للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتجرَّدْ، وقُمْ لله ناظرًا أو مناظرًا، حتى يتبين لك أنّ ما جاءت به الرسل عن الله فهو الحق الذي لا شك فيه، وأنّ خالق هذا العالم وربّ السموات والأرض يتعالى ويتقدس ويتنزّه عن خلاف ما أخبرت به رسله عنه. ومن نسبه إلى غير ذلك فقد شتمه، وكذّبه، وأنكر ربوبيته وملكه. إذ من المحال الممتنع عند كل ذي فطرة سليمة أن يكون الملِك الحقّ عاجزًا أو جاهلًا، لا يعلم شيئًا، ولا يسمع (١)، ولا يبصر، ولا يتكلّم، ولا يأمر ولا ينهى، ولا يثيب ولا يعاقب، ولا يعزّ من يشاء ولا يذل (٢) من يشاء، ولا يرسل رسله إلى أطراف مملكته ونواحيها، ولا يعتني بأحوال رعيته، بل يتركهم سدًى، ويخلّيهم همَلًا.

وهذا يقدح في مُلك آحاد ملوك البشر ولا يليق به، فكيف يجوز نسبة الملِك الحق المبين إليه؟

وإذا تأمل الإنسان حاله من مبدأ كونه (٣) نطفة إلى حين كماله واستوائه (٤)، تبيّن له أنّ (٥) من عني به هذه العناية (٦)، ونَقَله إلى هذه الأحوال، وصرّفه في هذه الأطوار، لا يليق به أن يهمله ويتركه سدًى، لا يأمره ولا ينهاه، ولا يعرّفه حقوقَه عليه، ولا يثيبه ولا يعاقبه.

ولو تأمل العبد حقّ التأمل لكان كلّ ما يبصره وما لا يبصره دليلًا له


(١) ز: "أو لا يسمع".
(٢) س، ز: "ويذل".
(٣) ف: "بدء كونه". ز: "مبدأ حال كونه".
(٤) ز: "كماله واصطفائه".
(٥) ز: "أنه".
(٦) ل: "عني لهذه الغاية".

<<  <  ج: ص:  >  >>