الْمَذْهَبِ جَعَلُوهَا شُرُوطًا فِي عَدَالَةٍ خَاصَّةٍ، وَهِيَ عَدَالَةُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَيَلْزَمُ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَسْتَوْفِ هَذِهِ الشُّرُوطَ يَكُونُ فَاسِقًا بِخِلَافِ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ غَيْرَ مَقْبُولِ الشَّهَادَةِ أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا فَمُرَادُ الْمُؤَلِّفِ بِالْعَدَالَةِ هُنَا عَدَالَةٌ خَاصَّةٌ، وَهِيَ عَدَالَةُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَا مُطْلَقُ عَدَالَةٍ ثُمَّ إنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ لَا يُشْتَرَطُ مِنْهَا حَالَ الْأَدَاءِ وَالتَّحَمُّلِ إلَّا الْعَقْلُ وَبَقِيَّتُهَا لَا تُشْتَرَطُ إلَّا حَالَ الْأَدَاءِ.
(ص) لَمْ يُبَاشِرْ كَبِيرَةً أَوْ كَثِيرَ كَذِبٍ، أَوْ صَغِيرَةً خِسَّةً وَسَفَاهَةً وَلِعْبِ نَرْدٍ (ش) يَعْنِي يُشْتَرَطُ فِي الشَّاهِدِ أَنْ لَا يَتَلَبَّسَ بِكَبِيرَةٍ تَلَبُّسًا لَا يُعْرَفُ لَهُ بَعْدَهُ تَوْبَةٌ وَيُؤْخَذُ هَذَا مِنْ كَلَامِهِ؛ إذْ مَعْنَاهُ لَمْ يُبَاشِرْ كَبِيرَةً وَقْتَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَإِنَّهُ إذَا تَلَبَّسَ بِهَا وَتَابَ وَحَسُنَتْ تَوْبَتُهُ ثُمَّ أَدَّاهَا لَمْ يَصْدُقْ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُتَلَبِّسٌ بِهَا وَيُشْتَرَطُ فِي الشَّاهِدِ أَنْ لَا يَكُونَ كَثِيرَ الْكَذِبِ فَتُغْتَفَرُ الْكَذْبَةُ الْوَاحِدَةُ فِي السَّنَةِ لِعُسْرِ التَّحَرُّزِ مِنْ ذَلِكَ وَيُشْتَرَطُ فِي الشَّاهِدِ أَنْ لَا يُبَاشِرَ صَغِيرَةَ الْخِسَّةِ مِثْلَ النَّظْرَةِ وَسَرِقَةِ لُقْمَةٍ وَالتَّطْفِيفِ بِحَبَّةٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لِدَلَالَةِ ذَلِكَ عَلَى دَنَاءَةِ الْهِمَّةِ، وَأَمَّا صَغَائِرُ غَيْرِ الْخِسَّةِ فَلَا تَقْدَحُ إلَّا بِشَرْطِ الْإِدْمَانِ عَلَيْهَا وَيُشْتَرَطُ فِي الشَّاهِدِ أَنْ لَا يَتَلَبَّسَ بِسَفَاهَةٍ وَفُسِّرَتْ بِالْمُجُونِ، وَهُوَ أَنْ لَا يُبَالِي الْإِنْسَانُ بِمَا صَنَعَ أَوْ الْقَلِيلُ الْمُرُوءَةِ الَّذِي يُكْثِرُ الدُّعَابَةَ وَالْهَزْلَ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ لَكِنْ هَذَا يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ: ذُو مُرُوءَةٍ وَإِنَّمَا حُمِلَ عَلَى هَذَا لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ مَعَ قَوْلِهِ بِلَا حَجْرٍ لَكِنَّهُ يُغْنِي عَنْهُ ذُو مُرُوءَةٍ، وَأَمَّا إنْ حُمِلَ عَلَى السَّفَهِ الَّذِي لَيْسَ مَعَهُ حَجْرٌ بِخِلَافِ السَّفَهِ مَعَ الْحَجْرِ فَلَا تَكْرَارَ فَلَا يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ: ذُو مُرُوءَةٍ لَكِنْ فِيهِ نَوْعُ تَكَلُّفٍ وَيُشْتَرَطُ فِي الشَّاهِدِ أَنْ لَا يَلْعَبَ بِالنَّرْدِ وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً وَظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ قِمَارٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَمِثْلُهُ الطَّابُ وَحُكْمُ اللَّعِبِ بِالنَّرْدِ الْحُرْمَةُ بِخِلَافِ الشِّطْرَنْجِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ كَمَا صَحَّحَهُ الْقَرَافِيُّ فَقَوْلُهُ: وَسَفَاهَةً مَعْطُوفٌ عَلَى كَبِيرَةً فَتَكُونُ الْمُبَاشَرَةُ بِمَعْنَى التَّلَبُّسِ أَيْ لَمْ يَتَلَبَّسْ بِسَفَاهَةٍ، وَقَوْلُهُ: وَلِعْبَ نَرْدٍ عَطْفٌ عَلَى كَبِيرَةً.
(ص) ذُو مُرُوءَةٍ بِتَرْكِ غَيْرِ لَائِقٍ مِنْ حَمَامٍ وَسَمَاعِ غِنَاءٍ وَدِبَاغَةٍ وَحِيَاكَةٍ اخْتِيَارًا وَإِدَامَةِ شِطْرَنْجٍ (ش)
ــ
[حاشية العدوي]
أَوْصَافَ مَنْ يَشْهَدُ لَا مُطْلَقَ الْعَدَالَةِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ مِنْ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ فِي الشَّاهِدِ، وَأَيْضًا الْعَدْلُ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: الشَّاهِدُ الْعَدْلُ (قَوْلُهُ: لَا مُطْلَقُ عَدَالَةٍ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْعَدَالَةَ تُطْلَقُ عَلَى عَدَالَةِ الشَّهَادَةِ، وَتُطْلَقُ الْعَدَالَةُ عَلَى عَدَمِ الْفِسْقِ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ شُرُوطُ الشَّهَادَةِ كُلُّهَا (قَوْلُهُ: وَبَقِيَّتُهَا لَا تُشْتَرَطُ إلَّا حَالَ الْأَدَاءِ) أَيْ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ حَتَّى عِنْدَ التَّحَمُّلِ إحْدَاهُمَا شَاهِدَا النِّكَاحِ وَثَانِيَتُهُمَا الْمَشْهُودُ عَلَى خَطِّهِ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا يَأْتِي: وَتَحَمُّلُهَا عَدْلًا فَالنِّكَاحُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ} [الطلاق: ٢] وَوَضْعُ الْخَطِّ بِمَنْزِلَةِ الْأَدَاءِ.
(قَوْلُهُ: لَمْ يُبَاشِرْ كَبِيرَةً) هَذَا غَيْرُ قَوْلِهِ بِلَا فِسْقٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِلَا فِسْقٍ أَرَادَ الْكَبِيرَةَ الظَّاهِرَةَ كَالزِّنَا، وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ: لَمْ يُبَاشِرْ كَبِيرَةً الْبَاطِنَةَ كَالْعُجْبِ (قَوْلُهُ: لَا تُعْرَفُ بَعْدَهُ تَوْبَةٌ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى هَذَا يَكُونُ مَنْطُوقُ الْمُصَنِّفِ صَادِقًا بِصُورَتَيْنِ أَنْ لَا يَصْدُرَ مِنْهُ كَبِيرَةٌ أَصْلًا أَوْ صَدَرَتْ وَتَابَ مِنْهَا عِنْدَ الْأَدَاءِ (قَوْلُهُ: فَتُغْتَفَرُ الْكَذْبَةُ الْوَاحِدَةُ فِي السَّنَةِ) كَذَا فِي التَّوْضِيحِ أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ مُقْتَضَى تِلْكَ الْعِلَّةِ أَنَّ الْكَذْبَةَ الْوَاحِدَةَ كَبِيرَةٌ، وَاغْتُفِرَتْ لِعُسْرِ التَّحَرُّزِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً فَلَمْ تَحْتَجْ لِتَعْلِيلٍ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَةَ غَيْرَ صَغِيرَةِ الْخِسَّةِ لَا تَقْدَحُ، وَلَوْ تَعَمَّدَهَا اخْتِيَارًا كَمَا قَالُوا وَمُقْتَضَى كَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّهَا صَغِيرَةٌ ثُمَّ إنَّ هَذَا كُلَّهُ مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهَا عَظِيمُ مَفْسَدَةٍ فَتَسْقُطُ بِهَا الشَّهَادَةُ فَفِي مَفْهُومِ كَثِيرَ كَذِبِ تَفْصِيلٌ (قَوْلُهُ: مِثْلَ النَّظْرَةِ) اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ صَغِيرَةٌ، وَهِيَ مَا عَدَا الْإِيلَاجَ فَهُوَ الَّذِي يُوصَفُ بِكَوْنِهِ كَبِيرَةً زِنًا أَوْ لِوَاطًا ثُمَّ إنَّ جَعْلَهُ النَّظْرَةَ أَيْ وَنَحْوَهَا مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ صَغِيرَةَ خِسَّةٍ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ صَغِيرَةُ غَيْرِ خِسَّةٍ؛ لِأَنَّهَا يُفْتَخَرُ بِهَا وَلَوْ كَانَتْ حَرَامًا بِخِلَافِ سَرِقَةِ لُقْمَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَمُسَلَّمٌ، وَقَوْلُهُ: وَأَمَّا صَغَائِرُ غَيْرِ الْخِسَّةِ أَيْ كَنَظَرٍ وَجَسَّةٍ (قَوْلُهُ: وَسَرِقَةِ لُقْمَةٍ) قَيَّدَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ لِمِسْكِينٍ فَتَلْحَقُ بِالْكَبِيرَةِ قَالَهُ تت أَيْ فَتَكُونُ مِنْ أَفْرَادِ الْكَبِيرَةِ، وَظَاهِرُهُ اعْتِبَارُ هَذَا الْقَيْدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَقَّبْهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يَرْتَضِهِ بَلْ مُتَوَقِّفٌ فِيهِ وَالظَّاهِرُ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ غَيْرَ أَنَّهُ ذَنْبٌ صَغِيرٌ قَوِيٌّ (قَوْلُهُ: إلَّا بِشَرْطِ الْإِدْمَانِ عَلَيْهَا) ؛ لِأَنَّ الْإِدْمَانَ يُصَيِّرُهَا كَبِيرَةً (قَوْلُهُ: بِالْمُجُونِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَالْجِيمِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَنْ لَا يُبَالِيَ الْإِنْسَانُ بِمَا صَنَعَ) أَيْ كَاَلَّذِي يَتَكَلَّمُ فِي الْمَحَافِلِ بِأَلْفَاظِ الْخَنَى (قَوْلُهُ: أَوْ الْقَلِيلُ الْمُرُوءَةِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ التَّفْسِيرَيْنِ مُتَلَازِمَانِ (قَوْلُهُ: الدُّعَابَةَ) بِضَمِّ الدَّالِ، وَقَوْلُهُ: وَالْهَزْلَ عَطَفَهُ عَلَى الدُّعَابَةِ عَطْفَ تَفْسِيرٍ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ قِمَارٌ) أَيْ مُغَالَبَةٌ بِأَنْ كَانَ خَالِيًا عَنْ دَفْعِ دَرَاهِمَ، وَالْقِمَارُ إنَّمَا يَكُونُ مَعَ دَفْعِ دَرَاهِمَ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ لِخَبَرِ «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ فَكَأَنَّمَا وَضَعَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ أَوْ دَمِهِ» وَفِي الْخَبَرِ أَيْضًا «مَلْعُونٌ مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ» وَمَنْ يَكُنْ مَلْعُونًا لَمْ يَكُنْ عَدْلًا وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ لَمْ يُدْمِنْ ذَلِكَ فَهُوَ حَرَامٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ الزَّرْقَانِيُّ بَلْ حَيْثُ وَرَدَ الْحَدِيثُ فِيهِ بِخُصُوصِهِ يَكُونُ كَبِيرَةً، وَإِنْ كَانَ عَطْفُهُ عَلَى كَبِيرَةٍ يَرُدُّهُ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ الطَّابُ) أَيْ فَهُوَ حَرَامٌ، وَقَوْلُهُ: فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ الْحُرْمَةُ.
(قَوْلُهُ: ذُو مُرُوءَةٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا، وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ، وَيُقَالُ: فِيهَا مُرُوَّةٌ بِإِبْدَالِ الْهَمْزَةِ وَاوًا وَإِدْغَامِ الْمَدَّةِ فِيهَا كَمَا قَالَ الْفِيشِيُّ (قَوْلُهُ: بِتَرْكِ غَيْرِ لَائِقٍ) الْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ (قَوْلُهُ: مِنْ حَمَامٍ) أَيْ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مُحَرَّمٍ، وَإِلَّا كَانَ كَبِيرَةً كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ أَيْ مِنْ لِعْبِ حَمَامٍ أَيْ مَعَ الْإِدْمَانِ (قَوْلُهُ: وَدِبَاغَةٍ) هَذِهِ الصَّنَائِعُ لَا يُتَقَيَّدُ فِيهَا بِالْأَمْثِلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْفُقَهَاءُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ (قَوْلُهُ: وَإِدَامَةِ شِطْرَنْجٍ) الْإِدَامَةُ أَنْ يَلْعَبَ بِهِ فِي السَّنَةِ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ كَمَا فِي الطُّرُرِ، وَبَعْضُ الْأَشْيَاخِ بِمَرَّةٍ فِي السَّنَةِ، وَاقْتِصَارُ بَعْضٍ عَلَى الْأُولَى يُفِيدُ قُوَّتَهُ عَلَى الثَّانِي، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَشِطْرَنْجٍ مِنْ الْمُشَاطَرَةِ أَوْ التَّشْطِيرِ؛ لِأَنَّ مَا يَخُصُّ كُلَّ وَاحِدٍ يُجْعَلُ شَطْرَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute