للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عن الإحسان: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) (١).

قال النووي في هذه الجملة من الحديث: " هذا من جوامع الكلم التي أوتيها صلى الله عليه وسلم؛ لأنا لو قدرنا أن أحدنا قام في عبادة وهو يعاين ربه سبحانه وتعالى لم يترك شيئًا مما يقدر عليه من الخضوع والخشوع، وحسن السمت واجتماعه بظاهره وباطنه على الاعتناء بتتميمها على أحسن وجوهها إلا أتى به، فقال صلى الله عليه وسلم: اعبد الله في جميع أحوالك كعبادتك في حال العيان؛ فإن التتميم المذكور في حال العيان إنما كان لعلم العبد باطلاع الله سبحانه وتعالى عليه، فلا يقدم العبد على تقصير في هذا الحال للاطلاع عليه، وهذا المعنى موجود مع عدم رؤية العبد، فينبغي أن يعمل بمقتضاه. فمقصود الكلام الحث على الإخلاص في العبادة، ومراقبة العبد ربه تبارك وتعالى في إتمام الخشوع والخضوع وغير ذلك، وقد ندب أهل الحقائق إلى مجالسة الصالحين؛ ليكون ذلك مانعًا من تلبسه بشيء من النقائص؛ احترامًا لهم واستحياء منهم، فكيف بمن لا يزال الله تعالى مطلعاً عليه في سره وعلانيته" (٢).

ولا تتأتى هذه الحقيقة إلا باستشعار العبد أن الله تعالى قريب منه فيما أسر وفيما أعلن لا تخفى عليه خافية، قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} [البقرة: ٢٣٥].

وقال: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا} [الأحزاب: ٥٢]، وقال: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد: ٤].

"ومن تحقق بقرب الحق، سبحانه وتعالى، فأدْونه دوام مراقبته إيَّاه، لأنَّ عليه رقيبَ التقوى، ثم رقيب الحفظ والوفاء ثم رقيب الحياء:


(١) رواه البخاري (١/ ٢٧)، ومسلم (١/ ٣٦).
(٢) شرح النووي على مسلم (١/ ١٥٧).

<<  <   >  >>