للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحْدَهُ إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ دَرَاهِمَ إلَى أَجَلٍ عَنْ دَنَانِيرَ وَيَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذْ إنَّمَا صَالَحَ عَلَى الِاقْتِدَاءِ مِنْ يَمِينٍ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ فَهَذَا مُمْتَنِعٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَجَازَهُ أَصْبَغُ إذْ لَمْ تَتَّفِقْ دَعْوَاهُمَا عَلَى فَسَادٍ وَمِثَالُ مَا يَمْتَنِعُ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَحْدَهُ أَنْ يَدَّعِيَ بِعَشَرَةِ أَرَادِبَّ قَمْحًا مِنْ قَرْضٍ وَقَالَ الْآخَرُ إنَّمَا لَك عَلَيَّ خَمْسَةٌ مِنْ سَلَمٍ وَأَرَادَ أَنْ يُصَالِحَهُ عَلَى دَرَاهِمَ وَنَحْوِهَا مُعَجَّلَةٍ فَهَذَا جَائِزٌ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي لِأَنَّ طَعَامَ الْقَرْضِ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَلَا يَجُوزُ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذْ طَعَامُ السَّلَمِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ فَهَذَا يَمْتَنِعُ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ.

(ص) وَلَا يَحِلُّ لِلظَّالِمِ (ش) أَيْ لَا يَحِلُّ الْمُصَالَحُ بِهِ لِلظَّالِمِ فِي الْبَاطِنِ بَلْ ذِمَّتُهُ مَشْغُولَةٌ لِلْمَظْلُومِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَلِذَا فَرَّعَ فُرُوعًا ثَمَانِيَةً سِتَّةً يَسُوغُ لِلْمَظْلُومِ نَقْضُ الصُّلْحِ فِيهَا اتِّفَاقًا أَوْ عَلَى الْمَشْهُورِ وَاثْنَانِ لَا يَنْقُضُ فِيهِمَا اتِّفَاقًا أَوْ عَلَى الْمَشْهُورِ وَإِلَى الْأَوَّلِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (ص) فَلَوْ أَقَرَّ بَعْدَهُ أَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ لَمْ يَعْلَمْهَا أَوْ أَشْهَدَ وَأَعْلَنَ أَنَّهُ يَقُومُ بِهَا أَوْ وَجَدَ وَثِيقَتَهُ بَعْدَهُ فَلَهُ نَقْضُهُ كَمَنْ لَمْ يُعْلِنْ أَوْ يُقِرَّ سِرًّا فَقَطْ عَلَى الْأَحْسَنِ. (ش) يَعْنِي أَنَّ الظَّالِمَ إذْ أَقَرَّ بِبُطْلَانِ دَعْوَاهُ بَعْدَ وُقُوعِ الصُّلْحِ فَإِنَّ لِلْمَظْلُومِ نَقْضَهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ كَالْمَغْلُوبِ عَلَى الصُّلْحِ بِإِنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهُ وَضَمَانُ مَا قَبَضَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ قَابِضِهِ الثَّانِيَةُ أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ لِلْمَظْلُومِ عَلَى الظَّالِمِ لَمْ يَعْلَمْهَا الْمَظْلُومُ حِينَ الصُّلْحِ فَلَهُ نَقْضُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ حَلِفِهِ عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ. الثَّالِثَةُ مَنْ صَالَحَ وَلَهُ بَيِّنَةٌ غَائِبَةٌ يَعْلَمُهَا وَهِيَ بَعِيدَةٌ جِدًّا وَأَشْهَدَ أَنَّهُ يَقُومُ بِهَا سَوَاءٌ أَعْلَنَ بِالْإِشْهَادِ بِأَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَوْ لَمْ يُعْلِنْ بِهِ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ بَعْدُ كَمَنْ لَمْ يُعْلِنْ وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّقْيِيدِ بِكَوْنِهَا بَعِيدَةً جِدًّا نَحْوُهُ فِي الْمَوَّاقِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْبَعِيدَةَ لَا جِدًّا كَالْقَرِيبَةِ فِي أَنَّ حُكْمَهَا كَالْحَاضِرَةِ فَلَا يَقُومُ بِهَا وَلَوْ أَشْهَدَ أَنَّهُ يَقُومُ بِهَا وَالْبُعْدُ جِدًّا كَإِفْرِيقِيَّةَ أَيْ مِنْ الْمَدِينَةِ أَوْ مِنْ مَكَّةَ أَوْ الْأَنْدَلُسِ مِنْ خُرَاسَانَ. الرَّابِعَةُ مَنْ صَالَحَ لِعَدَمِ وَثِيقَتِهِ ثُمَّ وَجَدَهَا بَعْدَ الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ وَقَدْ أَشْهَدَ أَنَّهُ يَقُومُ بِهَا إنْ وَجَدَهَا فَلَهُ نَقْضُ الصُّلْحِ حِينَئِذٍ كَالْبَيِّنَةِ الَّتِي عَلِمَهَا وَأَمَّا إنْ نَسِيَهَا حَالَ الصُّلْحِ ثُمَّ وَجَدَهَا فَإِنَّهُ يَحْلِفُ وَيَقُومُ بِهَا كَالْبَيِّنَةِ الَّتِي لَا يَعْلَمُهَا وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ فَلَهُ لِلْمَظْلُومِ أَيْ فَلِلْمَظْلُومِ نَقْضُ الصُّلْحِ وَلَهُ إمْضَاؤُهُ. الْخَامِسَةُ مَنْ ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ فَأَنْكَرَهُ فَأَشْهَدَ سِرًّا أَنَّ بَيِّنَتَهُ غَائِبَةٌ بَعِيدَةُ الْغَيْبَةِ وَإِنَّهُ إنَّمَا يُصَالِحُ لِأَجَلٍ بَعْدَ غَيْبَةِ بَيِّنَتِهِ وَإِنَّهُ إنْ قَدِمَتْ قَامَ بِهَا وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يُعْلِنْ بِالْإِشْهَادِ عِنْدَ الْحَاكِمِ ثُمَّ صَالَحَهُ ثُمَّ قَدِمَتْ بَيِّنَتُهُ فَلَهُ الْقِيَامُ بِهَا وَيَنْقُضُ الصُّلْحَ كَمَنْ أَعْلَنَ وَأَشْهَدَ. السَّادِسَةُ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُقِرُّ بِالْحَقِّ سِرًّا وَيَجْحَدُهُ عَلَانِيَةً فَأَشْهَدَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى جَحْدِهِ عَلَانِيَةً ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَى التَّأْخِيرِ وَأَشْهَدَ بَيِّنَةً لَمْ يَعْلَمْ بِهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ لِلتَّأْخِيرِ وَإِنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ الصُّلْحَ لِيُقِرَّ لَهُ عَلَانِيَةً فَإِنَّهُ يَعْمَلُ بِذَلِكَ فَالضَّمِيرُ فِي يُقِرُّ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَاتَّفَقَ النَّاصِرُ اللَّقَانِيِّ وَشَيْخُهُ بُرْهَانُ الدِّينِ اللَّقَانِيِّ عَلَى أَنَّ لَهُ نَقْضَ الصُّلْحِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَلَوْ وَقَعَ بَعْدَهُ إبْرَاءٌ عَامٌّ فَيُقَيَّدُ قَوْلُهُ فِيمَا يَأْتِي وَإِنْ أَبْرَأَ فُلَانًا مِمَّا لَهُ بَرِئَ مُطْلَقًا إلَخْ بِهَذَا.

وَلَمَّا أَنْهَى

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ لِلظَّالِمِ فِي الْبَاطِنِ) وَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ يَرَاهُ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا أُحِلُّ حَرَامًا أَيْ وَلَا يَحِلُّ الصُّلْحُ بِمَعْنَى الْمُتَعَلِّقِ لَا بِمَعْنَى الْعَقْدِ أَيْ لَا يَحِلُّ مُتَعَلِّقُ الصُّلْحِ وَهُوَ الشَّيْءُ الْمُصَالَحُ بِهِ وَمَا اقْتَطَعَ فَهُوَ اسْتِخْدَامٌ أُطْلِقَ أَوَّلًا عَلَى الْعَقْدِ وَثَانِيًا عَلَى الْمُتَعَلِّقِ أَوْ يُقَدَّرُ مُضَافٌ أَيْ مُتَعَلِّقُهُ (قَوْلُهُ فَلَوْ أَقَرَّ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يَحِلُّ لِلظَّالِمِ وَهُوَ فِي السُّكُوتِ وَالْإِنْكَارِ (قَوْلُهُ أَوْ يُقِرُّ سِرًّا) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَمْ يُعْلِنْ لَا بِالْجَزْمِ عَطْفٌ عَلَى يُعْلِنُ وَالْفَاعِلُ يَتَعَيَّنُ عَوْدُهُ عَلَى الْمُدَّعِي الْمُشْهِدِ وَالْفَاعِلُ بِ يَقِرُّ يَعُودُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهَذَا مِمَّا يُمَيِّزُهُ ذِهْنُ السَّامِعِ اللَّبِيبِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ أَوْ يَقِرُّ هُوَ بِإِبْرَازِ الضَّمِيرِ عَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ إلَّا أَنَّ الْقَرِينَةَ هُنَا أَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ مُدَّعًى عَلَيْهِ بِشَيْءٍ عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّ لِلِاخْتِصَارِ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ) وَمُقَابِلُهُ مَا نَقَلَهُ عَنْ مَالِكٍ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ نَقْضُهُ (قَوْلُهُ أَنَّهُ يُقَوَّمُ بِهِ) تَنَازَعَهُ الْفِعْلَانِ قَبْلَهُ وَهُمَا أَشْهَدَ وَأَعْلَنَ لَكِنْ الْأَوَّلُ بِتَقْدِيرِ حَرْفِ الْجَرِّ دُونَ الثَّانِي (قَوْلُهُ أَوْ لَمْ يُعْلِنْ بِهِ إلَخْ) الْأَوْلَى عَدَمُ ذِكْرِهَا لِأَنَّهَا سَتَأْتِي (قَوْلُهُ وَأَمَّا إنْ نَسِيَهَا) فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الَّذِي قَبْلَهُ أَنَّ الَّذِي قَبْلَهُ يُعْلَمُ أَنَّ لَهُ وَثِيقَةً لَكِنَّهَا ضَاعَتْ مِنْهُ وَهَذَا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ وَثِيقَةٌ (قَوْلُهُ عَلَى جَحْدِهِ عَلَانِيَةً) فَائِدَةُ ذَلِكَ لِئَلَّا يَقُولَ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَ أَنْكَرَ فَيَلْزَمُهُ التَّأْخِيرُ (قَوْلُهُ وَأَشْهَدَ بَيِّنَةً) وَلَوْ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ الْأُولَى خِلَافًا فَالظَّاهِرُ الْعِبَارَةُ (قَوْلُهُ وَإِنَّهُ غَيْرُ مُلْتَزَمِ التَّأْخِيرِ) لَيْسَ هَذَا بِلَازِمٍ ذِكْرُهُ لِأَنَّ إشْهَادَهُ أَنَّهُ إنَّمَا صَالَحَهُ عَلَى التَّأْخِيرِ لِيُقِرَّ لَهُ عَلَانِيَةً يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ قَالَ عب وَهَذِهِ الْبَيِّنَةُ الَّتِي أَشْهَدَهَا الْمُدَّعِي بَعْدَ إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تُسَمَّى شَهَادَةُ اسْتِرْعَاءٍ أَيْ إيدَاعُ الشَّهَادَةِ فَإِنْ أَشْهَدَهَا أَنَّهُ لَيْسَ مُلْتَزِمًا لِلتَّأْخِيرِ أَوْ إسْقَاطِ بَعْضِ حَقِّهِ فَهُوَ اسْتِرْعَاءٌ فِي اسْتِرْعَاءٍ انْتَهَى كَلَامُ عب وَهُوَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ بَيِّنَةُ الِاسْتِرْعَاءِ فِي الِاسْتِرْعَاءِ أَنْ يُشْهِدَ جَمَاعَةً يَقُولَ لَهُمْ إنْ أَسْقَطْت بَيِّنَةَ الِاسْتِرْعَاءِ فَلَسْت مُلْتَزِمًا لِإِسْقَاطِهَا وَقَدْ يَتَكَرَّرُ فَمَتَى اسْتَرْعَى وَلَمْ يَسْقُطْ عُمِلَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا وَهَذِهِ تُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ فَلَوْ أَقَرَّ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ نَقْضُ الصُّلْحِ فِيمَا إذَا أَقَرَّ الْمُنْكِرُ بَعْدَ الصُّلْحِ بِمُجَرَّدِ إقْرَارِهِ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ الطَّالِبُ بَيِّنَةً أَنَّهُ إنَّمَا صَالَحَهُ لِيُقِرَّ فَأَوْلَى إذَا أَشْهَدَ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ فَيُقَيَّدُ إلَخْ) أَيْ فَمَتَى وَجَدَ بَيِّنَتَهُ أَوْ وَثِيقَتَهُ أَوْ أَقَرَّ لَهُ خَصْمُهُ فَلَهُ نَقْضُهُ وَلَا عِبْرَةَ بِالْبَرَاءَةِ الْوَاقِعَةِ بَعْدَ الصُّلْحِ وَمِنْ بَابِ أَوْلَى فِي النَّقْضِ لَوْ صَالَحَهُ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ فِي هَذِهِ الْأَخِيرَةِ بِمَنْزِلَةِ الصُّلْحِ وَالصُّلْحُ لَهُ نَقْضُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>