للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا هو المعنى الذي عبّر عنه النبي بقوله: "من أحبَّ لقاءَ الله أحبّ الله لقاءَه" (١).

وقال بعض أهل البصائر (٢) في قوله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ﴾ [العنكبوت: ٥]: لمّا علم الله سبحانه شدة شوق أوليائه إلى لقائه، وأنّ قلوبهم لا تهدأ دون لقائه، ضرب لهم أجلًا وموعدًا للّقاء تسكن نفوسهم به.

وأطيب العيش وألذّه على الإطلاق عيش المحبّين المشتاقين المستأنسين، فحياتهم هي الحياة الطيبة في الحقيقة، ولا حياة للعبد أطيب ولا أنعم ولا أهنأ منها. وهي الحياة الطيبة المذكورة في قوله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ [النحل: ٩٧]. ليس المراد منها الحياة المشتركة بين المؤمنين والكفار (٣)، والأبرار والفجار، من طيب المأكل والملبس والمشرب والمنكح؛ بل ربما زاد أعداء الله على أوليائه في ذلك أضعافًا مضاعفةً.

وقد ضمن الله سبحانه لكلّ من عمل صالحًا أن يحييه حياة طيبة،


= وأخرجه عبد الغني المقدسي في الترغيب في الدعاء (١٦) عن أحمد بن مخلد الخراساني قال: قال الله ﷿: ألا قد طال شوق الأبرار إلى لقائي، وإني إليهم لأشد شوقًا. وما تشوق المشتاقون إلا بفضل شوقي إليهم … " (ز).
(١) من حديث عبادة بن الصامت . أخرجه البخاري في الرقاق، باب من أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقاءه (٦٥٠٧)، ومسلم في الذكر والدعاء، باب من أحبّ لقاء الله … (٢٦٨٣).
(٢) هو أبو عثمان الحيري النيسابوري (٢٩٨ هـ). انظر الرسالة القشيرية (٣٣٢).
وقد نقل المؤلف قوله في روضة المحبين (١١٣، ٥٨١) أيضًا.
(٣) "والكفار" ساقط من ف.

<<  <  ج: ص:  >  >>