للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقاتلون عنه، ويدافعون عن حوزته، فلم يمكنه الهجوم عليه إلا بمخامرة بعض أمرائه وجنده عليه. فسأل عن أخصّ الجند به وأقربهم منه منزلةً، فقيل له: هي النفس، فقال لأعوانه: ادخلوا عليها من مرادها وانظروا مواقع محبتها وما هو محبوبها، فَعِدُوها به، ومَنُّوها إيّاه، وانقشوا صورةَ المحبوب فيها في يقظتها ومنامها، فإذا اطمأنّتْ إليه وسكنتْ عنده فاطرحوا عليها كلاليب الشهوة وخطاطيفها، ثم جُرُّوها بها إليكم.

فإذا خامرتْ على القلب، وصارت معكم عليه، ملكتم ثغرَ العين والأذن واللسان والفم واليد والرجل، فرابطوا على هذه الثغور كلّ المرابطة. فمتى (١) دخلتم منها إلى القلب فهو قتيل أو أسير أو جريح مثخَن بالجراحات. ولا تُخلوا هذه الثغور، ولا تمكّنوا سريّة تدخل منها إلى القلب، فتُخرجَكم منها. وإن غُلِبتم فاجتهدوا في إضعاف السريّة ووَهَنِها حتى لا تصل إلى القلب، وإنْ وصلتْ إليه ضعيفةً لا تغني عنه شيئًا.

فإذا استوليتم على هذه الثغور فامنعوا ثغرَ العين أن يكون نظرُه اعتبارًا، بل اجعلوا نظره تفرُّجًا واستحسانًا وتلهِّيًا. فإنْ استَرقَ نظرةَ عبرةٍ فأفسِدوها عليه بنظر الغفلة والاستحسان والشهوة (٢)، فإنّه أقرب إليه، وأعلَق بنفسه، وأخفّ عليه. ودونكم ثغَر العين، فإنّ (٣) منه تنالون بغيَتكم، فإنّي ما أفسدتُ بني آدم بشيء مثل النظر، فإنّي أبذر به في القلب بَذْرَ الشهوة، ثم أسقيه بماء الأمنية، ثم لا أزال أعِدُه وأمنّيه حتى


(١) ف: "فإذا".
(٢) "وتلهّيًا … الاستحسان" سقط من ف لانتقال النظر، فطمس بعض من قرأها الألف والسلام من "الشهوة" وضبطها بتنوين الفتحة لتكون معطوفة على "تلهّيًا".
(٣) ل، ز: "فإنّه".

<<  <  ج: ص:  >  >>