للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا هو الحبيب على الحقيقة لا سواه، بل لو كان في كلّ منبِتِ شعرةٍ من العبد محبّة تامّة لله لكان بعضَ ما يستحقّه على عبده:

نقِّلْ فؤادَك حيث شئتَ من الهوى … ما الحبّ إلا للحبيب الأولِ

كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى … وحنينه أبدًا لأول منزلِ (١)

فصل

ثم التتيُّم، وهو آخر مراتب الحبّ، وهو تعبّد المحبّ لمحبوبه. يقال: تيّمه الحبّ إذا عبّده. ومنه تَيْم الله، أي عَبْد الله. وحقيقة التعبد: الذلّ والخضوع للمحبوب. ومنه قولهم: "طريق معبّد" أي مذلّل قد ذلّلته الأقدام. فالعبد هو الذي ذلّله الحبّ والخضوع لمحبوبه. ولهذا كانت أشرف أحوال العبد ومقاماته هي العبودية، فلا منزل له أشرف منها.

وقد ذكر الله سبحانه أكرمَ الخلق عليه وأحبَّهم إليه -وهو رسوله محمد - بالعبودية في أشرف مقاماته، وهي: مقام الدعوة إليه، ومقام التحدّي بالنبوة، ومقام الإسراء (٢)، فقال: ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (١٩)[الجن: ١٩] وقال: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ﴾ [البقرة: ٢٣] وقال: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾.


= مجموع الفتاوى (١٨/ ١٢٩ - ١٣١). وانظر أيضا (١٠/ ٥٨ - ٥٩).
(١) لأبي تمام في ديوانه بشرح التبريزي (٤/ ٢٥٣).
(٢) انظر طريق الهجرتين (١٨)، ومدارج السالكين (٣/ ٢٩)، وشفاء العليل (٢٤٣)، وروضة المحبين (١٤٣) ومفتاح دار السعادة (١/ ١١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>