للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَكِنَّهُ لَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَارَةً يَعْتَكِفُ وَتَارَةً يَتْرُكُ فَلَا يَصْدُقُ ضَابِطُ السُّنَّةِ عَلَيْهِ (ص) وَصِحَّتُهُ لِمُسْلِمٍ مُمَيَّزٍ (ش) يَعْنِي: أَنَّ صِحَّةَ الِاعْتِكَافِ ثَابِتَةٌ لِمُسْلِمٍ فَالْكَافِرُ لَا يَصِحُّ اعْتِكَافُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقُرَبِ وَإِنْ خُوطِبَ بِهَا؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ كُلِّ عِبَادَةٍ وَكَذَا لَا يَصِحُّ اعْتِكَافُ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ مِنْ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ وَيَصِحُّ اعْتِكَافُ الرَّقِيقِ وَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ، وَهُوَ الَّذِي يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَيَرُدُّ الْجَوَابَ وَلَا يَنْضَبِطُ بِسِنٍّ، بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَفْهَامِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِفَهْمِ الْخِطَابِ وَبِرَدِّ الْجَوَابِ أَنَّهُ إذَا كُلِّمَ بِشَيْءٍ مِنْ مَقَاصِدِ الْعُقَلَاءِ فَهِمَهُ وَأَحْسَنَ الْجَوَابَ عَنْهُ لَا أَنَّهُ إذَا دُعِيَ أَجَابَ، وَقَوْلُهُ: لِمُسْلِمٍ ظَرْفٌ لَغْوٌ مُتَعَلِّقٌ بِصِحَّةٍ وَبِمُطْلَقِ صَوْمٍ خَبَرٌ أَيْ وَصِحَّتُهُ كَائِنَةٌ، أَوْ حَاصِلَةٌ بِمُطْلَقِ صَوْمٍ وَإِعْرَابُ الشَّارِحِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ الْإِخْبَارُ عَنْ الْمَوْصُولِ قَبْلَ كَمَالِ صِلَتِهِ.

(ص) بِمُطْلَقِ صَوْمٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ الصَّوْمُ عَلَى الْمَشْهُورِ سَوَاءٌ قَيَّدَ الصَّوْمَ بِزَمَنٍ كَرَمَضَانَ أَوْ بِسَبَبِهِ كَنَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ أَوْ أَطْلَقَ كَتَطَوُّعٍ وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ بِصَوْمٍ مُطْلَقٍ لِئَلَّا يَخْرُجَ مَا قُيِّدَ بِزَمَنِهِ كَرَمَضَانَ وَمَا قُيِّدَ بِسَبَبِهِ كَنَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ نَذْرًا) إلَى أَنَّ الِاعْتِكَافَ الْمَنْذُورَ لَا يَتَعَيَّنُ لَهُ أَيْضًا صَوْمٌ يَخُصُّهُ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُفْعَلَ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ كَغَيْرِ الْمَنْذُورِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَسَحْنُونٌ لَا بُدَّ لِلِاعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ مِنْ صَوْمٍ يَخُصُّهُ فَلَا يَجْزِي فِي رَمَضَانَ.

(ص) وَمَسْجِدٍ (ش) أَيْ وَصِحَّتُهُ بِمُطْلَقِ مَسْجِدٍ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ جَامِعًا بِدَلِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ لَكِنْ بِشَرْطِ الْإِبَاحَةِ كَمَا مَرَّ فِي حَدِّ ابْنِ عَرَفَةَ فَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي مَسَاجِدِ الْبُيُوتِ، وَلَوْ لِامْرَأَةٍ لَكِنْ إذَا أُطْلِقَ الْمَسْجِدُ فَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ لِلْمَسْجِدِ الْمُبَاحِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ قَيْدُ ابْنِ عَرَفَةَ وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ (إلَّا لِمَنْ فَرْضُهُ الْجُمُعَةُ وَتَجِبُ بِهِ فَالْجَامِعُ مَعَ تَصِحُّ فِيهِ الْجُمُعَةُ) عَلَى أَنَّ مَنْ فَرْضُهُ الْجُمُعَةُ مِنْ ذَكَرٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ عَلَى دُونِ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْمَنَارِ حُرٍّ مُقِيمٍ بِلَا عُذْرٍ إذَا نَذَرَ اعْتِكَافًا يُدْرِكُ فِيهِ الْجُمُعَةَ قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ إلَّا فِي الْجَامِعِ فَقَوْلُهُ وَتَجِبُ بِهِ أَيْ وَهِيَ تَجِبُ بِهِ أَيْ فِي زَمَنِ الِاعْتِكَافِ الَّذِي يُرِيدُهُ الْآنَ سَوَاءٌ كَانَ ابْتِدَاءً كَمَا لَوْ نَذَرَ، أَوْ نَوَى اعْتِكَافَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ، أَوْ انْتِهَاءً كَمَا لَوْ نَذَرَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ أَوَّلُهُنَّ السَّبْتُ فَمَرِضَ بَعْدَ يَوْمَيْنِ وَصَحَّ يَوْمُ الْخَمِيسِ فَالْوَاجِبُ لِذَلِكَ الِابْتِدَاءُ وَالِانْتِهَاءُ الْجَامِعُ الَّذِي تَصِحُّ فِيهِ الْجُمُعَةُ دَائِمًا لَا الصِّحَّةُ فِي الْجُمْلَةِ فَتَخْرُجُ رَحْبَتُهُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ فِيهَا الْجُمُعَةُ دَائِمًا وَإِنَّمَا تَصِحُّ فِيهَا مَعَ ضِيقِ الْجَامِعِ وَاتِّصَالِ الصُّفُوفِ وَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ أَنَّهُ يَعْتَكِفُ فِي رَحْبَةِ الْمَسْجِدِ فَالْمُرَادُ بِالرَّحْبَةِ فِيهِ صَحْنُهُ.

(ص) وَإِلَّا خَرَجَ وَبَطَلَ (ش)

ــ

[حاشية العدوي]

رَمَضَانَ سُنَّةٌ، وَفِي غَيْرِهِ جَائِزٌ (قَوْلُهُ: شَرْطٌ فِي صِحَّةِ كُلِّ عِبَادَةٍ) مُفَادُ كَلَامِهِ أَنَّ الْقُرْبَةَ وَالْعِبَادَةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقُرَبِ، وَبَعْضٌ ذَكَرَ أَنَّ الْقُرْبَةَ أَعَمُّ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْعِبَادَةِ النِّيَّةُ وَمَعْرِفَةُ الْمَعْبُودِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْقُرْبَةِ إلَّا مَعْرِفَةَ الْمُتَقَرَّبِ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ النِّيَّةَ كَالْعِتْقِ (قَوْلُهُ: الْمُمَيِّزِ) رَاجِعٌ لِلرَّقِيقِ وَالصَّبِيِّ (قَوْلُهُ: لَا أَنَّهُ إذَا دُعِيَ أَجَابَ) ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ فِي بَعْضِ الْحَيَوَانَاتِ (قَوْلُهُ: وَإِعْرَابُ الشَّارِحِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي أَوَّلِ الْحَلِّ يَعْنِي: أَنَّ صِحَّةَ الِاعْتِكَافِ يُشِيرُ إلَى حَلِّ الشَّارِحِ وَهُوَ أَنَّ صِحَّةَ مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ: لِمُسْلِمٍ خَبَرٌ (قَوْلُهُ: الْإِخْبَارُ عَنْ الْمَوْصُولِ) أَيْ: الْمَوْصُولِ الْحُرِّ فِي؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَصِحَّتُهُ فِي قُوَّةِ قَوْلِهِ أَنْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ لَا يَعْمَلُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ إلَّا إذَا كَانَ مُؤَوَّلًا بِأَنْ وَالْفِعْلِ

(قَوْلُهُ الصَّوْمُ عَلَى الْمَشْهُورِ) مُقَابِلُهُ مَا لِابْنِ لُبَابَةَ مِنْ أَنَّهُ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ صَوْمٍ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ إلَخْ) أَيْ: لِأَنَّ مُطْلَقَ الصَّوْمِ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَاهِيَّةُ، سَوَاءٌ قُيِّدَتْ، أَوْ لَا، وَالصَّوْمُ الْمُطْلَقُ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَاهِيَّةُ بِقَيْدِ الْإِطْلَاقِ، وَالْأَوَّلُ أَعَمُّ مِنْ الثَّانِي وَهَذَا شَبِيهٌ بِقَوْلِهِمْ مُطْلَقُ الْمَاءِ، وَالْمَاءُ الْمُطْلَقُ وَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَمَنْ لَا يَسْتَطِيعُ الصَّوْمَ لَا يَصِحُّ اعْتِكَافُهُ كَالرَّجُلِ الضَّعِيفِ الْبِنْيَةِ وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ (قَوْلُهُ: يَخُصُّهُ) أَيْ: يَخُصُّهُ فِي نَذْرِهِ أَيْضًا كَذَا فِي عب وَلَمْ يَكُنْ فِي غَيْرِهِ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَنْذُورًا كَالِاعْتِكَافِ فَلَا يَصِحُّ فِي تَطَوُّعٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ يَخُصُّهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي كَفَّارَةِ رَمَضَانَ بَلْ نَذْرُ الِاعْتِكَافِ نَذْرٌ لِلصَّوْمِ فَلَا يَصِحُّ بِصَوْمِ رَمَضَانَ وَنَحْوِهِ كَصَوْمِ كَفَّارَةٍ، وَالصَّوْمُ الَّذِي نَذَرَهُ قَبْلَ الِاعْتِكَافِ، وَصَوْمُ التَّطَوُّعِ يَصِيرُ مَنْذُورًا بِنَذْرِ الِاعْتِكَافِ كَذَا أَفَادَهُ عج فَعَلِمْت صِحَّتَهُ فِي أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: اعْتِكَافٌ، وَصَوْمٌ مَنْذُورَانِ، وَمُتَطَوَّعٌ بِهِمَا، الْأَوَّلُ مَنْذُورٌ وَالثَّانِي مُتَطَوَّعٌ بِهِ، الرَّابِعُ عَكْسُهُ وَمَعْنَى نَذْرِ الصَّوْمِ أَيْ: قَبْلَ الِاعْتِكَافِ وَمَعْنَى تَطَوُّعِهِ نِيَّتُهُ قَبْلَ نِيَّةِ الِاعْتِكَافِ فَلَا يُنَافِي كَوْنَ صِحَّتِهِ بِصَوْمٍ فَكَأَنَّهُ صَارَ فَرْضًا لِغَيْرِهِ مِنْ حَيْثُ تَوَقُّفُهُ عَلَيْهِ

(قَوْلُهُ: أَيْ: وَصِحَّتُهُ بِمُطْلَقِ مَسْجِدٍ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ، وَمَسْجِدٌ مَعْطُوفٌ عَلَى صَوْمٍ وَالْبَاءُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلْمُلَابَسَةِ أَيْ: مُلْتَبِسًا بِمُطْلَقِ صَوْمٍ وَمُلْتَبِسًا بِمُطْلَقِ مَسْجِدٍ وَأَنْ تَكُونَ لِلْمَعِيَّةِ، وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ فِي مَسْجِدٍ لِلظَّرْفِيَّةِ، وَيَكُونُ مِنْ بَابِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي مَسَاجِدِ الْبُيُوتِ) أَيْ: وَلَا فِي الْكَعْبَةِ خِلَافًا لِابْنِ الْحَاجِّ وَإِنْ جَازَ لَهُ دُخُولُهَا (قَوْلُهُ مِمَّا تَصِحُّ) أَيْ: فِيمَا تَصِحُّ فِيهِ الْجُمُعَةُ وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِمِنْ دُونَ فِي مَعَ أَنَّ فِي أَوْضَحُ اخْتِصَارًا بِإِدْغَامِ النُّونِ فِي الْمِيمِ فَسَقَطَ حَرْفٌ فِي الْخَطِّ بِخِلَافِ فِي فَإِنَّ يَاءَهَا لَا تُدْغَمُ فِي الْمِيمِ (قَوْلُهُ: فَالْمُرَادُ بِالرَّحْبَةِ فِيهِ صَحْنُهُ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ صِحَّةُ الْجُمُعَةِ فِي الزُّقَاقِ وَالطُّرُقِ الْمُتَّصِلَةِ بِدُونِ عُذْرٍ فَهَلْ تَجْرِي صِحَّةُ الِاعْتِكَافِ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ لَا وَيَكُونُ مَا هُنَا مَشْهُورًا مَبْنِيًّا عَلَى ضَعِيفٍ وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلنَّقْلِ

(قَوْله خَرَجَ وَبَطَلَ) فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَهَلْ يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ لِارْتِكَابِهِ الذَّنْبَ أَمْ لَا؟ وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْبُطْلَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْتَكِبْ كَبِيرَةً إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يُبْطِلُهُ بِالذُّنُوبِ مُطْلَقًا

<<  <  ج: ص:  >  >>