للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإيثار هذا النقد على هذه النسيئة من أعظم الغبن وأقبح الجهل. وإذا (١) كان هذا نسبة الدنيا بمجموعها إلى الآخرة، فما مقدار عمر الإنسان بالنسبة إلى الآخرة؟ فأيُّما أولى بالعاقل: إيثارُ العاجل في هذه المدة اليسيرة وحرمانُ الخير الدائم في الآخرة، أم تركُ شيء حقير صغير (٢) منقطع عن قرب ليأخذ ما لا قيمة له (٣)، ولا خطرَ له (٤)، ولا نهاية لعدده، ولا غاية لأمده.

وأما قول الآخر: "لا أترك متيقنًا لمشكوك (٥) فيه"، فيقال له: إما أن تكون على شكّ من وعد الله ووعيده وصدق رسله، أو تكون على يقين من ذلك. فإن كنت على يقين، فما تركتَ إلا ذرة عاجلة منقطعة فانية عن قرب، لأمر متيقَّن لا شك فيه ولا انقطاع له.

وإن كنتَ على شك، فراجعْ آيات الربّ تعالى الدالّة على وجوده وقدرته ومشيئته ووحدانيته، وصدق رُسُله فيما أخبروا به عنه (٦).


(١) س: "فإذا". ز: "وإن".
(٢) ف، ز: "صغير حقير".
(٣) أي لا يقدر ثمنه من عزته ونفاسته وعظم قدره.
(٤) أي لا عوض عنه ولا نظير له، كما جاء في حديث أسامة بن زيد: "ألا مشمّر للجنة، فإن الجنّة لا خطر لها" رواه ابن ماجه في كتاب الزهد (٤٣٣٢). وقال المصنف في زاد المعاد (٤/ ٢٧٣): "فلا تبع لذة الأبد التي لا خطر لها بلذة ساعة تنقلب آلامًا". وقال في المدارج (٣/ ٢٨٥): "الحياة الدائمة الباقية التي لا خطر لها من هذه الحياة الزائلة الفانية التي لا قيمة لها". ولكن جعل "لا قيمة لها" هنا للشيء الحقير.
(٥) ف: "بمشكوك".
(٦) س، ف: "عن الله".

<<  <  ج: ص:  >  >>