للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله" (١).

وبالجملة، فحسن الظن إنّما يكون مع انعقاد أسباب النجاح. وأما مع انعقاد أسباب الهلاك، فلا يتأتّى إحسان الظن.

فإن قيل: بل يتأتى ذلك، ويكون مستندُ حسن الظن سعةَ مغفرة الله ورحمته وعفوه وجوده، وأنّ رحمته سبقت غضبه، وأنه لا تنفعه العقوبة ولا يضرّه العفو.

قيل: الأمرُ هكذا، واللهُ فوق ذلك، وأجلّ (٢) وأكرم وأجوَد وأرحم. ولكن إنما يضع ذلك في محله اللائق به، فإنه سبحانه موصوف بالحكمة، والعزة، والانتقام وشدة البطش، وعقوبة من يستحق العقوبة. فلو كان معوَّلُ حُسنِ الظنّ على مجرد صفاته وأسمائه لاشترك في ذلك البرّ والفاجر، والمؤمن والكافر، ووليه وعدوه. فما ينفع المجرمَ أسماؤه وصفاته، وقد باء بسخطه وغضبه، وتعرّض للعنته، وأوضعَ في محارمه، وانتهك حرماته؟ بل حسن الظن ينفع من تاب، وندم، وأقلع، وبدّل السيئة بالحسنة، واستقبل بقية عمره بالخير والطاعة، ثم حسّن الظنّ. فهذا حسن الظن (٣)، والأول غرور! والله المستعان.


(١) أخرجه الترمذي (٢٤٥٩) وأحمد ٤/ ١٢٤ (١٧١٢٣) وابن ماجه (٤٢٦٠) والحاكم ١/ ١٢٥ (١٩١) وغيرهم، من طريق أبي بكر بن أبي مريم عن ضمرة بن حبيب عن شداد بن أوس، فذكره.
قال الترمذي: "هذا حديث حسن". وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه"، فتعقبه الذهبي بقوله: "لا والله، أبو بكر واهٍ".
(٢) "أجلّ" ساقط من ز.
(٣) س، ز، ل: "حسن ظنّ". والمثبت من ف، وكذا في خا، خب.

<<  <  ج: ص:  >  >>