَ النَّقْدُ لِبَائِعِهَا، وَقَدْ بَاعَهَا بِتَأْخِيرِ قَوْلِهِ لِاسْتِعَانَةِ الْبَائِعِ الْمُرَادُ بِالْبَائِعِ هُوَ الثَّانِي الَّذِي طُلِبَتْ مِنْهُ السِّلْعَةُ، وَالْمُشْتَرِي هُوَ الطَّالِبُ، وَالْمُرَادُ بِتَحْصِيلِ غَرَضِهِ هُوَ الرِّبْحُ فِيهَا، وَسَمَّاهُ بَائِعًا بِاعْتِبَارِ الْمَآلِ، وَإِلَّا فَهُوَ الْآنَ لَمْ يَبِعْ سَلَكَ الْمُؤَلِّفُ مَسْلَكَهُمْ فَقَالَ (فَصْلٌ) جَازَ لِمَطْلُوبٍ مِنْهُ سِلْعَةٌ أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِيَبِيعَهَا بِثَمَنٍ، وَلَوْ بِمُؤَجَّلٍ بَعْضُهُ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ طُلِبَتْ مِنْهُ سِلْعَةٌ لَيْسَتْ عِنْدَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْعِينَةِ، وَلَوْ بِثَمَنٍ بَعْضُهُ مُعَجَّلٌ، وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلٌ لِيَبِيعَهَا لِمَنْ طَلَبَهَا مِنْهُ بِمُعَجَّلٍ أَوْ بِمُؤَجَّلٍ عَلَى ظَاهِرِ الْكِتَابِ وَالْأُمَّهَاتِ، وَكَرِهَهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ خُذْهَا بِعْ مِنْهَا حَاجَتَك، وَالْبَاقِي لَك بِبَقِيَّةِ الثَّمَنِ لِلْأَجَلِ، وَالْغَالِبُ
ــ
[حاشية العدوي]
الْبَاءُ بِمَعْنَى اللَّامِ أَيْ: وَلِلْقِيَاسِ
(قَوْلُهُ: إذْ لَوْ فَاتَتْ بِيَدِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ) فَإِنْ قُلْت لَمْ اُعْتُبِرَ سَرَيَانُ الْفَسَادِ فِي فَوَاتِهِ بِيَدِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي وَلَمْ يُعْتَبَرْ فِي فَوَاتِهِ بِيَدِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ قُلْت؛ لِأَنَّهَا فِي فَوَاتِهِ بِيَدِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي وَهُوَ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ قَبْضٌ فَقَوِيَ بِذَلِكَ وَإِذَا فَاتَ بِيَدِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ لَمْ يَحْصُلْ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ قَبْضٌ فَضَعُفَ وَلَمْ يَرْجِعْ لِلْقِيمَةِ عَلَى قَاعِدَةِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لِإِمْكَانِ أَنْ تَكُونَ أَقَلَّ فَيَلْزَمُ دَفْعُ قَلِيلٍ فِي كَثِيرٍ وَلَا يُرَاعَى كَوْنُهُ جِدًّا
[بَيْعِ أَهْلِ الْعِينَةِ]
(قَوْلُهُ لِلْمُنَاسَبَةِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُنَاسَبَةَ إنَّمَا تَقْتَضِي اجْتِمَاعَهُمَا الصَّادِقَ بِتَذْيِيلِ هَذَا لِهَذَا أَوْ بِالْعَكْسِ لَا لِتَذْيِيلِ بَيْعِ الْعِينَةِ بِالْخُصُوصِ (قَوْلُهُ بِأَنَّهُ الْبَيْعُ الْمُتَحَيَّلُ بِهِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ يَصْدُقُ بِبُيُوعِ الْآجَالِ فَلَا يَكُونُ التَّعْرِيفُ مَانِعًا (قَوْلُهُ مِثَالُهُ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مِثَالٌ مِنْ بُيُوعِ الْآجَالِ فَالتَّعْرِيفُ غَيْرُ مَانِعٍ (قَوْلُهُ: وَقَدْ بَاعَهَا بِتَأْخِيرٍ) أَيْ اشْتَرَاهَا بِتَأْخِيرٍ أَيْ أَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ اشْتَرَاهَا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، وَقَدْ بَاعَهَا بِنَقْدٍ غَيْرَ أَنَّ هَذَا لَا يَظْهَرُ لِأَنَّ شِرَاءَ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ مِنْ صَاحِبِهِ لَا يُنْظَرُ لَهُ إنَّمَا الَّذِي يُنْظَرُ لَهُ كَمَا يَأْتِي أَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ بِبَيْعِهَا لِلطَّالِبِ بِثَمَنٍ بَعْضُهُ مُؤَجَّلٌ، وَبَعْضُهُ مُعَجَّلٌ كَمَا هُوَ التَّحْقِيقُ خِلَافًا لِلشَّارِحِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا التَّوْجِيهَ لِعِيَاضٍ، وَلَمْ يَظْهَرْ وَجْهُهُ.
(فَصْلٌ) جَازَ لِمَطْلُوبٍ إلَخْ (قَوْلُهُ لِيَبِيعَهَا) أَيْ عَلَى قَصْدِ أَنْ يَبِيعَهَا، وَقَوْلُهُ بِمَالٍ نَقْدًا أَوْ نَسِيئَةً، وَذَلِكَ بِأَنْ يَمُرَّ الرَّجُلُ بِغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِينَةِ فَيَقُولَ لَهُ هَلْ عِنْدَك سِلْعَةُ كَذَا أَبْتَاعُهَا فَيَقُولُ لَهُ لَا فَيَذْهَبُ مِنْ عِنْدِهِ مِنْ غَيْرِ مُرَاوَضَةٍ وَلَا رَأْيٍ أَيْ إفْهَامٍ، وَلَا عَادَةٍ فَيَشْتَرِيهَا ثُمَّ يَلْقَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيُخْبِرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِيَبِيعَهَا لَهُ بِمَا شَاءَ، وَقَوْلُهُ بِثَمَنٍ إلَخْ لَيْسَ لِذَلِكَ ثَمَرَةٌ إلَّا تَرَتُّبَ الْمُبَالَغَةِ فِي قَوْلِهِ، وَلَوْ بِمُؤَجَّلٍ بَعْضُهُ، وَكَذَا نُسْخَةُ بِمَالٍ، وَإِلَّا فَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ كُلَّ مَنْ بَاعَ إنَّمَا يَبِيعُ بِمَالٍ أَوْ ثَمَنٍ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِنَمَاءٍ أَيْ بِزِيَادَةٍ، وَهِيَ أَحْسَنُ فَإِنَّ هَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْعِينَةِ لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَيْهَا تَشْتِيتُ الضَّمِيرِ الْوَاقِعِ فِي قَوْلِهِ، وَلَوْ بِمُؤَجَّلٍ بَعْضُهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِمُؤَجَّلٍ بَعْضُهُ) أَشَارَ بِهِ لِمَا ذَكَرَهُ عِيَاضٌ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْعِينَةِ بِثَمَنٍ بَعْضُهُ مُؤَجَّلٌ، وَبَعْضُهُ مُعَجَّلٌ عَلَى أَنْ يَبِيعَهَا لِحَاجَتِهِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ عَلَى ظَاهِرِ مَسَائِلِ الْكِتَابِ وَالْأُمَّهَاتِ، وَكَرِهَهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ.
(قَوْلُهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْعِينَةِ إلَخْ) رُدَّ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ شِرَاءُ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِينَةِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي فَرْضِهَا شِرَاءُ الطَّالِبِ مِنْ أَهْلِ الْعِينَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَرَكَ قَيْدًا مِنْ الْمَسْأَلَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَهَا بِثَمَنٍ بَعْضُهُ مُؤَجَّلٌ اشْتَرَاهَا لِيَبِيعَهَا لِحَاجَتِهِ، وَدَخَلَ مَعَ الْبَائِعِ عَلَى ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ تَرَكَهُ ابْنُ شَاسٍ، وَفِي التَّنْبِيهَاتِ مَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِهِ (قَوْلُهُ بِمُعَجَّلٍ أَوْ مُؤَجَّلٍ) أَيْ أَوْ بَعْضُهُ مُعَجَّلٍ، وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ) أَيْ أَنَّ الْبَائِعَ الْأَصْلِيَّ الَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ يَقُولُ لِلْمَطْلُوبِ مِنْهُ: خُذْ بِعْ مِنْهُ لِحَاجَتِك أَيْ بِعْ مِنْهَا مَا تُرِيدُ أَنْ تَنْقُدَنِي، وَمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute