للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَوْلُهُ: لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ يَخْرُجُ أَخْذُ الْأَبِ مَالَ ابْنِهِ، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ إذَا سَرَقَ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ، وَحَقُّهُ أَنْ يُقَيِّدَ الشُّبْهَةَ بِالْقَوِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَرَقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ، وَقَوْلُهُ: خِفْيَةً يَخْرُجُ بِهِ غَيْرُ الْخِفْيَةِ؛ لِأَنَّ السَّارِقَ هُوَ الَّذِي يَأْتِي خِفْيَةً، وَيَذْهَبُ كَذَلِكَ، وَأَمَّا لَوْ ذَهَبَ جِهَارًا فَهُوَ مُخْتَلِسٌ، وَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ، وَيَرِدُ عَلَى الرَّسْمِ مَنْ سَرَقَ خَمْرَ الذِّمِّيِّ، فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ مَعَ أَنَّهُ مَالٌ مُحْتَرَمٌ، وَمَنْ سَرَقَ نِصَابًا، ثُمَّ سَرَقَهُ آخَرُ مِنْ السَّارِقِ فَإِنَّهُمَا يُقْطَعَانِ مَعًا وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ كِتَابًا وَسُنَّةً وَإِجْمَاعًا

، وَلَمْ يُعَرِّفْ الْمُؤَلِّفُ السَّرِقَةَ وَبَدَأَ بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا فَقَالَ (ص) : تُقْطَعُ الْيُمْنَى، وَتُحْسَمُ بِالنَّارِ. (ش) يَعْنِي أَنَّ السَّارِقَ الْمُكَلَّفَ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا حُرًّا كَانَ أَوْ رَقِيقًا ذَكَرًا كَانَ، أَوْ أُنْثَى إذَا سَرَقَ، وَيَمِينُهُ صَحِيحَةٌ، فَإِنَّهَا تُقْطَعُ مِنْ كُوعِهَا إجْمَاعًا وَلَوْ كَانَ أَعْسَرَ، فَالسُّنَّةُ بَيَّنَتْ أَنَّ الْقَطْعَ مِنْ الْكُوعِ فَقَدْ خَصَّصَتْ عُمُومَ قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] وَإِذَا قُطِعَتْ فَتُحْسَمُ بِالنَّارِ لِيَنْقَطِعَ جَرَيَانُ الدَّمِ؛ لِئَلَّا يَتَمَادَى جَرْيُهُ حَتَّى يُنْزِيَ فَيَمُوتَ، فَإِذَا احْتَرَقَتْ أَفْوَاهُ الْعُرُوقِ مَنَعَ ذَلِكَ جَرْيَ الدَّمِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْحِرَابَةِ، فَالْحَسْمُ مِنْ حَقِّ السَّارِقِ لَا مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ؛ لِأَنَّهُ عَلَّلَ بِخَوْفِ الْهَلَاكِ عَلَى السَّارِقِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: تُقْطَعُ الْيُمْنَى، وَتُحْسَمُ بِالنَّارِ بِسَرِقَةِ طِفْلٍ.

وَقَالَ الْحَطَّابُ: اُنْظُرْ هَلْ الْحَسْمُ وَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ؟ . أَيْ: فَإِنْ تَرَكَهُ أَثِمَ، أَوْ الْمَقْطُوعَةِ يَدُهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا

. (ص) إلَّا لِشَلَلٍ، أَوْ نَقْصِ أَكْثَرِ الْأَصَابِعِ فَرِجْلُهُ الْيُسْرَى. (ش) قَدْ عَلِمْت أَنَّ رُتْبَةَ الرِّجْلِ الْيُسْرَى بَعْدَ الْيَدِ الْيُمْنَى، فَإِذَا سَرَقَ، وَلَا يَمِينَ لَهُ، أَوْ لَهُ يَمِينٌ شَلَّاءُ، أَوْ كَانَتْ نَاقِصَةً أَكْثَرَ الْأَصَابِعِ، فَإِنَّ الْحُكْمَ يَنْتَقِلُ لِلرِّجْلِ الْيُسْرَى أَيْ: فَتُقْطَعُ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَهُ مَالِكٌ، وَأَخَذَ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَقَوْلُهُ: (وَمَحَا لِيَدِهِ الْيُسْرَى) ضَعِيفٌ أَيْ: وَمَحَا مَالِكٌ الْقَوْلَ بِقَطْعِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى لِلْقَوْلِ بِقَطْعِ يَدِهِ الْيُسْرَى، وَالْعَمَلُ عَلَى الْمَمْحُوِّ، وَهُوَ قَطْعُ الرِّجْلِ الْيُسْرَى، لَكِنَّ الْمَحْوَ إنَّمَا وَقَعَ فِيمَنْ لَا يَمِينَ لَهُ، أَوْ لَهُ يَمِينٌ شَلَّاءُ، لَكِنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ إنَّمَا سَمِعَ الْمَحْوَ فِيمَنْ لَا يَمِينَ لَهُ، وَبَلَغَهُ ذَلِكَ فِيمَنْ لَهُ يَمِينٌ شَلَّاءُ، وَالنَّاقِصَةُ أَكْثَرُ الْأَصَابِعِ مَقِيسَةٌ عَلَى الشَّلَّاءِ، وَمَنْ لَا يَمِينَ لَهُ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ: إلَّا الشَّلَلَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ: لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ) قَالَ الشَّارِحُ يَخْرُجُ الْعَبْدُ السَّارِقُ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ لِأَنَّ لَهُ شُبْهَةً وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ عَدَمَ قَطْعِ الْعَبْدِ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ عَلَى السَّيِّدِ ضَيَاعُ مَالِهِ، وَقَطْعُ يَدِ عَبْدِهِ لَا عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَهُ شُبْهَةَ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَقَوْلُنَا ضَيَاعُ مَالِهِ أَيْ: عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْعَبْدَ ضَيَّعَهُ.

(قَوْلُهُ: السَّرِقَةُ اسْمُ مَصْدَرٍ) أَيْ: اسْمٌ مَعْنَاهُ الْمَصْدَرُ هَذَا مَعْنَاهُ ثُمَّ نَقُولُ: قَضِيَّةُ كَوْنِهَا اسْمُ مَصْدَرٍ أَنْ لَا تُفَسَّرَ بِالْأَخْذِ الَّذِي هُوَ الْحَدَثُ بَلْ تُفَسَّرُ بِالسَّرَقِ الَّذِي هُوَ الْمَصْدَرُ الَّذِي يُفَسَّرُ بِالْأَخْذِ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَنْظُورُ لَهُ فِي الْإِفَادَةِ هُوَ الْأَخْذُ الَّذِي هُوَ الْحَدَثُ نَظَرَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَدْلُولَ الْمَدْلُولِ مَدْلُولٌ وَلَمْ يَلْتَفِتْ لِلْمَدْلُولِ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يُعَارِضُ مَا تَقَدَّمَ لَهُ فِي قَوْلِهِ: يُقَالُ: سَرَقَ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ سَرِقَةً مَصْدَرٌ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِمَنْعِ الْإِفَادَةِ، وَيَكُونُ مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّارِحَ قَصَدَ بَيَانَ تَصَارِيفِ الْمَادَّةِ مِنْ فِعْلٍ وَمَصْدَرٍ وَاسْمِ مَصْدَرٍ. (قَوْلُهُ: مُنَاسِبٌ لِاسْمِ الْمَصْدَرِ) أَيْ: لِاسْمٍ هُوَ الْمَصْدَرُ أَيْ: أَنَّ أَخَذَ مُنَاسِبٌ لِتَعْرِيفِهِ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ وَقَوْلُهُ: وَإِذَا أُرِيدَ الِاسْمِيُّ أَيْ وَإِذَا أُرِيدُ تَعْرِيفُ السَّرِقَةِ بِالْمَعْنَى الِاسْمِيِّ، وَقَوْلُهُ: يَكُونُ إلَخْ أَيْ: يُفَسَّرُ بِالْمَالِ الْمَأْخُوذِ مِنْ مُكَلَّفٍ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ قَوْلَهُ: مِنْ مُكَلَّفٍ صِفَةٌ لِقَوْلِهِ: الْمَأْخُوذُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالْمُخَلِّصُ أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُ الشَّارِحِ مِنْ مُكَلَّفٍ حَالًا مِنْ الْأَخْذِ الْمَفْهُومِ مِنْ مَأْخُوذٍ أَيْ: حَالَ كَوْنِ الْأَخْذِ مِنْ مُكَلَّفٍ أَيْ: نَاشِئٍ مِنْ مُكَلَّفٍ فَالْمُكَلَّفُ سَارِقٌ لَا مَسْرُوقٌ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: يَخْرُجُ أَخْذُ الْأَبِ إلَخْ) أَيْ: وَكَذَا لَوْ أَخَذَ الْأَبُ الْعَاقِلُ مَعَ أَجْنَبِيٍّ عَاقِلٍ فَلَا قَطْعَ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ كَالْأَبِ وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْأَبُ غَيْرَ عَاقِلٍ وَالْأَجْنَبِيُّ عَاقِلٌ فَيُقْطَعُ الْأَجْنَبِيُّ فَقَطْ. (قَوْلُهُ: وَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ) وَكَذَا مَنْ دَخَلَ جِهَارًا وَخَرَجَ خِفْيَةً. (قَوْلُهُ: وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ كِتَابًا إلَخْ) قَالَ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} [المائدة: ٣٨] إلَخْ وَقَوْلُهُ: وَسُنَّةً قَالَ: " - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ تُقْطَعُ يَدُهُ» .

وَالْمُرَادُ بِهَا بَيْضَةُ الدَّجَاجَةِ،. وَقَوْلُهُ: تُقْطَعُ يَدُهُ أَيْ: تَجُرُّهُ لِسَرِقَةِ مَا يُوجِبُ الْقَطْعَ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بَيْضَةُ الْحَدِيدِ الَّتِي تُجْعَلُ عَلَى الرَّأْسِ فِي الْحُرُوبِ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ أَعْسَرَ إلَخْ) الرَّاجِحُ إنْ أَعْسَرَ الْيُمْنَى تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ النَّقْلُ أَيْ: لِأَنَّهُ سَرَقَ بِهَا. (قَوْلُهُ: فَقَدْ خَصَّصَتْ) الْأَوْلَى فَقَدْ قَيَّدَتْ، لِأَنَّ قَوْلَهُ {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] يَحْتَمِلُ مِنْ الْكُوعِ أَوْ مِنْ الْمِرْفَقِ أَوْ مِنْ الْمَنْكِبِ. (قَوْلُهُ: وَتُحْسَمُ بِالنَّارِ) أَيْ: يُغْلَى زَيْتٌ عَلَى نَارٍ وَتُحْسَمُ فِيهِ لِيَقْطَعَ جَرَيَانَ الدَّمِ. (قَوْلُهُ: فَالْحَسْمُ مِنْ حَقِّ السَّارِقِ) هَذَا يَنْتُجُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ لِأَنَّ الْمَعْنَى مِنْ حَقِّهِ عَلَى الْإِمَامِ، فَالْوُجُوبُ مُتَعَلِّقٌ بِالْإِمَامِ أَوْ بِمَنْ يَتَوَلَّى الْقَطْعَ كَانَ الْإِمَامَ أَوْ نَائِبَهُ. (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ إلَخْ) فِي ابْنِ عَسْكَرٍ وَهَلْ الْحَسْمُ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ؟ . قَوْلَانِ فَعَلَى أَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ فَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ فَقَطْ، وَعَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ، فَيَظْهَرُ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ وَالْمَقْطُوعِ يَدُهُ جَمِيعًا فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَالظَّاهِرُ إلَخْ يُنَاسِبُ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ فَقَوْلُ الْحَطَّابِ وَانْظُرْ إلَخْ لَا حَاجَةَ لِلتَّنْظِيرِ لِمَا عَلِمْتَ

. (قَوْلُهُ: أَوْ نَقْصِ أَكْثَرِ الْأَصَابِعِ) ثَلَاثَةٍ لِلْيُمْنَى قَبْلَ الْحُكْمِ بِقَطْعِهَا لَا أُصْبُعَيْنِ وَأُنْمُلَتَيْنِ، وَانْظُرْ لَوْ طَرَأَ الشَّلَلُ بَعْدَ الْحُكْمِ بِقَطْعِهَا وَقَبْلَ الْقَطْعِ هَلْ تُقْطَعُ نَظَرًا لِحَالِ الْحُكْمِ أَوْ لَا؟ ، وَاسْتُظْهِرَ الْأَوَّلُ وَيَجْرِي مِثْلُهُ فِيمَنْ جَنَى عَلَى آخَرَ وَيَدُهُ صَحِيحَةٌ وَحُكِمَ بِقَطْعِهَا ثُمَّ شُلَّتْ. (قَوْلُهُ: فَرِجْلُهُ الْيُسْرَى) وَانْظُرْ إذَا وَجَبَ الْقَطْعُ عَلَى الرِّجْلِ الْيُسْرَى فَوُجِدَتْ شَلَّاءَ أَوْ نَاقِصَةَ أَكْثَرِ الْأَصَابِعِ هَلْ يُنْتَقَلُ لِلرِّجْلِ الْيُمْنَى؟ . أَوْ لِلْيَدِ الْيُسْرَى أَوْ لَا.

(قَوْلُهُ: مَقِيسَةٌ عَلَى الشَّلَّاءِ) الْأَوْلَى مَقِيسٌ عَلَى مَا ذَكَرَ الصَّادِقُ بِالشَّلَّاءِ وَمَنْ لَا يَمِينَ لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>