للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال عيسى عليه السلام: " يا بني إسرائيل، ما يغني عن الأعمى معه نور الشمس وهو لا يبصرها، وما يغني عن العالم كثرةُ العلم وهو لا يعمل به؟! " (١).

إن من يقرأ في سير أهل العلم السالفين يجد أنهم كانوا يجمعون بين كثرة التعلم والتعليم وكثرة العبادة، وليس لديهم بين العلم والعبادة انفصام؛ فلهذا تقرأ في تراجم بعضهم: كان عالمًا زاهداً ورعًا، كثير العبادة، يصلي في اليوم كذا وكذا، لم تفته تكبيرة الإحرام كذا وكذا، وغير ذلك من الأوصاف الدالة على العمل بالعلم. بل كان أهل الزهد والعبادة بينهم في أعلى الرتب: يقتدون بهم، ويثنون عليهم.

"ذكر في مجلس أحمد معروف الكرخي فقال بعض من حضره: هو قصير العلم، قال أحمد: أمسك، عافاك الله، وهل يُراد من العلم إلا ما وصل إليه معروف؟ " (٢).

عن "أنس بن عياض قال: رأيت صفوان بن سليم ولو قيل له: غداً القيامة ما كان عنده مزيد على ما هو عليه من العبادة" (٣).

لذلك لابد من عودة صادقة إلى العمل بالعلم وظهور أثره في واقع المتعلم أو العالم؛ فإنهم أولى من غيرهم في الرغبة عن الدنيا والإقبال على أعمال الآخرة.

العبادة والفتن:

الفتن والهرج، والقلاقل والاضطرابات قد تلهي المسلم عن العبادة، وكثرة المسابقة إلى الطاعة، وقد يعتذر بها بعضهم لظهور كسله وفتوره وتقاعسه عن بعض الأعمال الصالحة، وحينما تدهم الناس تلك الخطوبُ فإن الغفلة تستولي عليهم، والانصراف إلى الدنيا يكون ديدنهم، وفي ظل تلك الغفلة المستحكمة يُعرف العباد والنُّساك وطلاب


(١) جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر (٢/ ١٢).
(٢) طبقات الحنابلة، للفراء (١/ ٣٨٠).
(٣) صفة الصفوة، لابن الجوزي (٢/ ١٥٣).

<<  <   >  >>