يَعْنِي: أَنَّهُ إذَا كَانَ فَرْضُهُ الْجُمُعَةَ وَنَذَرَ اعْتِكَافَ أَيَّامٍ تَأْخُذُ فِيهَا الْجُمُعَةُ وَاعْتَكَفَ فِي غَيْرِ الْجَامِعِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْجُمُعَةِ لِتَعَيُّنِهَا عَلَيْهِ وَإِذَا خَرَجَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَيَقْضِيهِ قَالُوا إلَّا أَنْ يَجْهَلَ ذَلِكَ كَحَدِيثِ الْإِسْلَامِ فَيُعْذَرُ وَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ بِخُرُوجِهِ فَلَوْ نَذَرَ أَيَّامًا لَا جُمُعَةَ فِيهَا وَأَرَادَ اعْتِكَافَهَا فَمَرِضَ بَعْدَ أَنْ شَرَعَ، ثُمَّ خَرَجَ، ثُمَّ رَجَعَ يُتِمُّ فَصَادَفَ الْجُمُعَةَ فَلَا خِلَافَ فِي هَذَا أَنَّهُ يَخْرُجُ إلَيْهَا وَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ تَأَمَّلْ، ثُمَّ شَبَّهَ فِي وُجُوبِ الْخُرُوجِ وَالْبُطْلَانِ، قَوْلُهُ: (كَمَرَضِ أَبَوَيْهِ) فِيهِ حَذْفُ مُضَافٍ أَيْ أَحَدِ أَبَوَيْهِ وَأَحْرَى هُمَا فَيَجِبُ أَنْ يَخْرُجَ لِبِرِّهِمَا لِوُجُوبِهِ بِالشَّرْعِ فَهُوَ فَوْقَ وُجُوبِ الِاعْتِكَافِ بِالنَّذْرِ وَيَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهُ لِذَلِكَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الِاعْتِكَافِ وَلَا مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ الَّتِي لَا انْفِكَاكَ عَنْهَا فَهُوَ عَارِضٌ كَالْخُرُوجِ لِتَخَلُّصِ الْغَرْقَى وَالْهَدْمَى وَفِي شَرْحِ (هـ) تَنْبِيهٌ هَذَا وَمَا بَعْدَهُ يَجْرِي فِي الْأَبَوَيْنِ الْكَافِرَيْنِ أَيْضًا وَمُرَادُهُ بِأَبَوَيْهِ أَبَوَاهُ دَنِيَّةً كَذَا يَنْبَغِي (ص) لَا جِنَازَتُهُمَا مَعًا (ش) الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ لِجِنَازَةِ أَبَوَيْهِ مَعًا فَإِنْ خَرَجَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ كَمَا فِي الْمُوَطَّأِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَأَمَّا لِجِنَازَةِ أَحَدِهِمَا فَيَخْرُجُ وُجُوبًا لِمَا فِي عَدَمِ الْخُرُوجِ مِنْ عُقُوقِ الْحَيِّ أَيْ أَنَّهُ مَظِنَّةٌ لِذَلِكَ وَلَا كَذَلِكَ فِي مَوْتِهِمَا مَعًا وَيَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ (ص) وَكَشَهَادَةٍ، وَإِنْ وَجَبَتْ وَلْتُؤَدَّ بِالْمَسْجِدِ، أَوْ تُنْقَلْ عَنْهُ (ش) يَعْنِي: أَنَّ الْمُعْتَكِفَ لَا يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْ مُعْتَكَفِهِ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ، وَإِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ وَلَكِنْ يُؤَدِّيهَا، وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ بِأَنْ يَأْتِيَهُ الْقَاضِي لِسَمَاعِهَا، أَوْ تُنْقَلَ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ تَتَوَفَّرْ شُرُوطُ النَّقْلِ مِنْ غَيْبَةٍ بَعِيدَةٍ أَوْ مَرَضٍ لِلضَّرُورَةِ، وَقَوْلُهُ: وَكَشَهَادَةٍ مَعْطُوفٌ عَلَى جِنَازَتُهُمَا أَيْ وَلَا كَشَهَادَةٍ فَالْكَافُ لِلتَّمْثِيلِ وَهِيَ مُدْخِلَةٌ لِلدَّيْنِ فَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُوَفِّيهِ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا يَخْرُجُ لَا لِلتَّشْبِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لَهُ مَعَ الْعَطْفِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَكَرِدَّةٍ) إلَى بُطْلَانِ الِاعْتِكَافِ بِالرِّدَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطٌ فِيهِ وَالرِّدَّةَ تُحْبِطُ الْعَمَلَ وَلَا يَجِبُ اسْتِئْنَافُهُ إذَا تَابَ وَظَاهِرُهُ بِالرِّدَّةِ، وَلَوْ كَانَتْ أَيَّامُهُ مُعَيَّنَةً وَرَجَعَ لِلْإِسْلَامِ قَبْلَ مُضِيِّهَا فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إتْمَامُهَا، ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ وَكَرِدَّةٍ يُغْنِي عَنْهُ مَا بَعْدَهُ.
(ص) وَكَمُبْطِلٍ صَوْمَهُ (ش) مُبْطِلٌ اسْمُ فَاعِلٍ مُنَوَّنٌ وَفَاعِلُهُ مُسْتَتِرٌ يَعُودُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ وَصَوْمَهُ مَفْعُولُهُ أَيْ أَنَّ الْمُعْتَكِفَ إذَا أَبْطَلَ صَوْمَهُ بِفِطْرِ الْغِذَاءِ أَفْسَدَ اعْتِكَافَهُ وَاسْتَأْنَفَهُ.
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُعْذَرَ بِجَهْلٍ) أَيْ: بِجَهْلِ وُجُوبِ الِاعْتِكَافِ فِي مَحَلٍّ يَصِحُّ فِيهِ الْجُمُعَةُ وَهَذَا التَّقْيِيدُ لِلْفِيشِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْهُ عج وَلَعَلَّهُ قَوْلُهُ: قَالُوا لِلتَّبَرِّي (قَوْلُهُ: ثُمَّ رَجَعَ يُتِمُّ إلَخْ) ظَاهِرُ ذَلِكَ أَنْ يَرْجِعَ لِلْجَامِعِ الْأَوَّلِ فَإِذَا جَاءَتْ الْجُمُعَةُ يَخْرُجُ وَيَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ مَعَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ لَهُ أَنَّ هَذِهِ قَوْلُهُ: أَوْ انْتِهَاءً فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ إلَى الْمَحَلِّ الَّذِي تَصِحُّ فِيهِ الْجُمُعَةُ (قَوْلُهُ: تَأَمَّلْ) أَمْرٌ بِالتَّأَمُّلِ إشَارَةٌ إلَى ضَعْفِ هَذَا الْقَوْلِ وَأَنْ الرَّاجِحَ الْبُطْلَانُ كَمَا هُوَ مُفَادُ أَوَّلِ الْعِبَارَةِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: كَمَرَضِ أَبَوَيْهِ) وَظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ وَلَوْ كَانَ مَنْذُورًا، وَالْمَرَضُ خَفِيفًا فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ بَطَلَ عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ (قَوْلُهُ الْمُرَادُ إلَخْ) إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ عِبَارَةِ الْمُؤَلِّفِ تَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُطْلَبُ بِالْخُرُوجِ لِجِنَازَتِهِمَا وَهُوَ خِلَافُ الْمُرَادِ أَفَادَهُ فِي ك (قَوْلِهِ مَعًا) فِيهِ تَجُوزُ وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا الْمُقَارَنَةَ، بَلْ الْمُرَادُ بِهَا تَمَامُ مَوْتِهِمَا مَاتَا مَعًا، أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ بِأَنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَدُفِنَ ثُمَّ مَاتَ الْآخَرُ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ) وَمُقَابِلُهُ يَخْرُجُ لِجِنَازَتِهِمَا كَمَا يَخْرُجُ لِزِيَارَتِهِمَا هَكَذَا ذَكَرَهُ الْجُزُولِيُّ وَحَكَى فِي مِثْلِهِ قَوْلَيْنِ هَلْ يَبْنِي عَلَى اعْتِكَافِهِ، أَوْ يَبْتَدِئُ؟ (قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ) ، وَإِنْ خَرَجَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ (قَوْلُهُ: لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ) أَيْ: أَوْ تَحَمُّلِهَا؛ لِأَنَّ التَّحَمُّلَ كَالْأَدَاءِ، اقْتَصَرَ اللَّخْمِيُّ عَلَى الْأَدَاءِ وَكَذَا الْكَافِي، وَالْحَاصِلُ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ مَقْصُورٌ عَلَى الْأَدَاءِ قَالَ الْبَدْرُ إذْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا يَخْرُجُ، وَإِنْ وَجَبَ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ فِي الْأَدَاءِ، وَأَمَّا التَّحَمُّلُ فَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْخُرُوجِ (قَوْلُهُ: مَعْطُوفٌ إلَخْ) هَذَا عَلَى مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ الْعَاطِفِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِدُونِ عَطْفٍ رَاجِعٌ لِلنَّفْيِ فِي قَوْلِهِ لَا جِنَازَتُهُمَا أَيْ: لَا يَخْرُجُ لِجِنَازَتِهِمَا كَمَا لَا يَخْرُجُ لِلشَّهَادَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَلْتُؤَدَّ بِالْمَسْجِدِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ كَشَهَادَةٍ إمَّا بِغَيْرِ عَطْفٍ رَاجِعٍ لِلنَّفْيِ فِي قَوْلِهِ: لَا جِنَازَتُهُمَا مَعًا أَيْ: لَا يَخْرُجُ لِجِنَازَتِهِمَا كَمَا لَا يَخْرُجُ لِلشَّهَادَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَلْتُؤَدَّ بِالْمَسْجِدِ وَعَلَى الْعَطْفِ فَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ، أَمَّا قَوْلُهُ: جِنَازَتُهُمَا كَمَا قَالَ الشَّارِحُ وَأَمَّا قَوْلُهُ كَمَرَضِ أَبَوَيْهِ وَالْمُشَارَكَةُ فِي أَحَدِ حُكْمَيْهِ وَهُوَ الْبُطْلَانُ لَا فِي مَجْمُوعِ الْحُكْمَيْنِ مِنْ وُجُوبِ الْخُرُوجِ وَالْبُطْلَانِ وَقَوْلُهُ: وَإِنْ وَجَبَتْ مُبَالَغَةً فِي عَدَمِ الْخُرُوجِ عَلَى نُسْخَةِ عَدَمِ الْعَاطِفِ، أَوْ عَلَى الْعَاطِفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: جِنَازَتُهُمَا، وَأَمَّا عَلَى أَنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ كَمَرَضِ أَبَوَيْهِ فَالْمُبَالَغَةُ فِي الْبُطْلَانِ وَقَوْلُهُ: وَكَرِدَّةٍ، إمَّا أَنْ يَعْطِفَ عَلَى قَوْلِهِ: كَمَرَضِ أَبَوَيْهِ، أَوْ عَلَى جِنَازَتِهِمَا (قَوْلُهُ فَالْكَافُ لِلتَّمْثِيلِ) أَيْ: لِتَمْثِيلِ شَيْءٍ مَحْذُوفٍ وَالتَّقْدِيرُ وَلَا شَيْءَ مِثْلُ شَهَادَةٍ (قَوْلُهُ: وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَكَرِدَّةٍ إلَى بُطْلَانِ الِاعْتِكَافِ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا كَانَ قَوْلُهُ وَكَشَهَادَةٍ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ: لَا جِنَازَتُهُمَا مَعًا يَكُونُ الْمَعْنَى لَا يَخْرُجُ لِلشَّهَادَةِ، وَإِنْ خَرَجَ بَطَلَ فَإِذَا عَطَفْت قَوْلَهُ وَكَرِدَّةٍ عَلَى جِنَازَتِهِمَا تَكُونُ الْمُشَارَكَةُ فِي الْبُطْلَانِ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَحْصُلُ عِنْدَ الْخُرُوجِ لِجِنَازَتِهِمَا الْبُطْلَانُ كَذَلِكَ يَحْصُلُ عِنْدَ الرِّدَّةِ الْبُطْلَانُ (قَوْلُهُ: وَلَا يَجِبُ اسْتِئْنَافُهُ إذَا تَابَ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ الرِّدَّةُ وَالسُّكْرُ الْمُكْتَسَبُ مَانِعَانِ مِنْ صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ قَارِنًا الِابْتِدَاءَ، أَوْ طَرَآ وَيَجِبُ اسْتِئْنَافُهُ بِطُرُوِّ أَحَدِهِمَا اهـ.
(قَوْلُهُ: مُبْطِلٌ اسْمُ فَاعِلٍ مُنَوَّنٌ) أَيْ: وَكَإِبْطَالِ مُبْطِلٍ صَوْمَهُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي بَيَانِ الْمُبْطِلَاتِ لِلصَّوْمِ (قَوْلُهُ: أَفْسَدَ اعْتِكَافَهُ وَاسْتَأْنَفَهُ) ، وَلَوْ كَانَ تَطَوُّعًا فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَفْسَدَ عِبَادَةً لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا وَمِنْ بَابِ أَوْلَى لَوْ كَانَ مَنْذُورًا، وَلَوْ أَيَّامًا مُعَيَّنَةً وَفَاتَتْ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْذُورٍ أَيْ: أَوْ شَرِبَهُ مُتَعَمِّدًا (قَوْلُهُ: وَاسْتَأْنَفَهُ) أَيْ: مِنْ أَوَّلِهِ لَا أَنَّهُ يَبْنِي؛ لِأَنَّ الَّذِي يَبْنِي هُوَ الْمَغْلُوبُ عَلَى الْبُطْلَانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute