للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منها، وكلاءته وحراسته له وهو يقضي وطره من معصيته، بعينه، ويستعين عليها بنعمه = من أقوى الدواعي إلى محبته.

فلو أنّ مخلوقًا فعل بمخلوق أدنى شيء من ذلك لم يملك قلبَه عن محبته، فكيف لا يحبّ العبد بكل قلبه وجوارحه من يحسن إليه على الدوام بعدد الأنفاس، مع إساءته؟ فخيره إليه نازل، وشرّه إليه صاعد، يتحبّب إليه بنعمه وهو غنيّ عنه، والعبد يتبغّض إليه بالمعاصي وهو فقير إليه (١)! فلا إحسانُه وبرّه وإنعامه عليه يصدّه عن معصيته، ولا معصيةُ العبد ولؤمُه يقطع إحسانَ ربّه عنه!

فألأمُ اللؤم تخلّفُ القلوب عن محبة مَن هذا شأنه، وتعلّقُها بمحبة سواه!

وأيضًا فكلّ من تحبّه من الخلق ويحبّك إنّما يريدك لنفسه وغرضه منك، والله يريدك لك، كما في الأثر الإلهي: "عبدي، كلٌّ يريدك لنفسه، وأنا أريدك لك" (٢) فكيف لا يستحي العبد أن يكون ربه له (٣) بهذه المنزلة، وهو مُعرِض عنه، مشغول بحبّ غيره، قد استغرق (٤) قلبَه محبةُ سواه؟

وأيضًا فكلّ من تُعامله من الخلق إن لم يربح عليك لم يُعاملك،


(١) مأخوذ من "أثر إلهي" قال وهب بن منبه إنه قرأه في بعض الكتب. انظر حلية الأولياء (٤/ ٣١). ونقله المؤلف في غير موضع. انظر: زاد المعاد (٢/ ٤٠٩)، ومدارج السالكين (١/ ٤٦٤).
(٢) ذكره المصنف أيضًا في مدارج السالكين (٣/ ٤٠٧).
(٣) ف: "له ربه".
(٤) س، ل: "وقد استغرق".

<<  <  ج: ص:  >  >>