النَّقْلَ مِنْ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَأْتِيَ بِأَزْيَدَ إنْ كَانَ لَهُ بَالٌ سَوَاءٌ قَصَدَ التَّفَضُّلَ أَمْ لَا وَوَسَّعَ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَيْ رَخَّصَ وَبِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ وُسِّعَ لَهُ فِي الشَّرْعِ وَهَذَا أَحْسَنُ.
(بَابٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَحْكَامِ الْمُسَاقَاةِ صِحَّةً وَفَسَادًا) وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ سَقْيِ الثَّمَرَةِ إذْ هُوَ مُعْظَمُ عَمَلِهَا وَأَصْلُ مَنْفَعَتِهَا وَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ أُصُولٍ أَرْبَعَةٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ. الْأَوَّلُ الْإِجَارَةُ بِالْمَجْهُولِ. الثَّانِي كِرَاءُ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا. الثَّالِثُ بَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا بَدَلَ قَبْلَ وُجُودِهَا. الرَّابِعُ الْغَرَرُ لِأَنَّ الْعَامِلَ لَا يَدْرِي أَتَسْلَمُ الثَّمَرَةَ أَمْ لَا وَعَلَى تَقْدِيرِ سَلَامَتِهَا لَا يَدْرِي كَيْفَ يَكُونُ مِقْدَارُهَا وَالْأَصْلُ فِيهَا «مُعَامَلَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ خَيْبَرَ» وَلِدَاعِيَةِ الضَّرُورَةِ إلَى ذَلِكَ، وَلَفْظُهَا مُفَاعَلَةٌ إمَّا مِنْ الْمُفَاعَلَةِ الَّتِي تَكُونُ مِنْ الْوَاحِدِ وَهُوَ قَلِيلٌ نَحْوُ سَافَرَ وَعَافَاهُ اللَّهُ، أَوْ يُلَاحَظُ الْعَقْدُ وَهُوَ مِنْهُمَا فَيَكُونُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْمُتَعَلَّقِ بِالْفَتْحِ وَهُوَ الْمُسَاقَاةُ عَنْ الْمُتَعَلِّقِ بِالْكَسْرِ وَهُوَ الْعَقْدُ وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ اثْنَيْنِ وَإِلَّا فَهَذِهِ الصِّيغَةُ تَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَامِلِ وَالْمَالِكِ يَسْقِي لِصَاحِبِهِ كَالْمُضَارَبَةِ وَالْمُقَاتَلَةِ وَنَحْوِهِمَا، وَقَدْ عَرَّفَ ابْنُ عَرَفَةَ حَقِيقَتَهَا الْعُرْفِيَّةَ فَقَالَ هِيَ عَقْدٌ عَلَى عَمَلِ مُؤْنَةِ النَّبَاتِ بِقَدْرٍ لَا مِنْ غَيْرِ غَلَّتِهِ لَا بِلَفْظِ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ جُعْلٍ فَيَدْخُلُ قَوْلُهَا لَا بَأْسَ بِالْمُسَاقَاةِ عَلَى أَنَّ كُلَّ ثَمَرَةٍ لِلْعَامِلِ وَمُسَاقَاةُ الْبَعْلِ انْتَهَى وَيَبْطُلُ طَرْدُهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِالْعَقْدِ عَلَيْهَا بِلَفْظِ عَامَلْتُكَ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُسَاقَاةٍ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَوْلُهُ لَا مِنْ غَيْرِ غَلَّتِهِ يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ الْقَدْرُ كُلَّ الثَّمَرَةِ أَوْ بَعْضَهَا فَلِذَا قَالَ فَيَدْخُلُ إلَخْ بِخِلَافِ لَوْ قَالَ بِقَدْرٍ مِنْ غَلَّتِهِ لَمْ تَدْخُلْ صُورَةُ مَا إذَا جَعَلَ كُلَّ الثَّمَرَةِ لِلْعَامِلِ فِي التَّعْرِيفِ
وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ مُتَعَلَّقُ الْعَقْدِ وَهِيَ الْأَشْجَارُ وَسَائِرُ الْأُصُولِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الشُّرُوطِ الْآتِي بَيَانُهَا. الثَّانِي الْجُزْءُ الْمُشْتَرَطُ لِلْعَامِلِ مِنْ الثَّمَرَةِ. الثَّالِثُ الْعَمَلُ. الرَّابِعُ مَا تَنْعَقِدُ بِهِ وَهِيَ الصِّيغَةُ وَإِنَّمَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْمُسَاقَاةِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَوْلُ سَحْنُونَ وَاخْتَارَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ شَاسٍ وَابْنُ عَرَفَةَ أَنَّهَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ سَاقَيْتُ وَعَامَلْتُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمُسَاقَاةُ جَائِزَةٌ لَازِمَةٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَمَصَبُّ الْحَصْرِ فِي قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ (ص) إنَّمَا تَصِحُّ مُسَاقَاةُ شَجَرٍ (ش) وَيَنْدَرِجُ فِيهِ النَّخْلُ، قَوْلُهُ ذِي ثَمَرٍ إلَخْ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُنْصَبًّا عَلَى شَجَرٍ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي لِلْمُؤَلِّفِ أَنَّ الْمُسَاقَاةَ تَصِحُّ فِي غَيْرِهِ مِنْ زَرْعٍ وَغَيْرِهِ كَالْوَرْدِ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَصَبُّهُ بِسَاقَيْتُ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِتَصِحُّ أَيْ إنَّمَا تَصِحُّ بِسَاقَيْتُ لَكِنْ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَوْلُهُ (وَإِنْ بَعْلًا) مُبَالَغَةٌ فِي جَوَازِ مُسَاقَاةِ الشَّجَرِ لِأَنَّ مَا فِيهِ مِنْ الْمُؤَنِ وَالْكُلْفَةِ يَقُومُ مَقَامَ السَّقْيِ، وَالْبَعْلُ هُوَ الَّذِي لَا سَقْيَ فِيهِ بَلْ يُسْقَى
ــ
[حاشية العدوي]
لَهُ بَالٌ (قَوْلُهُ وَهَذَا أَحْسَنُ) الْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا قُرِئَ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ فَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى مَالِكٍ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ غَيْرُهُ وَوَجْهُ قَوْلِهِ أَحْسَنُ أَنَّ التَّوْسِعَةَ وَظِيفَةُ الشَّارِعِ لَا الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ الْمَنْقُولُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَاسِعًا.
[بَاب أَحْكَام الْمُسَاقَاة]
(بَابُ الْمُسَاقَاةِ) (قَوْلُهُ مِنْ سَقْيِ الثَّمَرَةِ) مِنْ اشْتِقَاقِ الْمَصْدَرِ الْمَزِيدِ مِنْ الْمَصْدَرِ الْمُجَرَّدِ، وَقَوْلُهُ إذْ هُوَ مُعْظَمُ أَيْ إنَّمَا أَتَى بِهِ بِلَفْظِ الْمُسَاقَاةِ الْمُشْتَقِّ مِنْ سَقْيِ الثَّمَرَةِ إلَخْ (قَوْلُهُ مِنْ أُصُولٍ أَرْبَعَةٍ) أَيْ مِنْ قَوَاعِدَ أَرْبَعَةٍ (قَوْلُهُ الْإِجَارَةُ بِالْمَجْهُولِ) أَيْ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الثَّمَرَةِ مَجْهُولٌ، وَقَوْلُهُ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا يَظْهَرُ فِي الْبَيَاضِ حَيْثُ يَكُونُ بَذْرُهُ عَلَى الْعَامِلِ (قَوْلُهُ وَعَلَى تَقْدِيرِ سَلَامَتِهَا إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يَرْجِعُ إلَى الْإِجَارَةِ بِالْجُزْءِ الْمَجْهُولِ، وَقَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِيهَا أَيْ جَوَازُهَا أَيْ الْحُكْمُ بِهِ (قَوْلُهُ وَلِدَاعِيَةِ الضَّرُورَةِ) اللَّامُ زَائِدَةٌ أَوْ مَعْطُوفٌ عَلَى مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ أَيْ وَإِنَّمَا جَازَتْ لِلْمُعَامَلَةِ وَلِدَاعِيَةِ الضَّرُورَةِ أَيْ وَلِدَاعِيَةٍ هِيَ الضَّرُورَةُ فَالْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ (قَوْلُهُ إمَّا مِنْ الْمُفَاعَلَةِ الَّتِي تَكُونُ مِنْ الْوَاحِدِ) هَذَا بِالنَّظَرِ لِلَفْظِ مُسَاقَاةٍ مَنْظُورٍ فِيهِ لِمَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ وَإِلَّا فَالْمُرَادُ بِهَا الْعَقْدُ عَلَى عَمَلِ مُؤْنَةِ النَّبَاتِ (قَوْلُهُ وَعَافَاهُ اللَّهُ) أَيْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي يَعْفُو عَنْ الشَّخْصِ لَا أَنَّ الشَّخْصَ يَعْفُو عَنْ اللَّهِ، وَقَوْلُهُ أَوْ يُلَاحَظُ الْعَقْدُ أَيْ الَّذِي هُوَ الْمُرَادُ مِنْهَا الْآنَ، وَقَوْلُهُ فَيَكُونُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْمُتَعَلَّقِ ظَاهِرُهُ تَفَرُّعُهُ عَلَى الثَّانِي فَقَطْ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّنَا قُلْنَا إنَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ مَنْظُورٌ فِيهِ لِأَصْلِ مَدْلُولِهِ اللُّغَوِيِّ وَأَمَّا هَذَا فَلَمْ يُنْظَرْ فِيهِ لِمَدْلُولِهِ اللُّغَوِيِّ، ثُمَّ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ يُرَدُّ أَنَّ كَوْنَ الْمُفَاعَلَةِ قَدْ تَكُونُ مِنْ الْوَاحِدِ سَمَاعِيٌّ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ مُحَشِّي تت فَلَا يُقَالُ " ضَارِبٌ " بِمَعْنَى ضَرَبَ وَلَا " سَاقِي " بِمَعْنَى سَقَى (قَوْلُهُ وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ اثْنَيْنِ) فِيهِ أَنَّ الْمُفَاعَلَةَ شَرْطُهَا أَنَّ الْفِعْلَ يَتَحَقَّقُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا كَالْمُضَارَبَةِ فَإِنَّ الضَّرْبَ يَتَحَقَّقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَأَمَّا الْعَقْدُ فَلَا يَتَحَقَّقُ إلَّا مِنْهُمَا مَعًا فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ عَمَلِ مُؤْنَةِ النَّبَاتِ) الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ أَخْرَجَ بِهِ الْعَقْدَ عَلَى حِفْظِ الْمَالِ أَوْ التَّجْرِ، وَقَوْلُهُ النَّبَاتِ أَخْرَجَ بِهِ مُؤْنَةَ الْمَالِ، وَعَمَّمَ النَّبَاتَ ظَاهِرُهُ أَيُّ نَبَاتٍ كَانَ مَسْقِيًّا أَوْ بَعْلًا، وَقَوْلُهُ بِقَدْرٍ مَعْنَاهُ بِعِوَضٍ، وَقَوْلُهُ لَا مِنْ غَيْرِ غَلَّتِهِ عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ بِعِوَضٍ مِنْ غَلَّتِهِ لَا مِنْ غَيْرِ غَلَّتِهِ أَيْ وَتُجْعَلُ مِنْ الْمُقَدَّرَةِ مُسْتَعْمَلَةً فِي التَّبْعِيضِ وَالْبَيَانِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ
(قَوْلُهُ وَأَرْكَانُهَا) لَمْ يُرِدْ بِالرُّكْنِ مَا كَانَ دَاخِلَ الْمَاهِيَّةِ بَلْ أَرَادَ بِهِ مَا يَتَوَقَّفُ حُصُولُ الْعَقْدِ الْمَعْلُومِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ أَنَّهَا تَنْعَقِدُ بِسَاقَيْتُ إلَخْ) أَيْ أَنَّ الْبَادِيَ مِنْهُمَا كَالنِّكَاحِ وَيَكْفِي فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ رَضِيتُ أَوْ قَبِلْتُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَلَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّهَا أَصْلٌ مُسْتَقِلٌّ كَمَا لَا تَنْعَقِدُ الْإِجَارَةُ بِلَفْظِ سَاقَيْتُ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ (قَوْلُهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ) وَمُقَابِلُ الْجُمْهُورِ أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ مَنَعَهَا وَأَمَّا تَلَامِذَتُهُ كَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَقَدْ وَافَقُوا الْجُمْهُورَ (قَوْلُهُ وَيَنْدَرِجُ فِيهِ النَّخْلُ) لَمَّا كَانَ النَّخْلُ بِحَسَبِ الْعُرْفِ خَارِجًا عَنْ الشَّجَرِ أَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّجَرِ مَا يَشْمَلُ النَّخْلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute