للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَا يُتَّهَمُ فِيهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فِي الْغَالِبِ؛ وَلِأَنَّ تَغَيُّرَ السُّوقِ لَمَّا كَانَ لَا يَنْضَبِطُ لِسُرْعَةِ تَقَلُّبِهِ وَغَيْرُهُ مِنْ بَاقِي الْمُفَوِّتَاتِ يَنْضَبِطُ كَانَ ارْتِفَاعُهُ كَالْعَدَمِ

وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الْبِيَعَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا بِنَصِّ الشَّارِعِ شَرَعَ فِي ذِكْرِ بِيَاعَاتٍ لَا نَصَّ فِيهَا عَنْهُ وَإِنَّمَا يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَمُنِعَتْ حِمَايَةً لِلذَّرِيعَةِ وَالذَّرِيعَةُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الْوَسِيلَةُ إلَى الشَّيْءِ وَأَصْلُهَا عِنْدَ الْعَرَبِ مَا تَأْلَفُهُ النَّاقَةُ الشَّارِدَةُ مِنْ الْحَيَوَانِ لِتَنْضَبِطَ بِهِ، ثُمَّ نُقِلَتْ إلَى الْبَيْعِ الْجَائِزِ الْمُتَحَيَّلِ بِهِ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ وَكَذَلِكَ غَيْرُ الْبَيْعِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فَهُوَ مِنْ مَجَازِ الْمُشَابَهَةِ وَالذَّرَائِعُ ثَلَاثَةٌ مَا أُجْمِعَ عَلَى إلْغَائِهِ كَالْمَنْعِ مِنْ زَرْعِ الْعِنَبِ لِأَجْلِ الْخَمْرِ وَمَا أُجْمِعَ عَلَى إعْمَالِهِ كَالْمَنْعِ مِنْ سَبِّ الْأَصْنَامِ عِنْدَ مَنْ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَسُبُّ اللَّهَ عِنْدَ ذَلِكَ وَمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ كَالنَّظَرِ لِلْأَجْنَبِيَّةِ وَالتَّحَدُّثِ مَعَهَا

وَبُيُوعِ الْآجَالِ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ مَنْعُهَا ابْنُ عَرَفَةَ بُيُوعُ الْآجَالِ يُطْلَقُ مُضَافًا وَلَقَبًا الْأَوَّلُ مَا أُجِّلَ ثَمَنُهُ الْعَيْنُ وَمَا أُجِّلَ ثَمَنُهُ غَيْرُهَا سَلَمٌ وَالثَّانِي لَقَبٌ لِتَكَرُّرِ بَيْعِ عَاقِدَيْ الْأَوَّلِ وَلَوْ بِغَيْرِ عَيْنٍ قَبْلَ انْقِضَائِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ لِتَكَرُّرِ إلَخْ أَخْرَجَ

ــ

[حاشية العدوي]

(قَوْلُهُ: فَلَا يُتَّهَمُ فِيهِ) أَيْ: لَا يُتَّهَمُ فِي كَوْنِهِ قَصَدَ بِهِ الْإِفَاتَةَ بِخِلَافِ بَيْعِ الْمُشْتَرِي لَهَا، أَوْ هِبَتِهِ مَثَلًا فَيُتَّهَمُ عَلَى قَصْدِ الْإِفَاتَةِ (قَوْلُهُ: لَمَّا كَانَ لَا يَنْضَبِطُ) قَدْ يُقَالُ مُقْتَضَى عَدَمِ انْضِبَاطِهِ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ فَوَاتٌ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ

[الْبِيَاعَات الَّتِي لَا نَصَّ فِيهَا مِنْ الشَّارِع]

. (قَوْلُهُ: الْمَنْهِيُّ عَنْهَا بِنَصِّ الشَّارِعِ) أَيْ: فَهِيَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا.

(قَوْلُهُ: لَا نَصَّ فِيهَا إلَخْ) أَيْ: مَثَلًا إذَا بَاعَهَا بِعَشْرَةٍ لِأَجَلٍ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِعَشْرَةٍ نَقْدًا فَالشِّرَاءُ بِعَشْرَةٍ نَقْدًا تُوُصِّلَ بِهِ إلَى الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَهُوَ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً وَقَوْلُهُ فَمُنِعَتْ أَيْ: تِلْكَ الْبِيَاعَاتُ وَهِيَ الْبَيْعَةُ الثَّانِيَةُ، أَوْ مَجْمُوعُ الْبَيْعَتَيْنِ.

(قَوْلُهُ: فَمُنِعَتْ حِمَايَةً لِلذَّرِيعَةِ) أَيْ: حِمَايَةً لَهَا أَيْ: دَفْعًا لَهَا؛ لِأَنَّهَا ذَرِيعَةٌ لِلْمَمْنُوعِ وَهُوَ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا.

(قَوْلُهُ: مِنْ الْحَيَوَانِ) بَيَانٌ لِمَا.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ نُقِلَتْ إلَى الْبَيْعِ الْجَائِزِ) الَّذِي هُوَ الثَّانِي وَالْمُرَادُ أَنَّهُ جَائِزٌ صُورَةً؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ قَائِلٌ بِالْمَنْعِ وَقَوْلُهُ إلَى الْبَيْعِ الْجَائِزِ أَيْ: وَكُلُّ شَيْءٍ كَانَ وَسِيلَةً لِشَيْءٍ مَا عَدَا الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ وَقَوْلُهُ الْمُتَحَيَّلُ بِهِ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ وَهُوَ السَّلَفُ الْجَارُّ نَفْعًا.

(قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ غَيْرُ الْبَيْعِ إلَخْ) أَيْ: كَأَنْ يُكْرِمَ بَائِعٌ مَنْ يُرِيدُ الشِّرَاءَ مِنْهُ لِأَجْلِ أَنْ يَغُرَّهُ بِالْبَيْعِ لَهُ بِثَمَنٍ مُرْتَفِعٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ) وَهُوَ التَّحَيُّلُ بِذَلِكَ الْأَمْرِ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ.

(قَوْلُهُ: فَهُوَ مِنْ مَجَازِ الْمُشَابَهَةِ) أَيْ: شَبَّهْنَا كُلَّ شَيْءٍ كَانَ وَسِيلَةً لِشَيْءٍ غَيْرِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ (قَوْلُهُ: فَهُوَ مِنْ مَجَازِ الْمُشَابَهَةِ) أَيْ: بِحَسَبِ الْأَصْلِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا صَارَتْ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً وَمَجَازُ الْمُشَابَهَةِ هِيَ الِاسْتِعَارَةُ وَهِيَ هُنَا تَصْرِيحِيَّةٌ فَالْمُسْتَعَارُ لَفْظُ ذَرِيعَةٍ وَالْمُسْتَعَارُ لَهُ الْعُقْدَةُ الْمُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى مَا لَا يَجُوزُ.

(قَوْلُهُ: مَا أُجْمِعَ عَلَى إلْغَائِهِ) أَيْ: إلْغَاءِ حُكْمِهِ.

(قَوْلُهُ: لِأَجْلِ الْخَمْرِ) أَيْ: الْمَنْعُ مِنْ زَرْعِهِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ يَتَسَبَّبُ عَنْهُ حُصُولُ الْخَمْرِ.

(قَوْلُهُ: وَمَا أُجْمِعَ عَلَى إعْمَالِهِ) أَيْ: إعْمَالِ حُكْمِهِ فَقَوْلُهُ كَالْمَنْعِ مِثَالٌ لِلْحُكْمِ وَالْوَسِيلَةُ هِيَ الزَّرْعُ وَالسَّبُّ (قَوْلُهُ: كَالنَّظَرِ لِلْأَجْنَبِيَّةِ) أَيْ: بِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ فَمَالِكٌ يُجِيزُهُ وَغَيْرُهُ يَمْنَعُهُ أَمَّا بِشَهْوَةٍ فَمُتَّفَقٌ عَلَى مَنْعِهِ وَقَوْلُهُ وَالتَّحَدُّثُ مَعَهَا لَا يَخْفَى أَنَّ مَذْهَبَنَا يُجَوِّزُ ذَلِكَ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِمَنْ يَقُولُ إنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ وَإِنْ ذَكَرَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَوْلُهُ وَمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ لَا يَحْتَاجُ لِتَقْدِيرٍ كَمَا تَقَدَّمَ.

(قَوْلُهُ: مَنَعَهَا) أَيْ: مَنَعَ بُيُوعَ الْآجَالِ وَغَيْرِهِمْ يُجَوِّزُهَا.

(قَوْلُهُ: يُطْلَقُ مُضَافًا إلَخْ) أَيْ: بُيُوعُ الْآجَالِ لَهَا مَفْهُومَانِ مَفْهُومٌ إضَافِيٌّ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ أُضِيفَ إلَى أَجَلٍ وَضِدُّ ذَلِكَ بَيْعُ النَّقْدِ وَلَهُ مَفْهُومٌ يُسَمَّى فِيهِ بِالْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ وَصَارَ فِيهِ لَقَبًا أَيْ: اسْمًا عَلَمًا مَثَلًا إذَا وَصَفْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ فَعَبْدُ اللَّهِ حِينَئِذٍ مِنْ الْقَبِيلِ الْأَوَّلِ أُرِيدَ بِهِ الْمَعْنَى الْإِضَافِيُّ وَهُوَ أَنَّهُ ذَاتٌ مَنْسُوبَةٌ لِلَّهِ بِالْعُبُودِيَّةِ وَإِذَا أُتِيَ لَك وَلَدٌ وَسَمَّيْته بِعَبْدِ اللَّهِ كَانَ ذَلِكَ مِنْ الْقَبِيلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ صَارَ عَبْدُ اللَّهِ اسْمًا عَلَمًا عَلَيْهِ قُصِدَ بِهِ الذَّاتُ الْمُشَخَّصَةُ لَا الْمَعْنَى الْإِضَافِيُّ وَهُوَ أَنَّهُ ذَاتٌ مَنْسُوبَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى.

(قَوْلُهُ: الْأَوَّلُ) الَّذِي هُوَ بُيُوعُ الْآجَالِ الْمَعْنَى الْإِضَافِيُّ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ جَمْعٌ مُرَادٌ مِنْهُ الْإِفْرَادُ وَالتَّعْرِيفُ إنَّمَا يَكُونُ لِلْحَقِيقَةِ وَيُجَابُ بِأَنَّ التَّقْدِيرَ الْأَوَّلَ أَيْ: حَقِيقَةُ الْأَوَّلِ أَيْ: حَقِيقَةُ تِلْكَ الْأَفْرَادِ.

(قَوْلُهُ: الْأَوَّلُ مَا أُجِّلَ ثَمَنُهُ الْعَيْنُ) بِأَنْ يَبِيعَ سِلْعَةً بِدِينَارٍ لِلْمُحَرَّمِ فَهَذَا بَيْعٌ لِأَجَلٍ لَا بَيْعُ نَقْدٍ وَقَوْلُهُ الْعَيْنُ صِفَةٌ لِلثَّمَنِ كَمَا صَوَّرْنَا وَقَوْلُهُ غَيْرُهَا حَالٌ مِنْ ثَمَنِهِ أَيْ: وَمَا أُجِّلَ ثَمَنُهُ حَالَ كَوْنِ الثَّمَنِ غَيْرَ عَيْنٍ فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ سَلَمٌ كَأَنْ يُعْطِيَهُ دِينَارًا عَلَى إرْدَبِّ قَمْحٍ لِرَبِيعٍ مَثَلًا فَالْمُؤَجَّلُ وَهُوَ الْإِرْدَبُّ الْقَمْحِ غَيْرُ عَيْنٍ فَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يُقَالُ لَهُ بَيْعٌ لِأَجَلٍ بَلْ يُقَالُ لَهُ سَلَمٌ غَيْرَ أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا الْمُؤَجَّلُ إنَّمَا يُقَالُ لَهُ مَثْمُونٌ لَا ثَمَنٌ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ ثَمَنٌ لِلْمُقَدَّمِ وَإِنْ كَانَ مَثْمُونًا وَفِيهِ بُعْدٌ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ يَصْدُقُ عَلَى مَا إذَا بَاعَ ثَوْبًا بِعَشْرَيْنِ فِضَّةً جُدُدًا إلَى شَهْرٍ فَيُقَالُ لَهُ سَلَمٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْعَرُوضِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ وَيَصْدُقُ بِمَا إذَا بَاعَ سِلْعَةً مُعَيَّنَةً يَتَأَخَّرُ قَبْضُهَا كَمَا إذَا اسْتَثْنَى الْبَائِعُ مَنْفَعَتَهَا كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ بِدَرَاهِمَ حَالَّةٍ مَعَ أَنَّهُ لَا يُقَالُ لَهُ سَلَمٌ.

(قَوْلُهُ: لَقَبٌ) أَيْ: اسْمٌ (قَوْلُهُ: لِتَكَرُّرِ بَيْعِ عَاقِدِي الْأَوَّلِ) مَثَلًا بِأَنْ يَبِيعَهَا بِعَشْرَةٍ لِلْمُحَرَّمِ، ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا بِخَمْسَةٍ نَقْدًا فَتَكَرُّرُ الْبَيْعِ مِنْ الرَّجُلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ يُقَالُ لَهُ بُيُوعُ الْآجَالِ وَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ إلَخْ كَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ أَيْ: إنَّ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِأَجَلٍ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ بِغَيْرِ عَيْنٍ إلَخْ) هَذَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ بِعَيْنٍ بَلْ وَلَوْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنٍ كَمَا إذَا بَاعَ حِمَارًا بِعَشْرَةِ أَثْوَابٍ لِأَجَلٍ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِخَمْسَةٍ نَقْدًا (قَوْلُهُ: قَبْلَ انْقِضَائِهِ) أَيْ: انْقِضَاءِ الْأَوَّلِ أَيْ: أَجَلِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>