للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يجدها العاصي في قلبه بينه وبين الله لا يوازنها ولا يقارنها لذة أصلاً، ولو اجتمعت له لذات الدنيا بأسرها لم تف بتلك الوحشة، ومنها الوحشة التي تحصل له بينه وبين الناس ولاسيما أهل الخير منهم، ومنها تعسير أموره عليه فلا يتوجه لأمر إلا يجده مغلقًا دونه أو متعسراً عليه، ومنها ظلمة يجدها في قلبه حقيقة يحس بها كما يحس بظلمة الليل البهيم إذا ادلهم فتصير ظلمة المعصية لقلبه كالظلمة الحسية لبصره، ومنها أن المعاصي توهن القلب والبدن، ومنها حرمان الطاعة، ومنها أن المعاصي تقصر العمر وتمحق بركته ولابد، ومنها أن المعاصي تزرع أمثالها وتولد بعضها بعضًا حتى يعز على العبد مفارقتها والخروج منها، ومنها وهو من أخوفها على العبد أنها تضعف القلب عن إرادته فتقوى إرادة المعصية وتضعف إرادة التوبة شيئاً فشيئًا إلى أن تنسلخ من قلبه إرادة التوبة بالكلية، ومنها أنه ينسلخ من القلب استقباحها فتصير له عادة، فلا يستقبح من نفسه رؤية الناس له ولا كلامهم فيه، ومنها أن المعصية سبب لهوان العبد على ربه وسقوطه من عينه، ومنها أن غيره من الناس والدواب يعود عليه شؤم ذنبه فيحترق هو وغيره بشؤم الذنوب والظلم، ومنها أن المعصية تورث الذل، ومنها أن المعاصي تفسد العقل، ومنها أن الذنوب إذا تكاثرت طبع على قلب صاحبها فكان من الغافلين، ومنها أن الذنوب تدخل العبد تحت لعنة رسول الله؛ فإنه لعن على معاصٍ، ومنها حرمان دعوة رسول الله ودعوة الملائكة، ومنها التثبط عن الطاعة والابتعاد عنها، ومنها جعل القلب أصم لا يسمع الحق أبكم لا ينطق به أعمى لا يراه، ومنها الخسف بالقلب كما يخسف بالمكان، ومنها مسخ القلب فيمسخ كما تمسخ الصورة فيصير القلب على قلب الحيوان الذي شابهه في أخلاقه وأعماله وطبيعته، ومنها مكر الله بالماكر ومخادعته للمخادع واستهزاؤه بالمستهزئ وإزاغته لقلب الزائغ عن الحق، ومنها نكس القلب حتى يرى الباطل حقًا والحق باطلاً والمعروف منكراً والمنكر معروفاً، ومنها حجاب القلب عن الرب في الدنيا والحجاب الأكبر يوم القيامة، ومنها المعيشة الضنك في الدنيا وفي البرزخ والعذاب في الآخرة، وأعظمها الخروج عن الصراط في الدنيا والآخرة (١).


(١) الجواب الكافي، لابن القيم (ص: ٣٤ - ٨٦).

<<  <   >  >>