للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الآخرة، حيث ينتصرون على ضغط الواقع، وضيق نفوسهم، فيقبلون على العبادة التي بشرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بكثرة أجرها في تلك الظروف.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: (العبادة في الهرج كهجرة إليَّ) (١).

"المراد بالهرج هنا: الفتنة واختلاط أمور الناس، وسبب كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يغفلون عنها ويشتغلون عنها ولا يتفرغ لها إلا أفراد" (٢).

" قال ابن العربي: وجه تمثيله بالهجرة: أن الزمن الأول كان الناس يفرون فيه من دار الكفر وأهله إلى دار الإيمان وأهله، فإذا وقعت الفتن تعين على المرء أن يفر بدينه من الفتنة إلى العبادة، ويهجر أولئك القوم وتلك الحالة، وهو أحد أقسام الهجرة" (٣).

وقال ابن حجر عند شرح حديث: (لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه) (٤): " قال القرطبي: كأن في الحديث إشارة إلى أن الفتن والمشقة البالغة ستقع حتى يخف أمر الدين، ويقل الاعتناء بأمره، ولا يبقى لأحد اعتناء إلا بأمر دنياه ومعاش نفسه وما يتعلق به، ومن ثَم عظم قدر العبادة أيام الفتنة؛ كما أخرج مسلم من حديث معقل بن يسار رفعه: (العبادة في الهرج كهجرة إلي) " (٥).

ثمرات العبادة:

إن المسلم حينما يقبل على عبادة الله تعالى فيؤدي ما فُرض عليه ويجتنب ما نهي عنه، ويسعى إلى المسابقة إلى نوافل العبادة المتنوعة، ويصلح باطنه وظاهره، ويحسن علاقته مع الله وعلاقته مع الناس؛ فإنه سيربح ربحًا وفيراً، ويجني ثمرات كثيرة في دنياه وآخرته.


(١) رواه مسلم (٤/ ٢٢٦٨).
(٢) شرح النووي على مسلم (١٨/ ٨٨).
(٣) فيض القدير، للمناوي (٤/ ٣٧٣).
(٤) رواه البخاري (٦/ ٢٦٠٤).
(٥) فتح الباري لابن حجر (٢٠/ ١٢٣).

<<  <   >  >>