للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى زَكَاةِ الْفِطْرِ وَإِنْ كَانَ مُتَعَلِّقُهَا أَشْرَفَ مِنْ مُتَعَلِّقِ زَكَاةِ الْأَمْوَالِ: وَهُوَ الْأَبْدَانُ فَإِنَّهَا أَشْرَفُ مِنْ الْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّ زَكَاةَ الْأَمْوَالِ دِعَامَةٌ مِنْ دَعَائِمِ الْإِسْلَامِ، وَلَمَّا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي وُجُوبِهَا وَسُنِّيَّتِهَا وَالْمَشْهُورُ الْوُجُوبُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (فَصْلٌ) يَجِبُ بِالسُّنَّةِ صَاعٌ (ش) أَيْ: يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ وُجُوبًا ثَابِتًا بِالسُّنَّةِ صَاعٌ مِنْ جَمِيعِ الْأَنْوَاعِ عَلَى الْمَعْرُوفِ لِخَبَرِ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ» اهـ.

وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ كُلُّ مُدٍّ رِطْلٌ وَثُلُثٌ بِالْبَغْدَادِيِّ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الرِّطْلَ الْمَذْكُورَ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا مَكِّيًّا

(ص) أَوْ جُزْؤُهُ (ش) إنْ حَمَلَ عَلَى مَسْأَلَةِ سَنَدٍ فَاتَهُ الْكَلَامُ عَلَى مَسْأَلَةِ الرَّقِيقِ، وَإِنْ حَمَلَ عَلَى مَسْأَلَةِ الرَّقِيقِ فَاتَهُ الْكَلَامُ عَلَى مَسْأَلَةِ سَنَدٍ، وَالْأَوْلَى كَلَامُ الْحَطَّابِ؛ لِأَنَّهُ حَمَلَ الْكَلَامَ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ، وَلَفْظُهُ يَعْنِي أَنَّ الْوَاجِبَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ قَدْرُ صَاعٍ بِصَاعِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْ جُزْءُ صَاعٍ، وَلَا يَجِبُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ أَمَّا الصَّاعُ فَفِي حَقِّ الْمُسْلِمِ الْحُرِّ الْقَادِرِ عَلَيْهِ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ كُلِّ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ الْآتِيَةِ، وَأَمَّا جُزْءُ الصَّاعِ فَفِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ، وَالْمُعْتَقِ بَعْضُهُ وَفِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا جُزْءَ صَاعٍ، وَعَلَى حَمْلِهِ عَلَى مَسْأَلَةِ الرَّقِيقِ لَا يَتَكَرَّرُ قَوْلُهُ فِيمَا سَيَأْتِي، وَالْمُشْتَرَكُ وَالْمُبَعَّضُ بِقَدْرِ الْمِلْكِ مَعَهُ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ هُنَا فِي الْوُجُوبِ، وَفِيمَا سَيَأْتِي فِي الْقَدْرِ الْمُخْرَجِ أَيْ: هَلْ هُوَ عَلَى الرُّءُوسِ أَوْ عَلَى الْحِصَصِ فَبَيَّنَ أَنَّهُ عَلَى الْحِصَصِ، وَعَلَى حَمْلِهِ عَلَى مَسْأَلَةِ سَنَدٍ يَكُونُ قَوْلُهُ: فِيمَا يَأْتِي وَالْمُشْتَرَكُ وَالْمُبَعَّضُ بِقَدْرِ الْمِلْكِ فِي بَيَانِ الْوُجُوبِ أَيْ: يَجِبُ الْإِخْرَاجُ بِقَدْرِ الْمِلْكِ.

(ص) عَنْهُ فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ (ش) الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: عَنْهُ يَرْجِعُ لِلْحُرِّ الْمُسْلِمِ الْمُكَلَّفِ الْمَفْهُومِ مِنْ السِّيَاقِ كَمَا قَرَّرْنَا، إذْ لَا بُدَّ لِلْوُجُوبِ مِنْ مُكَلَّفٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ وَقَوْلُهُ: فَضَلَ صِفَةُ صَاعٍ وَمَعْطُوفِهِ أَيْ: أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ فَضَلَ عِنْدَهُ مَا ذَكَرَ مِنْ الصَّاعِ، أَوْ جُزْئِهِ عَنْ قُوتِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَلَوْ خَشِيَ الْجُوعَ فِيمَا بَعْدَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، أَوْ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ اللَّازِمِ لَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ وَحْدَهُ.

(ص) وَإِنْ بِتَسَلُّفٍ (ش) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: صَاعٌ أَوْ جُزْؤُهُ أَيْ: وَإِنْ كَانَ الصَّاعُ أَوْ جُزْؤُهُ الْفَاضِلُ عَنْ قُوتِهِ أَوْ قُوتِ عِيَالِهِ حَاصِلًا بِتَسَلُّفٍ أَيْ: وَهُوَ يَرْجُو قَضَاءَهُ أَوْ يَعْلَمُ مَنْ يَتَسَلَّفُ مِنْهُ وَقِيلَ لَا يَجِبُ التَّسَلُّفُ، فَلَوْ أَتَى بِلَوْ الْمُشِيرَةِ لِلْخِلَافِ الْمَذْهَبِيِّ لَكَانَ أَجْوَدَ، وَيُؤْخَذُ مِمَّا هُنَا عَدَمُ سُقُوطِهَا بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّا إذَا كُنَّا نَتَسَلَّفُ لَهَا فَلَا يَكُونُ الدَّيْنُ السَّابِقُ عَلَيْهَا مُسْقِطًا لَهَا مِنْ بَابِ الْأَوْلَى وَهُوَ الْمَذْهَبُ

. (ص) وَهَلْ بِأَوَّلِ لَيْلَةِ الْعِيدِ أَوْ بِفَجْرِهِ؟ خِلَافٌ (ش) التَّتَّائِيُّ أَيْ: وَهَلْ يَتَعَلَّقُ الْخِطَابُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ عَلَى مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا بِأَوَّلِ لَيْلَةِ الْعِيدِ وَهُوَ غُرُوبُ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَلَا يَمْتَدُّ بَعْدَهُ أَصْلًا؟ ابْنُ يُونُسَ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَشَهَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفِطْرَ الَّذِي أُضِيفَ إلَيْهِ هُوَ الْفِطْرُ الْجَائِزُ، وَهُوَ الَّذِي يَدْخُلُ وَقْتُهُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ بِفَجْرِ يَوْمِ الْعِيدِ، وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْأَخَوَانِ عَنْ مَالِكٍ، وَشَهَرَهُ الْأَبْهَرِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفِطْرَ الَّذِي أُضِيفَتْ إلَيْهِ هُوَ الْفِطْرُ الْوَاجِبُ الَّذِي يَدْخُلُ وَقْتُهُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ، خِلَافٌ وَلَا يَمْتَدُّ

ــ

[حاشية العدوي]

(قَوْلُهُ: دِعَامَةٌ) أَيْ: رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ

(قَوْلُهُ: عَلَى الْمَعْرُوفِ) أَيْ: صَاعٌ مِنْ جَمِيعِ الْأَنْوَاعِ عَلَى الْمَعْرُوفِ وَمُقَابِلُهُ مَا لِابْنِ حَبِيبٍ يُؤَدِّي مِنْ الْبُرِّ مُدَّيْنِ وَهُوَ نِصْفُ صَاعٍ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ شَرْحِ بَهْرَامَ الْكَبِيرِ (قَوْلُهُ: أَوْ صَاعًا إلَخْ) اقْتَصَرَ عَلَى هَذَيْنِ مَعَ أَنَّهَا تَجِبُ فِي غَيْرِهِمَا لِكَوْنِهِ الْمَوْجُودَ إذْ ذَاكَ (قَوْلُهُ: عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ) أَيْ: حَالَةَ كَوْنِ الصَّاعِ كَائِنًا عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، (قَوْلُهُ: كُلُّ مُدٍّ رِطْلٌ وَثُلُثٌ) كُلُّ مُدٍّ مِلْءُ الْيَدَيْنِ الْمُتَوَسِّطَتَيْنِ لَا مَقْبُوضَتَيْنِ وَلَا مَبْسُوطَتَيْنِ وَقَدْ حُرِّرَ الصَّاعُ فَوُجِدَ أَرْبَعَ حَفَنَاتٍ بِحَفْنَةِ الرَّجُلِ الَّذِي لَيْسَ بِعَظِيمِ الْكَفَّيْنِ وَلَا صَغِيرِهِمَا، وَذَلِكَ قَدَحٌ وَثُلُثٌ (قَوْلُهُ: إنْ حُمِلَ عَلَى مَسْأَلَةِ سَنَدٍ) هِيَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى كُلِّ الصَّاعِ بَلْ عَلَى جُزْئِهِ قَالَ سَنَدٌ فِي الطِّرَازِ مَنْ قَدَرَ عَلَى بَعْضِ الزَّكَاةِ أَخْرَجَهُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (قَوْلُهُ: فِي بَيَانِ الْوُجُوبِ) فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ فِي بَيَانِ الْوُجُوبِ مَعَ بَيَانِ كَوْنِهِ بِقَدْرِ الْحِصَصِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ خَشِيَ الْجُوعَ فِيمَا بَعْدَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ) ، وَمُقَابِلُهُ مَا قَالَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ يُخْرِجُهَا إذَا كَانَ لَا يَلْحَقُهُ فِي إخْرَاجِهَا مَضَرَّةٌ مِنْ فَسَادِ مَعَاشِهِ، أَوْ جُوعِهِ، أَوْ جُوعِ عِيَالِهِ يُرِيدُ وَلَوْ فَضَلَ عَنْهُ أَكْثَرُ مِنْ صَاعٍ إذَا خَشِيَ مِنْ ذَلِكَ لَا يُخْرِجُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ يَرْجُو قَضَاءَهُ، أَوْ يَعْلَمُ إلَخْ) أَيْ: أَوْ كَانَ لَا يَرْجُو قَضَاءَهُ لَكِنْ يُعْلِمُ مَنْ أَعْلَمَ مَنْ يَتَسَلَّفُ مِنْهُ أَيْ: يُعْلِمُهُ بِأَنَّهُ يُخْرِجُهَا زَكَاةً فَإِذَا بَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ يُخْرِجُهَا زَكَاةً فَيَجِبُ السَّلَفُ، وَإِنْ لَمْ يَرْجُ الْقَضَاءَ اُنْظُرْ الْحَطَّابَ فَإِنَّ ذَلِكَ فِيهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِعْلَامَ وَاجِبٌ، وَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الدُّيُونِ.

(قَوْلُهُ: فَلَوْ أَتَى بِلَوْ إلَخْ) وَأَجَابَ عَنْهُ تت بِأَنَّهُ قَدْ يُشِيرُ بِأَنَّ لِلْمَذْهَبِيِّ عَلَى أَنَّهُ يُقَالُ إنَّ الْمُصَنِّفَ قَدْ قَالَ: وَبِلَوْ إلَخْ أَيْ: أَنِّي إذَا أَتَيْت بِلَوْ يَكُونُ إشَارَةً إلَى الْخِلَافِ الْمَذْهَبِيِّ لَا أَنَّهُ مَتَى كَانَ خِلَافًا مَذْهَبِيًّا أُشِيرَ لَهُ بِلَوْ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ) وَمُقَابِلُهُ مَا لِأَبِي الْحَسَنِ مِنْ سُقُوطِهَا بِالدَّيْنِ

(قَوْلُهُ: وَهَلْ بِأَوَّلِ لَيْلَةِ الْعِيدِ) أَيْ: عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إذْ بِهِ تَحْصُلُ فَرْحَةُ الْفِطْرِ فَنَاسَبَ الصَّدَقَةَ، أَوْ بِفَجْرِهِ لِخَبَرِ «أَغْنُوهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ عَنْ السُّؤَالِ» ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَنْ قَارَنَتْ وِلَادَتُهُ وَقْتَ الْغُرُوبِ أَوْ طُلُوعَ الْفَجْرِ وَمَاتَ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ مَنْ وُلِدَ وَقْتَهُمَا وَمَاتَ بَعْدَهُ لَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ وُلِدَ بَعْدَهُمَا وَأَنَّ مَنْ فُقِدَ وَقْتَهُمَا كَمَنْ فُقِدَ قَبْلُ، (قَوْلُهُ: الْفِطْرُ الْجَائِزُ) اُنْظُرْ مَا وَجْهُ كَوْنِ الْفِطْرِ عِنْدَ الْغُرُوبِ جَائِزًا وَبَعْدَ الْفَجْرِ وَاجِبًا فَإِنْ أُرِيدَ الْفِطْرُ بِالْفِعْلِ فَهُوَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِالنِّيَّةِ فَهُوَ وَاجِبٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>