للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لا تَأُمَنِ الموتَ في طَرْفٍ ولا نَفَسٍ

قال الفضل بن يحيى: استدعاني الرشيد يومًا- وقد زخرف منازله وأكثر الطعام والشراب واللذات فيها- ثم استدعى أبا العتاهية فقال له: صِفْ لنا ما نحن فيه من العيش والنعيم، فقال أبو العتاهية:

عِشْ ما بَدَا لكَ سالماً … في ظِلّ شاهقَةِ القُصورِ

يُسْعَى عليكَ بِمَا اشتهيْتَ … لدَى الرَّوَاح أوِ البُكُورِ

فإذا النّفوسُ تَقعَقَعَتْ … في ظلّ حَشرجَةِ الصّدورِ

فَهُناكَ تَعلَم مُوقِناً … مَا كُنْتَ إلاَّ فِي غُرُورِ

فبكى الرشيد بكاء كثيراً شديداً فقال له الفضل بن يحيى: دعاك أمير المؤمنين لتسره فأحزنته! فقال له الرشيد: دعه؛ فإنه رآنا في عمى، فكره أن يزيدنا عمى. ومن وجه آخر أن الرشيد قال لأبي العتاهية: عظني بأبيات من الشعر وأوجز. فقال:

لا تَأُمَنِ الموتَ في طَرْفٍ ولا نَفَس … وإن تمنَّعتَ بالحُجَّاب والحرسِ

واعْلَمْ بأنّ سِهامَ الموت قاصدةٌ … لكلِّ مُدَّرعٍ منّا ومُتَّرِسِ

ترجو النجاةَ ولم تَسْلُكْ طَرِيقَتها … إنّ السفينةَ لا تَجْرِي على اليَبسِ" (١).

من حفظ اللهَ حفظه اللهُ في أولاده من بعده

قال ابن الجوزي: بلغني أن المنصور قال لعبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه: عظني. قال: "مات عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ وخلَّف أحد عشر ابناً، وبلغت تركته سبعة عشر ديناراً كُفِّن منها بخمسة دنانير، وثمن موضع قبره ديناران، وقسِّم الباقي على بنيه، فأصاب كل واحد من ولده تسعة عشر درهماً، ومات


(١) البداية والنهاية، لابن كثير (١٠/ ٢١٨).

<<  <   >  >>